19 سبتمبر 2022
ليس صراعا من أجل مستقبل العراق
تعمّ العراق اليوم حمّى الانتخابات المقبلة، وتزداد سخونةً مع تسارع الأيام، ولم تزل الوجوه السياسية نفسها المسيطرة على المشهد السياسي، ولم تزل الطبقة السياسية التي جاءت بها أحداث 2003 والاحتلال الأميركي هي التي تتنافس في الاستحواذ على السلطة، والبقاء على سدّة الحكم بشكلٍ لا يمكن تخيله، ولم يفسح المجال أبدا حتى الآن لأي قوى سياسيّة جديدة، كي تأخذ طريقها، لا لتتنافس من خلال صناديق الاقتراع، بل لإثبات نفسها أمام الشعب. واستماتت الطبقة الحاكمة في أن تبقي مفوضية الانتخابات تحت هيمنتهم بلا قضاة.
أغلقت المفوضيّة العراقية العليا للانتخابات مهامها في تسجيل التحالفات السياسّية لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة. وعليه، فان الصراع المحتدم اليوم يتمثّل حقيقة بين أربع قوى شيعية كبيرة: تحالف دولة القانون ويمثله نوري المالكي وحلفاؤه، وهناك تحالف النصر لحيدر العبادي وجماعته، وتحالف جديد سمّوه المجاهدين، أو تحالف الفتح المبين (بدلا من الحشد الشعبي) ويمثلهم هادي العامري وأمراء الحشد (وهذا تجاوز دستوري والتفاف على الدستور)، ثم هناك التيار الصدري واسع النطاق وتحالفه باسم ثائرون للإصلاح.. أما ما تسمّى التحالفات المدنية، فهناك التجمع المدني للإصلاح بزعامة إياد علاوي، وتحالف القوى المدنية مع الشيوعيين.. أمّا الأكراد فمنقسمون بين القائمة الوطنية الكردية والتحالف الكردستاني. هذه هي التشكيلات الأساسية المتصارعة من أجل الاستحواذ على السلطة باسم الانتخابات.
وبدا واضحاً أن الصورة التي بدت عليها التشكيلات التي ستخوض الانتخابات تستند إلى الطائفية المقيتة مع استثناءاتٍ لا تأثير لها، ذلك أن الوجوه التي بقيت مصرّة على البقاء في السلطة، وتتداولها فيما بينها هي نفسها منذ 15 سنة مضت، فلا يمكن لأحدٍ بعد اليوم أن يعتب على حكامٍ عراقيين سابقين احتكروا السلطة فيما بينهم زمناً طويلاً، وإذا كانوا قد احتكروها إبان عهودهم، فقد قدّموا للبلاد إنجازاتٍ كبرى، فما الإنجازات التي قدّمتها الحكومات الحالية العراقية منذ 15 عاماً؟ على كلّ عراقي أن يسأل نفسه: هل يقبل ضمير أي عراقي أن يعيد انتخاب هؤلاء الذين دمرّوا العراق، وسرقوه وأضعفوه، وامتهنوا إرادة أهله وبعثروا موارده؟ هل يحقّ لأمثال هؤلاء الذين سحقوا العراق أن يعيدوا ترشيح أنفسهم من أجل أن يبقوا في السلطة ثانية
وثالثة، بلا أيّ رادع أخلاقي ولا أي حياء؟ تاريخ أيّ واحدٍ من هؤلاء، أو تاريخ أيّ حزبٍ من أحزابهم، يوضح أن كلا منهم غاطس في الجرائم والفساد ودماء العراقيين ونهب البلاد، فكيف يحقّ لكم أن تعيدوا إنتاج أنفسكم ثانية، من أجل البقاء في السلطة؟ ماذا قدّمتم للعراق والعراقيين منذ 15 سنة غير الكوارث والنكبات والحروب الأهليّة والصفقات المشبوهة والتدمير الممنهج للمدن، وبعثرة اقتصادات البلاد، وسحقتم الناس ونهبتم المال العام؟ هل حاسبتم أحداً من المجرمين الكبار؟ هل اعتذرتم عن أسوأ القرارات؟ هل راجعتم أنفسكم مراجعة ذاتية، واعترفتم بما فعلتموه ظلما وعدواناً ؟ هل قمتم بالتحقيق مع أيّ مجرم فاسد تولى المسؤولية، وأساء إلى العراق وإلى أهله وتاريخه هل صدّقتم في الذي ناديتم من أجله، ووعدتم الناس بالإصلاحات؟ أين هي إصلاحاتكم؟ تغنيّتم بالحياة السياسية المدنية قبل أشهر، أين غدت وعودكم اليوم؟
