لا أدري لماذا نستعجلُ الشاب فيك. نقول بتّ شاباً رغم أنك تُطبق السنتين فقط. حتى الحلّاق الذي نأخذك إليه، يريد أن يصنع لك سوالف! نشترك جميعاً في حذف مقاطع من طفولتك. ربما لأننا نخاف عليها. فنسعى إلى تمريرها على عجل.
كأنك استشعرت هذه التفاصيل لحظة خروجك من رحمي. بكيت بالطبع، حالك حال جميع الخارجين من الأرحام. لكنك كنت متجهماً أكثر من اللازم. أما أنا، فعشت أمومة تخالف قراءاتي عنها، وحكايات الصديقات. ببساطة، لم أحبّك. كنت ذلك الكائن الذي جاء ليسرق مني كل شيء. غلبتني رغم صغر حجمك، وعجزك عن الحياة من دوني. وجدت نفسي حبيستك. في المستشفى، قالت لي الممرضة إنها ستأتي بك إلي. كنت خائفة منك. لكنني خجلت أمام الناس المتجمهرة حولي، تنتظر تسجيل لقاءنا الأول.
قبل أن أُقرّر انجابك، أجريتُ بحثاً عن الأمومة. سألتُ الكثيرات عن هذا الإحساس الذي كنتُ أفكّر في أن أمضي حياتي من دونه طمعاً في حريّة أبديّة. كانت الإجابات إيجابية بمعظمها. وضعتني أمام خيار وحيد سرت به. صرتُ أمّاً من دون أمومة. الجميع يسألني عن احساسي، ويبحثون عن "لمعانٍ" ضائع في عينيّ. يكذّبون أنفسهم. لا شك في أنها تختبئ بين ملامح مرهقة.
غَلَبني مجدداً. ظلّ يبتسم في وجهي. صار يُكثر منها. ينسى نفسه نائماً فوق صدري. يدعوني إلى لمس تفاصيله الصغيرة. يُطمئنني وقد أعلن حباً من طرف واحد. بدأت الأمومة تتسلّل إليّ شيئاً فشيئاً. جاءت على مهل، حتى مَلَكتني.
راودتني كل هذه الأفكار حين أساؤوا الظن بتلك المرأة اللبنانية التي نسيت طفلها ذا الـ 14 شهراً في سيارتها حتى انتهاء دوامها في المدرسة، فاختنق. في لحظات كهذه، يفرط الناس في التوصيف والتشكيك في أمومتها. يفترسونها. وينسون أحياناً أن الضغوط الاجتماعية "تُخطئنا".
تكثّر الاسقاطات فوق الأمومة. لكنها مشاعر تنمو على الكثير من التناقضات، التي تلجأ كثيرات إلى الهروب منها، وأحياناً نبذها. لن أحاول وصف إحساسٍ عصيّ عن الوصف. لكنه أيضاً صعب لشدة سحره.
في عامك الثاني، وبعدما تصالحتُ مع أمومتي حتى العشق، أقولُ لك: إنك حلمي الأجمل.