مؤتمرات الأقليات السورية: حفاظ على التنوع أم تكريس الطائفية

16 نوفمبر 2014
تباين إزاء أهداف مؤتمرات الأقليات (محمود حمص/فرانس برس)
+ الخط -

تنتهي اليوم الأحد أعمال المؤتمر التشاوري الذي عقد في العاصمة الإسبانية مدريد وجمع ناشطين وسياسيين دروز سوريين، منهم من أتى من الداخل السوري وقسم منهم من حضر من بلدان اللجوء. الهدف المعلن من المؤتمر الذي بدأت أعماله يوم الجمعة الماضي هو مناقشة موقف السوريين الدروز من الثورة، والتعرف إلى وجهة نظرهم في سورية الجديدة.

ويُعقد هذا المؤتمر برعاية "مجموعة إعلان قرطبة"، التي تضم ناشطين وسياسيين ومثقفين معارضين من مختلف الأطياف القومية والدينية والمذهبية في المجتمع السوري، المحسوبة على الحراك الثوري الهادف إلى إسقاط حكم بشار الأسد، والذي أُعلن عنه في شهر يناير/كانون الثاني من العام الجاري في مدينة قرطبة الإسبانية.

وعلمت "العربي الجديد" من مصدر من داخل مؤتمر مدريد أن النظام قد أرسل 15 مشاركاً كممثلين عنه في المؤتمر. ولم يتسن معرفة ما إذا كان هذا التمثيل بشكل رسمي، أم أن الأشخاص المشاركين هم من المحسوبين على النظام.

وكانت مجموعة "إعلان قرطبة" قد عقدت مؤتمراً مشابهاً لأكراد سورية في يونيو/حزيران الماضي، حضرته شخصيات سياسية كردية وقادة وممثلون عن أحزاب كردية سورية معارضة، بحثوا رؤية سياسية موحدة لأفضل الصيغ لحل القضية الكردية في سورية. كما نظمت المجموعة في يوليو/تموز مؤتمراً آخر خاصاً بالطائفة الأيزيدية، تبعه مؤتمر ثالث خاص بالسوريين التركمان طالب بالاعتراف الدستوري بتركمان سورية كمكون أساسي وأصيل من مكونات الشعب.

وكان مؤتمر قرطبة قد عقد لقاء تأسيسياً، تحت رعاية الخارجية الإسبانية، وحضره ممثلون عن الحراك الثوري وقوى سياسية ومنظمات المجتمع المدني. وأصدر وثيقة عُرفت باسم "إعلان قرطبة"، أكدت على سعي المجموعة لعقد "مؤتمر وطني سوري جامع" ينشأ عن تحالف وطني للقوى السياسية والحراك الثوري في البلاد.

وأشارت مصادر خاصة مقربة من المجموعة إلى أن الغاية من هذه المؤتمرات هي مناقشة كيفية الحفاظ على التنوع الديني والطائفي والقومي في سورية في أي حل سياسي مرتقب، في سورية المستقبل.

وأكد أمين سر حركة "معا"، بسام يوسف، أنّ الحركة من حيث المبدأ هي ضد هذه المؤتمرات التي تعتبرها مقدمة لصيغة طائفية في سورية، مبيناً أنه إذا كان الهدف، كما يقول منظمو هذه المؤتمرات، هو إقرار تمثيل حقيقي للمكونات الطائفية من أجل مؤتمر وطني عام، فهذه الطريقة غير صحيحة وتحتوي على تناقضين أساسيين مع الهدف المعلن. التناقض الأول هو أن المدعوين لهذه المؤتمرات لا يمكن أن يمثلوا طوائفهم عبر الطريقة التي تمت الدعوات من خلالها للمؤتمر.

ويضيف "أما التناقض الثاني فنحن نرى أن الوصول إلى صيغة المؤتمر العام لا تتطلب المرور عبر هذه المؤتمرات بل على العكس، فإن هذه المؤتمرات تنسف صيغة المؤتمر الوطني العام لتمنحه صفة مؤتمر طوائف وليس مؤتمرا وطنيا عاما". ويوضح يوسف "لقد تم الاتصال بنا من أجل عقد مؤتمر خاص بالعلويين ورفضنا الموضوع بشدة، ونتمنى على كل المكونات أن يرفضوا هذا الطرح".

