وشرع المجلس الأعلى للدولة في مناقشة الأسماء المرشحة لتولي المناصب السيادية في البلاد، حيث قال مصدر مقرب من المجلس لــ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، إنّ "الأسماء المطروحة للنقاش مرشحة لتولي منصب محافظ بنك ليبيا المركزي، ورئيس أركان الجيش ومؤسسات الشرطة والجمارك".
ويستند المجلس الأعلى للدولة، أحد الأجسام الثلاثة المنبثقة عن الاتفاق السياسي، على نصوص مواد الاتفاق سيما المادة 15 التي تنص على توليه ترشيح أسماء لتولي المناصب القيادية في الدولة بالتشاور والتعاون مع البرلمان.
وكان المجلس الأعلى للدولة قد أعلن، في بيان، الأربعاء الماضي، عن توليه كافة الصلاحيات التشريعية الخاصة بالبرلمان، إلى حين تمكن الأخير من عقد جلسة لمناقشة الاستحقاقات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي، متهماً رئيس البرلمان عقيلة صالح ومواليه، بعرقلة المسار السياسي وفق الاتفاق.
وأثار القرار موجة من الجدل في الأوساط المحلية والدولية، رغم التبريرات التي قدمها المجلس في بيانه، حيث أعلن رئيس اللجنة الإعلامية في المجلس الأعلى بلقاسم قزيط، في تصريحات صحافية، رفضه للقرار، واصفاً إيّاه بــ"الفردي" من قبل بعض أعضاء المجلس، ولا يعبر عن رأي كافة أعضائه.
وفي أول رد دولي، أعلنت 22 دولة، في بيان مشترك، خلال الاجتماع الوزاري في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس الماضي، أنّ البرلمان هو الجهة التشريعية الوحيدة بالبلاد.
ودعا البيان "رئيس المجلس الرئاسي بسرعة تقديم حكومة وفاق وطني ليتم التصويت عليها، بلا تعطيل من مجلس النواب الذي يعتبر السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد"، مشدداً على ضرورة إتمام خطوات الاتفاق السياسي بحسب نصوصه ومواده.
لكنّ رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، اعتبر أنّ "مجلس النواب المنشأ بموجب الاتفاق السياسي لم يوجد بعد"، حيث يستمد البرلمان شرعيته ووجوده من خلال تصويته على تضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري.
ومنذ التوقيع على الاتفاق السياسي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في الصخيرات المغربية، لم يتفق أعضاء البرلمان على تضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري، حيث صوّت البرلمان على الموافقة على الاتفاق بشرط تجميد المادة الثامنة التي يعتبرها نواب موالون للعقيد المتقاعد خليفة حفتر أنّها صمّمت من أجل استبعاده من على رأس مؤسسة الجيش.
وفي ردود فعل، اعتبر النائب الأول لرئيس البرلمان محمد شعيب، والمعروف بولائه للاتفاق السياسي والمجلس الرئاسي، أنّ بيان المجلس الأعلى للدولة "تصعيد للأزمة وانقلاب على السلطة التشريعية في البلاد"، مطالباً الجميع بــ"عدم الاعتداد به والالتفات إليه".
وتلا بيان شعيب، بيان رسمي من البرلمان أكد فيه الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق رفضه لمساعي السويحلي، واصفاً الخطوة بــ"العبث السياسي والانقلاب على نصوص الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي".
وفيما اعتبر مراقبون، أنّ خطوة المجلس الأعلى للدولة "مناورة سياسية" تهدف إلى تكثيف الضغط على البرلمان من أجل تولي مسؤولياته، اعتبر عضو المجلس ناجي مختار أنّ "نصوص الاتفاق السياسي واضحة في تخصيص البرلمان بالجانب التشريعي"، قائلاً في تصريحات صحافية، إنّ "مهمة تعديل الإعلان الدستوري بتضمين الاتفاق السياسي فيه مهمة أصيلة للبرلمان دون غيره ولا يمكن أن يتولاها غيره بسحب صلاحياته التشريعية".
واتهم مختار المجلس الأعلى بأنّه "استغل غياب غالبية أعضائه إما في إجازات تأدية فريضة الحج أو لتغيبهم في مهام أخرى، وطرح مشروع قراره للتصويت بأغلبية من حضر، وهو ما ينافي القانون".
ويلوم عدد من المسؤولين الليبيين البرلمان لاستمراره في "المماطلة" وعدم الوفاء باستحقاقات المرحلة الموكلة إليه، مما خلّف ارتباكاً سياسياً زاد من تعقيد الأزمة في البلاد.
وحتى المجلس البلدي لمدينة مصراته، التي تعتبر أكبر مؤيدي الاتفاق السياسي في غرب ليبيا، قد رفض في بيان "تعدي أي طرف على صلاحيات الطرف الآخر"، معتبراً أنّ "عدم قيام الأجسام المنبثقة عن الاتفاق بتنفيذ ما عليها من استحقاقات والتزامات عرقل إنهاء الأزمة الراهنة".
وبالرغم من المعارضة التي لقيتها خطوة المجلس الأعلى للدولة، إلا أنّ البرلمان يواجه تهماً من أغلب الأطراف الليبية، تتعلق بكونه سبباً رئيسياً في انسداد الأفق السياسي في البلاد.
ورداً على الانتقادات حول خطوة المجلس الأعلى تساءل عدد من المتابعين للشأن الليبي عن شرعية البرلمان التي يستند إليها المجلس، حيث إنّ ولايته انتهت في 20 أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، بحسب نصوص الإعلان الدستوري، وبالتالي لا يملك المجلس أي شرعية إلا إذا وافق على الاتفاق السياسي الذي شارك في التوقيع عليه، وتضمينه في الإعلان الدستوري.
وذهب عدد من المتابعين إلى أكثر من ذلك حيث اتهموا البرلمان بالمماطلة من أجل كسب الوقت وفرض سلطته بقوة السلاح، لاسيما بعد مباركته لاقتحام قوات حفتر منطقة الهلال النفطي مؤخراً.
ورغم توالي مواقف الرفض الدولي لقرار المجلس الأعلى للدولة، خصوصاً من قبل البعثة الأممية، إلا أنّ اللقاء الوزاري الأخير في نيويورك، الخميس الماضي، تأثرت نتائجه بمتغيرات الساحة الليبية، بعد تقدّم حفتر العسكري وضغوط مجلس الدولة سياسياً. فقد طالب المجتمعون في بيان مشترك، الخميس الماضي، "المجلس الرئاسي بضرورة الإعداد لمرحلة الانتقال السلمي لانتخاب حكومة دائمة ومنتخبة خلال العام القادم"، داعياً "لجنة صياغة الدستور إلى استكمال مشروع الدستور الدائم للبلاد للاستفتاء عليه تمهيداً لانتقال البلاد للمرحلة الدائمة".