يُسجَّل تزايد ملحوظ في المدارس الأجنبية بالعاصمة الليبية طرابلس، وكذلك إقبال كبير عليها من قبل المواطنين الذي يصرّون على تعليم أبنائهم فيها. ويُسأل: هل هو الهوس باللغة الأجنبية في ليبيا أم تردّي المستوى التعليمي في المدارس المحلية أم أسباب أخرى؟
لا تخفي أم إسلام امتعاضها من "تردّي المستوى التعليمي في مدارسنا"، مبرّرة بذلك تسجيل ابنها في مدرسة تعتمد اللغة الإنكليزية في مناهجها، وسط طرابلس. تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ لا أحد ينكر ذلك، "لا سيّما مع عدم وجود مدرّسين أكفاء ولا توفّر تجهيزات مدرسية ملائمة ولا انتظام بالدراسة التي تأخرت هذا العام لمدّة شهرَين كاملَين بسبب إضراب المدرّسين". وتؤكد أنّها "كما غيري، أبحث عن تعليم أفضل لأبنائي". وتشير إلى أنّ ابنها كان في مدرسة محلية خلال الصف الأول من التعليم الأساسي، "لكنّني نقلته في العام الماضي إلى هذه المدرسة الأجنبية. وهو اليوم في الصف الثالث". وتوضح أم إسلام أنّها سوف تسجّل ابنها الآخر حين يحين الوقت في هذه المدرسة منذ البداية، "فأنا لمست فارقاً كبيراً جداً بين تعليم الأجانب وتعليمنا المحلي".
لا يختلف رأي محمود العبدلي وهو أب لثلاثة أطفال يتعلّمون في مدرسة "ليدي بيرد" بريطانية، مع أم إسلام، مؤكداً أنّ "من شأن إدخال الطفل منذ البداية إلى مدارس أجنبية لتأسيسه لغوياً بشكل متين، أن يمكّنه من الدراسة بشكل أفضل في المرحلة الثانوية". ويشرح لـ"العربي الجديد" أنّه "لا توجد ثانويات متخصصة يختار منها التلميذ ما يرغب فيه ليستعدّ للتخصص في الجامعة، وهذا الخيار متوفّر فقط في المدارس الأجنبية". يضيف العبدلي أنّ "التخصصات الجامعية العلمية كالهندسة والطب وغيرهما، تُدرّس أكثر موادها باللغة الإنكليزية. وما يحدث هو أنّ الطالب الذي يأتي من التعليم المحلي لا يعرف كيفية تركيب جمل إنكليزية، لذا تأتي المخرجات صفرا".
وعن المستوى التعليمي في المدارس المحلية الخاصة، تقول أم إسلام" إنّ "تكاليف هذه المدارس تساوي تكاليف المدرسة الأجنبية. وبالتأكيد، أفضّل أن يتخرّج ابني من مدرسة بشهادة معتمدة من أكسفورد من دون أن يتحمّل عناء السفر وتكاليفه. هذا ممتاز جداً بالنسبة إليّ وإلى غيري".
في السياق، ترى المتخصصة في علم الاجتماع، كريمة عزيز، أنّ "الأساليب العصرية للاعتناء بالطفل والتي تؤمّنها المدارس الأجنبية أذهلت أصحاب التجارب الأولى في هذه المدارس. وهو ما دفع الأهل إلى الإقبال عليها". وتوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه المدارس تدرس واقعنا المحلي وتعرف كيف تنتشل الطفل من بيئة متردية في الغالب، وتوجّه الأهل كذلك". تضيف أنّ "ثمّة عوامل إضافية تدفع في هذا الاتجاه، ومنها هوس المواطن باللغة الإنكليزية التي حاربها النظام السابق وألغى مادتها رسمياً من كلّ مراحل التعليم، فصارت حلماً وراح ربّ الأسرة يسعى إلى تعويض حرمانه منها من خلال أبنائه". وتؤكد عزيز أنّ "ثمّة وعياً كبيراً لدى أرباب الأسر بأهمية تعلّم أولادهم مناهج دولية تماشي العصر وتمكّنهم من متابعة دراستهم العليا في أيّ مكان في العالم". وتشير عزيز إلى أنّ "عدد المدرّسين المعيّنين في المدراس الليبية قارب عدد التلاميذ، بسبب كثرة التعيينات في قطاع التعليم من دون التدقيق في المؤهلات والتخصصات التي لا علاقة لها بالتعليم في أحيان كثيرة".