قولوها بصريح العبارة، أنتم طلاب سلطة وتريدون البقاء في حكم العراق مهما كانت الأثمان باهظة. ويا حزب الدعوة، وكلّ المتحالفين والمتخندقين معك، سواء جئت بقائمة أو قائميتن أو أكثر، ثبت للعالم أجمع فشلك الذريع في إدارة البلاد، وأسأت للعباد سنوات. وإذا كان ممثلو العراقيين الشيعة قد فشلوا تاريخياً، فانّ ممثلي السنّة قد أساءوا جداً، سواء كانوا في السلطة أو خارجها. ولا يمكن للمرء المتابع والمراقب أن يفوته المشهد الهزلي الكاريكاتوري الذي أعلن فيه عن صورة التحالفات، استعداداً للانتخابات البرلمانية، وهو مضحكٌ بالفعل، بل ومثير للقرف، ومؤلم إلى درجة الغثيان. ويبدو أنّ الشعب العراقي رضخ لإرادة هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي فعلت كلّ ما لديها، لكي تبقى مفوضية الانتخابات بمثل هذا الوضع المهترئ. كما ويصرّ رؤوس هذه الطبقة إصراراً مميتاً على إجراء الانتخابات مهما كانت الأثمان، علماً أن أوضاع الملايين من الناخبين في مدن كاملة غير مستقرة ألبتة. ولم يسمع أحد للأسباب والعوامل الموضوعية التي نادى بها من طرح فكرة تأجيل الانتخابات، لضمان مصداقيتها وتأمين حقوق كل العراقيّين الانتخابية من النازحين، وإنما أصرّ أصحاب المصالح الخاصة وطلاب السلطة على إجراء الانتخابات في وقتها المحدد، كي يضمنوا وجودهم في الحكم.
أمام هذا الماراثون المسعور، كان على الشعب العراقي أن يدرك أنّ لا نفع بعد اليوم بأي علاجات آنية، ولا أية إصلاحات شكلية، ولا أية تبديلات في الوجوه، فالقادم سيكون سيئاً جداً، وستشهد السنوات الأربع المقبلة اهتراءً للعراق والعراقيين.. الأميركان هم المسؤولون الحقيقيون عن أوضاع العراق الراهنة، إذ لا يمكن إبقاء نظام الحكم الحالي، بهيئته الحالية ودستوره الكسيح، ولا يمكن للعراقيين أبداً أن يبقوا العملية السياسية مستمرة سنوات مقبلة، وبهذه الوضعية المزرية على أيدي عصاباتٍ أو أناس تلطخّت أيديهم بالدماء، أو مسؤولين نهبوا البلاد واقترفوا أسوأ الجرائم. لا عتب على نوري المالكي، أو أمثاله، في تحالفاتهم الطائفية المقيتة، فهم معروفون بذلك، ولكن كلّ العتب على من يتحالف مع التافهين الذين ارتضوا بأن يكونوا دمىً من أجل السلطة.
أيها العراقيون: هل ارتضيتم هذه الأشكال التي حكمت العراق سنوات، لكي تبقوها في السلطة ثانية، أو ترجعوها ثالثة، أو أن تعيدوا إنتاجها باسم صناديق الاقتراع، والكلّ يعلم أن التزوير سيبقى يمارس في الخفاء أو العلن؟ هل ارتضيتم أن تبقى هذه البيادق على لوحة الشطرنج، والأميركان والإيرانيون يتلاعبون بمصيركم كما يشاؤون؟ صيغة إيران الجديدة التي تطرح ما اصطلحت عليه "الأمر الواقع" ليست إلا تبديل وجوه سيئة فاشلة بوجوه أسوأ وأكثر فشلاً وانحداراً، وما طرح هذا المفهوم إلّا الانتقال حسب المراحل من السيئ إلى الأسوأ في مجتمعٍ انتزعت منه الوطنية، وسحقت عنده القيم، وبات مشرذماً بين مراكز قوى طائفية وجهوية وعميلة، وهي تستحوذ على المال والقوة والنفوذ.. أما الناخب العراقي فبين تائهٍ وغير آبه ولا مهتم أو بين غافل أو جاهل أو مريض، أو بين حالم ومستنكر ومهاجر، أو بين متشرّد ونازح ومقهور، أو بين طائفي ومتعصب أو مستفيد، أو بين فقير ومحتاج.
