09 نوفمبر 2024
ليالي "اليمين" في فيينا
الواجهة ألمانية. الضجيج فرنسي. القلق اسكندنافي. الرعب نمساوي. هكذا، يُمكن تلخيص مسار اليمين الأوروبي. ألمانيا تُمثّل الواجهة اليمينية الساكنة في اللاوعي الإنساني، لناحية الألم الذي سبّبته النازية، باستيلادها الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). فرنسا ضجيج إعلامي ـ سياسي ـ اجتماعي ـ ثقافي، ليمينٍ محوره "الجبهة الوطنية"، ويحتلّ موقعاً مركزياً في الإعلام العالمي. أما بالنسبة إلى اسكندنافيا (النرويج، والسويد، والدنمارك خصوصاً، وفنلندا بدرجة أقلّ)، فتُعدّ نسخة نموذجية عن "مثالية" إنسانوية، بدأت تنهار على وقع الزحف اليميني. هكذا كانت لوحة القارة الأوروبية، حتى فجر الأحد، 24 أبريل/نيسان. لوحة يُمكن تغييرها بحكم ترسّبات العقد الاجتماعي، الذي نشأ في تلك الدول، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ونما بقوةٍ في ستينيات القرن الماضي، سامحاً لنظم يسارية، مبنيةٍ على الاشتراكية وروحية العدالة الاجتماعية، لا الشيوعية، بالتغلغل في البيئة الاجتماعية الأوروبية. تلك الترسّبات يُمكن أن تؤجل انفجار اليمين "الحتمي" وصعوده الفاقع على وقع مسألة اللجوء إلى القارة الأوروبية.
لكن الرعب الحقيقي، أو الوجه المجرّد لليمين، لا يأتي سوى من النمسا، جارة ألمانيا، والمتماهية معها في دولةٍ واحدة، أيام وحدة "الأنشلوس" (1938ـ 1945)، بحكم "نمساوية" الزعيم النازي، أدولف هتلر. من فيينا بدأ "الفوهرر"، قبل أن ينطلق إلى ألمانيا والبقية معروفة. بعد أكثر من 71 عاماً على نهاية هتلر في حفرة في العاصمة الألمانية برلين، يعود مرشح حزب الحرية اليميني المتطرف، نوربرت هوفر، من بوابة الانتخابات الرئاسية. حقق هوفر "نصف انتصار تاريخي"، يوم الأحد، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية النمساوية، بانتظار الجولة الثانية المقررة في 22 مايو/أيار المقبل. نال هوفر 35.1 % من الأصوات، في مقابل 21.3% لمنافسه، ألكساندر فان دير بيلين، المستقل المدعوم من حزب "الخضر". ولا أمل بفرملة تقدّم هوفر، إلا بتكتّل الجميع خلف فان دير بيلين، في الجولة الثانية، وهو أمر صعب للغاية حتى الآن في فيينا.
ومن شأن فوز هوفر، إذا حصل في 22 مايو/أيار، أن يُعبّد الطريق، لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني، بقيادة فراوكه بتري ويورغ مويثن، لوراثة المستشارة أنجيلا ميركل في أية لحظة. كما سينعكس انتصار اليمين في فيينا، إيجاباً على "الجبهة الوطنية" اليميني الفرنسي، مانحاً رئيسته، مارين لوبان، جرعة عالية من التفاؤل، قبل الانتخابات الفرنسية ربيع 2017. كما يُعيد بعضاً من "ألق" الهولندي، غيرت فيلدرز، زعيم حزب "من أجل الحرية" اليميني المتطرف.
في الواقع، لم يأتِ هوفر من العدم، بل سبقه يورغ هايدر، الزعيم السابق لحزب "الحرية"، والمقتول بحادث سير عام 2008. هايدر فاجأ الجميع باحتلال حزبه المركز الثاني في الانتخابات التشريعية النمساوية، عام 1999. حينها لم يكن هناك لا لاجئون، ولا فلاديمير بوتين في أوكرانيا، ولا مدّ يميني يولد ولا 11 سبتمبر/أيلول 2001. واجه هايدر معارضة شرسة أوروبياً، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرييل شارون، أدلى بدلوه ضده أيضاً. وُلد اصطفاف أممي، قضى على وجود حزب "الحرية" في تحالف حكومي وقتها.
