تناولت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية اليمينية، في عددها الصادر اليوم الإثنين، خبر إيقاف لجنة مكافحة الفساد في السعودية 11 أميراً وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين، واصفةً ذلك بـ"التطهير الذي لم يسبق له مثيل".
وكتب الصحافي جورج مالبرونو، قائلاً إنّ ما يحدث في المملكة العربية السعودية، من اعتقال لأمراء أثرياء وثلاثين من الشخصيات السعودية الرفيعة، ما هو إلا "تطهير غير مألوف"، معتبراً أن "هذه العملية تضرب الأمراء الفاسدين من عائلة آل سعود، كما تضرب خصوماً سياسيين محتملين".
ورأى مالبرونو، أنّ هذه العملية "غير مسبوقة في بلاط آل سعود، حيث كان يفضّل، دائماً، استخدام الصفقة والتسوية على العصا. ولكن مع ولي العهد محمد بن سلمان، الرجل القوي الجديد، فإن هذه الرحمة ولّت".
ونقل الصحافي عن رجل أعمال فرنسي، لا يزال تحت الصدمة، قوله: "لقد مسّت عملية الأيادي النظيفة، هذه، تقريباً، كل أصحاب الثروات الكبرى في المملكة". وذكر المليارديرات الذين استهدفتهم عملية محمد بن سلمان، ومنهم الوليد بن طلال وصالح كامل وبكر بن لادن، الوسيط للعديد من الشركات الفرنسية، وأيضاً خالد التويجري وابنه تركي، واصفاً إياهم بأنهم "رجال الأعمال الذين كدّسوا الثروات أثناء حكم الملك الراحل عبد الله".
وأسهب كاتب المقال في الحديث عن الأمير الوليد بن طلال، باعتباره مقرباً من الإليزيه، قائلاً إنه "أكثر الأمراء السعوديين شغفاً بفرنسا. وغالباً ما يتباهى الأمير السعودي، مالك فندق جورج 5، بصداقته مع رئيسي الجمهورية الفرنسية السابقين؛ نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، اللذين كانا يستقبلانه في الإليزيه".
وفي هذا الصدد، كشف عن علاقات الوليد بن طلال الاقتصادية مع فرنسا، مبيناً أنه "وقّع اتفاق شراكة مع صندوق الإيداع. وأنقذ، أخيراً، المصرف السعودي الفرنسي من ضائقة مالية، كما أنه ساهم مع السياسي الفرنسي جان- لويس بورلو في إطلاق عمليات مساعدة أفريقيا".
ولا يخفي الصحافي الفرنسي، أنّه بِاسْم مكافحة الفساد في مملكة شديدة الثراء، ومنذ فترة طويلة، فإن ولي العهد يستفيد من هذه العملية لإبعاد بعض الأصوات التي يمكنها أن تضايقه في صعوده إلى قمة السلطة، مبيناً "من هذه الأصوات الوليد بن طلال، ابن (الأمير الأحمر)، الذي يعيش منفياً في القاهرة منذ سنوات عديدة. وأيضاً مالكو شبكات كبرى للسمعي البصري، مثل وليد الإبراهيم، كذلك وزير الحرس الوطني، متعب، ابن الملك عبد الله، وآخر عضو في الجناح المنافس يمكنه أن يغطي على ولي العهد".
كما نقل مالبرونو عن رجل أعمال فرنسي آخر، مقاربته عملية تخلّص محمد بن سلمان من وزراء ومسؤولين، ثم تعويضهم بمقرّبين أوفياء له، معتبراً أن "بن سلمان فعل مثل ما فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ كسر كل الأوليغارشيين الذين يمكنهم أن يسدّوا الطريق في وجهه".
وتابع رجل الأعمال، أن "هذه العملية عززت سلطة بن سلمان"، واصفاً صعوده بـ"الخاطف"، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنه "في ثلاث سنوات، أصبح، في آن واحد، وزيرا للدفاع ومديراً للديوان ورئيساً للجنة الشؤون الاقتصادية، قبل أن يضع يده على شركة أرامكو، العملاق النفطي، التي ينوي خصخصتها، وقبل أن يبعد في شهر يونيو/حزيران الماضي، محمد بن نايف، رجل الاستخبارات الأميركية ومكافحة الإرهاب. وأخيراً اعتقال رجال دين ومثقفين، يعارضون سياسَتَه في الانفتاح أو الحربَ التي أعلنها ضد جارته، قطر".
في المقابل، رأى الصحافي الفرنسي أن هذه المبادرات خلقت له أعداء كثيرين، في العائلة المالكة، حيث إن مجلس البيعة، وخلافاً لما أعلن عنه رسمياً، لم ينعقد للموافقة على تعيينه ولياً للعهد. وهنا، ينقل مالبرونو عن دبلوماسي تحذيره من أن "هذا الضغط من قبل محمد بن سلمان، يمكن أن يكون خطيراً، على المستوى البعيد. لأن بن سلمان سيحتاج إلى هؤلاء (أمراء الصف الأول) للنجاح في رهانه".
على مقلب آخر، نقل الصحافي عن مختص في الشأن السعودي، فرانسوا عيسى توازي، قوله: "إن ما يهمّ محمد بن سلمان هي الطبقات المتوسطة والشباب الذين يشكلون 70 في المائة من المجتمع السعودي"، إذ إن هاتين الشريحتين، كما قال المحلل، ستصفقان لعملية الأيدي النظيفة.
ورأى مالبرونو أنه "بعد سنوات من الجمود، وبينما أصبح العدو الإيراني قوة إقليمية، يريد محمد بن سلمان انبثاق مملكة سعودية جديدة. وهو لهذا يراهن على مرحلة ما بعد النفط، وأيضاً على وضع اللوبي القوي للمحافظين الدينيين في مكانه".
كما أن بن سلمان، كما نقل مالبرونو عن المحلل توازي، "يبدو أنه يريد الذهاب إلى ما هو أبعد، إذ إنه يريد التشكيك في العَقد المُؤسِّس، الذي يعود إلى قرنين من الزمن، ما بين آل سعود والوهابيين، والذي بمقتضاه تتخلى العائلة الحاكمة عن سلطتها على ما هو ديني مقابل ولاء الوهابيين لها".
يتحدث فرانسوا عيسى- توازي عن "طاقة وسلطة" محمد بن سلمان المتدفقة، مشككاً في آنٍ "هل سيكون ذلك كافياً لإحداث التحولات التي تدور بخلده؟".
وفي نهاية المقال، طرح الصحافي الفرنسي سؤالاً يطرحه الكثيرون: "هل يستطيع محمد بن سلمان أن يقود كل هذه الأوراش، في الوقت الذي يغرق بلده في الحرب في اليمن ضد متمردين متحالفين مع إيران، وفي الوقت الذي لم ينجح فيه في إعادة قطر إلى الصف؟".