ستقل فرصة حيدر العبادي في الفوز شيئاً فشيئاً، فهو لم يحسن اقتناص الفرص، وهو فاشل مع وزرائه المضحكين الذين فرضهم الأمر الواقع. لم ينجح في تحالفه، إذ أصرّ على أن يبقى عضواً في حزبٍ دعوي فاشل. وكان المتمنّى منه لو نجح في بناء حزبٍ مدنيٍّ، وأدخل معه قادة سياسيين جددا. ناهيكم عن دور كل من أميركا وإيران في المعادلة، وتأثير الخارج، في حين ستطبخ أوسخ عملية تزوير انتخابية بتأثير الداخل.
أغلقت المفوضيّة العراقية العليا للانتخابات مهامها في تسجيل التحالفات السياسّية لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة. وعليه، فان الصراع المحتدم اليوم يتمثّل حقيقة بين أربع قوى شيعية كبيرة: تحالف دولة القانون ويمثله نوري المالكي وحلفاؤه، وهناك تحالف النصر لحيدر العبادي وجماعته، وتحالف جديد سمّوه المجاهدين، أو تحالف الفتح المبين (بدلا من الحشد الشعبي) ويمثلهم هادي العامري وأمراء الحشد (وهذا تجاوز دستوري والتفاف على الدستور)، ثم هناك التيار الصدري واسع النطاق وتحالفه باسم ثائرون للإصلاح.. أما ما تسمّى التحالفات المدنية، فهناك التجمع المدني للإصلاح بزعامة إياد علاوي، وتحالف القوى المدنية مع الشيوعيين.. أمّا الأكراد فمنقسمون بين القائمة الوطنية الكردية والتحالف الكردستاني. هذه هي التشكيلات الأساسية المتصارعة من أجل الاستحواذ على السلطة باسم الانتخابات.
وبدا واضحاً أن الصورة التي بدت عليها التشكيلات التي ستخوض الانتخابات تستند إلى الطائفية المقيتة مع استثناءاتٍ لا تأثير لها، ذلك أن الوجوه التي بقيت مصرّة على البقاء في السلطة، وتتداولها فيما بينها هي نفسها منذ 15 سنة مضت، فلا يمكن لأحدٍ بعد اليوم أن يعتب على حكامٍ عراقيين سابقين احتكروا السلطة فيما بينهم زمناً طويلاً، وإذا كانوا قد احتكروها إبان عهودهم، فقد قدّموا للبلاد إنجازاتٍ كبرى، فما الإنجازات التي قدّمتها الحكومات الحالية العراقية منذ 15 عاماً؟ على كلّ عراقي أن يسأل نفسه: هل يقبل ضمير أي عراقي أن يعيد انتخاب هؤلاء الذين دمرّوا العراق، وسرقوه وأضعفوه، وامتهنوا إرادة أهله وبعثروا موارده؟ هل يحقّ لأمثال هؤلاء الذين سحقوا العراق أن يعيدوا ترشيح أنفسهم من أجل أن يبقوا في السلطة ثانية
قولوها بصريح العبارة، أنتم طلاب سلطة وتريدون البقاء في حكم العراق مهما كانت الأثمان باهظة. ويا حزب الدعوة، وكلّ المتحالفين والمتخندقين معك، سواء جئت بقائمة أو قائميتن أو أكثر، ثبت للعالم أجمع فشلك الذريع في إدارة البلاد، وأسأت للعباد سنوات. وإذا كان ممثلو العراقيين الشيعة قد فشلوا تاريخياً، فانّ ممثلي السنّة قد أساءوا جداً، سواء كانوا في السلطة أو خارجها. ولا يمكن للمرء المتابع والمراقب أن يفوته المشهد الهزلي الكاريكاتوري الذي أعلن فيه عن صورة التحالفات، استعداداً للانتخابات البرلمانية، وهو مضحكٌ بالفعل، بل ومثير للقرف، ومؤلم إلى درجة الغثيان. ويبدو أنّ الشعب العراقي رضخ لإرادة هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي فعلت كلّ ما لديها، لكي تبقى مفوضية الانتخابات بمثل هذا الوضع المهترئ. كما ويصرّ رؤوس هذه الطبقة إصراراً مميتاً على إجراء الانتخابات مهما كانت الأثمان، علماً أن أوضاع الملايين من الناخبين في مدن كاملة غير مستقرة ألبتة. ولم يسمع أحد للأسباب والعوامل الموضوعية التي نادى بها من طرح فكرة تأجيل الانتخابات، لضمان مصداقيتها وتأمين حقوق كل العراقيّين الانتخابية من النازحين، وإنما أصرّ أصحاب المصالح الخاصة وطلاب السلطة على إجراء الانتخابات في وقتها المحدد، كي يضمنوا وجودهم في الحكم.