وعن الفرق بين مؤتمر "كلنا سوريون" الذي نظمته حركة "معا" والذي اتهم بأنه مؤتمر طائفي، قال أمين سر الحركة إن "البعض اتهم مؤتمر كلنا سوريون بأنه كان مؤتمراً للطائفة العلوية، لكن المؤتمر كان مغايراً تماماً لهذا الطرح، لقد جاء بهدف وحيد هو فصل الطائفة العلوية عن الموقع الطائفي الذي وضعها فيه النظام، ومن هنا فقد كان الحاضرون فيه يمثلون كل أطياف المعارضة السورية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار". واعتبر أنّ "الهدف الأساسي منه كان توجيه رسالة من كل المعارضة السورية إلى الطائفة العلوية بأن مكانها هو إلى جانب الثورة، وليس إلى جانب النظام وكان هذا الأمر واضحا تماماً في كل وثائق المؤتمر".

وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي بيان عن الائتلاف المعارض في ما يخص هذه المؤتمرات لا سلباً ولا إيجاباً، والتي يرى فيها بعض المراقبين نية دولية في اتجاه اعتماد رموز طائفية مدعومة دولياً، من أجل التحول في سورية نحو حالة طائفية تشبه الحالة اللبنانية، يقول عضو الائتلاف الوطني المعارض والمستشار الإعلامي لرئيس الائتلاف فايز سارة، "نحن في الأصل سوريون، لديهم انتماءات متعددة ما قبل الانتماء الوطني، ومن الخطأ الذهاب إلى مؤتمرات الأقليات، في وقت تشهد فيه الثورة السورية والشعب السوري والوطن تحديات جدية".

ويضيف "من الخطأ الذهاب وتبيان أن سورية مقسّمة إلى هذه الجماعات، سواء كانت تجمعات دينية أو طائفية أو مناطقية". ويرى أن "الأصل في الأشياء أن يكون هناك هم سوري واحد". ويعتبر سارة أنه يجب "أن يكون هناك جهة داعمة، مثل الائتلاف أو أي منظمة معارضة أو ثورية، أفضل من أن تكون الجهات الداعية هي دول أو جماعات أجنبية".

من جهته، يرى عضو الائتلاف ورئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق، سمير نشار، أن ما يجري عبارة عن "ورشات عمل ونقاشات مفتوحة، عبارة عن اختبارات وسبر أغوار أفكار وتسويق لها، وليست مؤتمرات". ويضيف "نحن لسنا في وارد خلق خلافات". كما يعتبر أن هذه المؤتمرات تتضمن "شيئاً سلبياً يشوّه الهوية الوطنية السورية، وأعتقد أن الأكثرية من السوريين تعارض إقامة هكذا مؤتمرات".

ويضيف نشار "للأسف طوال الثورة السورية سمح بأن يحصل تدخلات إقليمية ودولية بهذا الشكل، وجعل السوريين يشاركون إما عن معرفة أو فضول أو من أجل اللجوء، وبالنتيجة لن تخرج هذه الورشات بشيء محدد".

وعن موقف إعلان دمشق من هذه المؤتمرات، يقول نشار "إن مختلف التيارات لديها مشاريعها، وإعلان دمشق دافع عن دولة وطنية سورية في دولة متعددة المكونات مجموعها الشعب السوري، ونحن في إعلان دمشق نحاول التركيز على الأمور المشتركة بين السوريين والتي أهمها وحدة الأرض ووحدة الشعب".

ويضيف "وزارة الخارجية لأي دولة، أخذاً بالاعتبار مصالحها، ترعى ورشات العمل لأخذ ردود الفعل وسبر الاتجاهات في المجتمع السوري من أجل تقديمها لدولها للمساعدة في وضع رؤى تتناسب مع مصالحها".

وتشهد الساحة السورية مؤتمرات وتجمعات تقوم على أساس طائفي أو قومي أو إثني، منها ما يتعلق بمؤتمر قرطبة ومنها ما هو منفصل عنه. ولكن يبدو أن هناك قاسماً مشتركاً يجمع بين هذه المؤتمرات، وهو تكريس الانقسامات الطائفية والنبش في هموم كل طائفة على حدة، وتحويل التفكير من المستوى الوطني إلى المستوى الطائفي أو العرقي أو القومي.

فبعد مؤتمر مدريد الخاص بالطائفة الدرزية، يعد أحد منظميه لمؤتمر تنموي خاص بالطائفة الدرزية يرتكز على إقامة مشاريع تنموية في محافظة السويداء، وهو أمر لا يمكن إقامته من دون التنسيق مع النظام السوري كضامن لقيام هكذا مشاريع، والذي يرجح أن يرحب بها النظام السوري كونها تكرس الحالة الطائفية التي يعمل عليها منذ بداية الثورة السورية.

دلالات