ليس الآن

15 يوليو 2017
ييروما في إحدى حفلاته (من الإنترنت)
+ الخط -
ليس الآن. الصعود إلى الجبل صعب. صبيّة تحمل قلب وأطراف عجوز. ليس الآن. الصبيّة متعبة. لا تكذب حين تقولها، أو تختارها عوضاً عن عبارات أُخرى. الكتب مفتوحة أمامها إلى ما لا نهاية. تعيش في قصاص. قيل لها إن تقرأها دفعة واحدة، حتّى باتت تهذي. ليس الآن.

موسيقى كلاسيكيّة. ولماذا تكون جزءاً من هذا النصّ؟ ييروما في مقطوعته "قبّل المطر"، يدعوها إلى البكاء. لا تحبّ الموسيقى الكلاسيكيّة، ولطالما كانت تخجل من قول ذلك. أليس هذا جهلاً؟ وأحياناً، يكون الأمر خاضعاً لمزاجها. البيانو الكبير في الصالة، وييروما يعزف مقطوعته ويدعوها إلى البكاء. قد تطلب منه أن تجلس مكانه وتجرّب البكاء بأناملها. لن يكون الأمر صعباً أو مستحيلاً. ما إن تجلس على الكرسي، ستشعر.

والجاز.. تحبّه. تحبّه بمزاجٍ لم يعد ملكها. فقدته منذ زمن. لم تعترف لوقت طويل، وكانت تحتال على فقدانها إيّاه بالقول إنّها "مزاجية". الأصحّ أنّها لا تملكه. لكنّها تحبّ الجاز في حانةٍ يملأها خشب عتيق حفر عليه الكثير من الناس. تقرأ تلك الحروف وتبتسم. خشب عتيق ونور خافت وجاز. هذا مزاجها، المستعار ربّما. والمطربة وردة أحلى منهم. تغنّي وتحضن أغنياتها وجمهورها. كانت لها رسالة. أحبّت الحياة لتجعلها جميلة في عيون الناس. وما دخلهم جميعاً؟ هم موقف كثيراً ما يضيع منها مثل مزاجها، فتصمت طويلاً.

ليس الآن. كان جسدها يرتعش. هدأ قليلاً، قليلاً فقط. وذلك الطفل يراها ممدّدة، تطوي جسدها أحياناً. يقبّلها ويبتعد عنها. تتأمل أصابع قدميه. هذه متعتها وإن كبر. يسألها أيّ الأصابع تفضلين، فتضحك. هل يكون بخير؟ تسأله. ماذا يمكن أن يجيب طفل على سؤال كهذا؟ أتراه يشعر بضيق؟ لا، ليس الآن.

ربّما تتعلّم لفّ "ورق العنب". ستقضي ساعات تطوي هذه الأوراق، وتبتعد عن عالم قبيح، عرفت للمرة الأولى أنّه لا يناسبها. فيه، ما زالت طيّبة تؤمن بكلماتٍ طيّبة لا يقولها غير الصغار. الآن، لم يعد العالم صالحاً لها. وهذا التأقلم المنافق الذي يجعلنا نشتري أمزجة بدلاً من أن نبنيها.

كأنّ ييروما يتّجه نحو كرسيّه الأبيض. قالت له أن ينتظر قليلاً، لكنّه ظل يمشي. الآن تصمت طويلاً، مثل دبّ خزّن طعاماً في أحشائه، ثمّ تطوي جسدها وتتمنى ألا ينظر إليها ذلك الطفل. تخاف صمتها وكل الكلمات والنظرات. تخاف عالماً قسا عليها من دون أن يضع في طريقها أحداثاً كبيرة. الصيف لا يفسح أيّ مجال لشتاء أو لمطر. ليس الآن، فما زال هناك متسع من الوقت. لكنها ستكذب وتقول إن "الشتاء بات على الأبواب"، وتنتظر سقوط المطر وتقبّله.

دلالات