لا شيء مقلقاً لأوروبا حالياً، أكثر من تطوّر وضع هوفر، وتحوّله إلى واجهةٍ لعملية فصل بين الغرب الأوروبي والبلقان، مع ما يعنيه ذلك من وقف تدفّق اللاجئين، وتحوّلهم إلى قنبلة موقوتة تؤدي إلى اشتعال الحروب. موقع النمسا الجيوبوليتيكي ربما يكون الأدق أوروبياً في الوقت الحالي.
في كتب التاريخ، للنمسا حصة كبيرة في الحربين العالميتين، في الأولى (1914 ـ 1918)، قُتل ولي عهدها الأرشيدوق، فرانتز فرديناند، على يد طالب صربي، لتشتعل القارة الأوروبية، ثم العالم بحرب شعواء. وفي الحرب الثانية، كان هتلر موجوداً. الآن، أياً كان المستقبل، إلا أن حجر الزاوية سيكون من النمسا.
لكن الرعب الحقيقي، أو الوجه المجرّد لليمين، لا يأتي سوى من النمسا، جارة ألمانيا، والمتماهية معها في دولةٍ واحدة، أيام وحدة "الأنشلوس" (1938ـ 1945)، بحكم "نمساوية" الزعيم النازي، أدولف هتلر. من فيينا بدأ "الفوهرر"، قبل أن ينطلق إلى ألمانيا والبقية معروفة. بعد أكثر من 71 عاماً على نهاية هتلر في حفرة في العاصمة الألمانية برلين، يعود مرشح حزب الحرية اليميني المتطرف، نوربرت هوفر، من بوابة الانتخابات الرئاسية. حقق هوفر "نصف انتصار تاريخي"، يوم الأحد، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية النمساوية، بانتظار الجولة الثانية المقررة في 22 مايو/أيار المقبل. نال هوفر 35.1 % من الأصوات، في مقابل 21.3% لمنافسه، ألكساندر فان دير بيلين، المستقل المدعوم من حزب "الخضر". ولا أمل بفرملة تقدّم هوفر، إلا بتكتّل الجميع خلف فان دير بيلين، في الجولة الثانية، وهو أمر صعب للغاية حتى الآن في فيينا.
ومن شأن فوز هوفر، إذا حصل في 22 مايو/أيار، أن يُعبّد الطريق، لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني، بقيادة فراوكه بتري ويورغ مويثن، لوراثة المستشارة أنجيلا ميركل في أية لحظة. كما سينعكس انتصار اليمين في فيينا، إيجاباً على "الجبهة الوطنية" اليميني الفرنسي، مانحاً رئيسته، مارين لوبان، جرعة عالية من التفاؤل، قبل الانتخابات الفرنسية ربيع 2017. كما يُعيد بعضاً من "ألق" الهولندي، غيرت فيلدرز، زعيم حزب "من أجل الحرية" اليميني المتطرف.
في الواقع، لم يأتِ هوفر من العدم، بل سبقه يورغ هايدر، الزعيم السابق لحزب "الحرية"، والمقتول بحادث سير عام 2008. هايدر فاجأ الجميع باحتلال حزبه المركز الثاني في الانتخابات التشريعية النمساوية، عام 1999. حينها لم يكن هناك لا لاجئون، ولا فلاديمير بوتين في أوكرانيا، ولا مدّ يميني يولد ولا 11 سبتمبر/أيلول 2001. واجه هايدر معارضة شرسة أوروبياً، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرييل شارون، أدلى بدلوه ضده أيضاً. وُلد اصطفاف أممي، قضى على وجود حزب "الحرية" في تحالف حكومي وقتها.
لا شيء مقلقاً لأوروبا حالياً، أكثر من تطوّر وضع هوفر، وتحوّله إلى واجهةٍ لعملية فصل بين الغرب الأوروبي والبلقان، مع ما يعنيه ذلك من وقف تدفّق اللاجئين، وتحوّلهم إلى قنبلة موقوتة تؤدي إلى اشتعال الحروب. موقع النمسا الجيوبوليتيكي ربما يكون الأدق أوروبياً في الوقت الحالي.
في كتب التاريخ، للنمسا حصة كبيرة في الحربين العالميتين، في الأولى (1914 ـ 1918)، قُتل ولي عهدها الأرشيدوق، فرانتز فرديناند، على يد طالب صربي، لتشتعل القارة الأوروبية، ثم العالم بحرب شعواء. وفي الحرب الثانية، كان هتلر موجوداً. الآن، أياً كان المستقبل، إلا أن حجر الزاوية سيكون من النمسا.