أمام هذا الماراثون المسعور، كان على الشعب العراقي أن يدرك أنّ لا نفع بعد اليوم بأي علاجات آنية، ولا أية إصلاحات شكلية، ولا أية تبديلات في الوجوه، فالقادم سيكون سيئاً جداً، وستشهد السنوات الأربع المقبلة اهتراءً للعراق والعراقيين.. الأميركان هم المسؤولون الحقيقيون عن أوضاع العراق الراهنة، إذ لا يمكن إبقاء نظام الحكم الحالي، بهيئته الحالية ودستوره الكسيح، ولا يمكن للعراقيين أبداً أن يبقوا العملية السياسية مستمرة سنوات مقبلة، وبهذه الوضعية المزرية على أيدي عصاباتٍ أو أناس تلطخّت أيديهم بالدماء، أو مسؤولين نهبوا البلاد واقترفوا أسوأ الجرائم. لا عتب على نوري المالكي، أو أمثاله، في تحالفاتهم الطائفية المقيتة، فهم معروفون بذلك، ولكن كلّ العتب على من يتحالف مع التافهين الذين ارتضوا بأن يكونوا دمىً من أجل السلطة.
أيها العراقيون: هل ارتضيتم هذه الأشكال التي حكمت العراق سنوات، لكي تبقوها في السلطة ثانية، أو ترجعوها ثالثة، أو أن تعيدوا إنتاجها باسم صناديق الاقتراع، والكلّ يعلم أن التزوير سيبقى يمارس في الخفاء أو العلن؟ هل ارتضيتم أن تبقى هذه البيادق على لوحة الشطرنج، والأميركان والإيرانيون يتلاعبون بمصيركم كما يشاؤون؟ صيغة إيران الجديدة التي تطرح ما اصطلحت عليه "الأمر الواقع" ليست إلا تبديل وجوه سيئة فاشلة بوجوه أسوأ وأكثر فشلاً وانحداراً، وما طرح هذا المفهوم إلّا الانتقال حسب المراحل من السيئ إلى الأسوأ في مجتمعٍ انتزعت منه الوطنية، وسحقت عنده القيم، وبات مشرذماً بين مراكز قوى طائفية وجهوية وعميلة، وهي تستحوذ على المال والقوة والنفوذ.. أما الناخب العراقي فبين تائهٍ وغير آبه ولا مهتم أو بين غافل أو جاهل أو مريض، أو بين حالم ومستنكر ومهاجر، أو بين متشرّد ونازح ومقهور، أو بين طائفي ومتعصب أو مستفيد، أو بين فقير ومحتاج.
ستقل فرصة حيدر العبادي في الفوز شيئاً فشيئاً، فهو لم يحسن اقتناص الفرص، وهو فاشل مع وزرائه المضحكين الذين فرضهم الأمر الواقع. لم ينجح في تحالفه، إذ أصرّ على أن يبقى عضواً في حزبٍ دعوي فاشل. وكان المتمنّى منه لو نجح في بناء حزبٍ مدنيٍّ، وأدخل معه قادة سياسيين جددا. ناهيكم عن دور كل من أميركا وإيران في المعادلة، وتأثير الخارج، في حين ستطبخ أوسخ عملية تزوير انتخابية بتأثير الداخل.