يبقى الأمل بتعزيز المدارس المحلية (سعيد خان/ فرانس برس) |
من جهته، يقول المسؤول في إدارة التعليم الحر في وزارة التعليم بطرابلس، علي الذيب، إنّ "الإقبال الكبير على المدارس الأجنبية فرض علينا قبولها مؤقتاً على الرغم من القوانين التي تمنع مدارس الجاليات الأجنبية من استقبال الأطفال الليبيين في صفوفها". ويلفت إلى أنّ "ثمّة مدارس أجنبية أُجبرت على إقفال أبوابها، على خلفية تأزّم الأوضاع الأمنية في البلاد. لكنّ ثلاث مدارس ما زالت تؤمّن التعليم لتلاميذها في طرابلس".
وإذ يقرّ الذيب بأنّ "تردّي المستوى التعليمي في المدارس المحلية هو سبب مباشر للإقبال على تلك الأجنبية، بالإضافة إلى أنّ مناهجنا صارت متخلفة عن مواكبة العصر، يعبّر عن "تخوّف من النتائج السلبية على الطفل الليبي. فلا رقابة حقيقية لنا على تلك المدارس، إذ إنّ قسم التعليم الأجنبي في إدارة التعليم الحر، لا يضمّ كفاءات كبيرة قادرة على الرقابة والإشراف على المدراس الأجنبية". ويتابع أنّ "المواطنين هنا يرون أنّ هذه المدارس مخلصة لتعليمها، وأنّ إدارات بلدانها تراقب جودتها. لكنّنا في الحقيقة لا نعرف جدية التدريس فيها ومدى الانضباط في مناهجها".
لكنّ عزيز تعترض على مثل هذا الكلام، قائلة إنّه "غير دقيق". وتؤكد أنّ "نجاح التجربة في هذه المدارس وحجم الإقبال شجّعا أجانب مقيمين في ليبيا على الاستحصال على تراخيص لفتح مدارس خاصة بالشراكة مع ليبيين، تدرّس مناهجها باللغة الإنكليزية". وتشير إلى أنّ "ثمّة مدراس ليبية خاصة تعطي تلاميذها خيار متابعة تعليمه بالعربي أو بالإنكليزي".
وعن سلبيات الإقبال على التعليم الأجنبي ومخاطره، تقول عزيز إنّ "تخرّج طالب جامعي من دون أن يعرف كيف يكتب باللغة العربية، يعني تغريباً في وطنه، بالإضافة إلى الثقافة الغريبة عن مجتمعه التي يتلقّاها من خلال مناهج هذه المدارس". وترى أنّه "بهدف احتواء هذه القضية، يجب الاتجاه إلى تشجيع المدارس الليبية التي تعطي تلاميذها خيار التعلّم باللغة الإنكليزية، ووضع خطط دراسية فيها لتعزيز الهوية والانتماء الوطنيين لدى التلميذ. ونجاح ذلك من شأنه أن يشجّع الأهالي على الإقبال عليها بدلاً من التوجّه إلى المدارس الأجنبية". وتشدّد على أنّ "التعليم الإنكليزي يبدو ملحاً وقد فرضه الواقع، لذا يجب علينا التعامل معه بالتوازي مع رفع كفاءات التعليم المحلي وانتشاله من واقعه السيئ الذي يعرفه".