مات الذي بكى وأبكى
بالأمس، قتل "مجهولون" سبعة من عناصر الدفاع المدني بمدينة سرمين بريف إدلب شمالي غرب سورية، بحقد جمل وبدم أكثر من بارد، فطلقات مسدسات كاتم الصوت استقرت بالرأس والرقبة، ليلوذ بعدها القاتلون بالفرار، مصطحبين ما أمكنت سرقته، من سيارة الإغاثة ومستلزمات الدفاع المدني، ليجدها أهالي البلدة محروقة صبيحة الجريمة، بما فيها من مسروقات، لينتفي دافع السرقة بالجريمة، وتبدأ التكهنات حول الأسباب والمجرمين ودوافعهم.
إذ من المستغرب، ورغم ما آلت إليه أحوال سورية من تفش للجريمة، أن يهاجم مهووسو القتل، مركز الدفاع المدني ليلاً، ويقضوا على جميع المناوبين الذين يتأهبون لإنقاذ أي حالة طارئة، قد تنجم عن قصف أسدي أو ثأر متطرفين، يحاولون إشعال الفتنة لتبقى سرمين غارقة بدم بنيها.
ما ترك أسئلة معلقة حتى الآن، بواقع عدم الوصول للجناة، لعل أهمها، من يقتل "أصحاب القبعات البيضاء" الذين ترشحوا لنيل جائزة نوبل للسلام العام الفائت، ليصفهم رئيس النظام السوري بشار الأسد على إثر الترشح "بالإرهابيين" ويسخّر آلته الإعلامية لتشويه عملهم، بعد نيلهم "جائزة نوبل البديلة" السويدية، في أيلول 2016، و جائزة "الأوسكار" لأفضل فيلم وثائقي قصير.
ولماذا يتم قتل رجال الدفاع المدني، الذين يعملون كجهة مستقلة، على إسعاف المصابين وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، ويوثقون بشكل "علمي وواقعي" جرائم بشار الأسد ومن ركب على ثورة السوريين، من عملاء ومتأسلمين.
قصارى القول: لعل ما حاولت بثه بعض الأطراف المرتبطة بالجريمة ربما، من نشر أسماء تتهمهم بقتل "رسل السلام" أمس، إنما يعطي، ولو رأس خيط، لمن له مصلحة بالقتل، أو قد يكون القاتل، وإن بالوساطة أو الوكالة.
وربما يأتي نظام الأسد في مقدمة من لهم مصالح بقتل أو بتشويه عمل وسمعة رجال الدفاع المدني، إذ لم توثق جرائمه بالصور والأدلة والأسماء والأماكن، كما فعلها "المنقذون" الذين لا يمكن لوثائقهم أن يشوبها التزييف أو الاتهامية.
ليأتي بعد الأسد، من أكدت الأحداث والوقائع، أنهم يعملون بأفرعه الأمنية، وانخرطوا بالثورة السورية والثوار، بعباءات الدين وأثواب نصرة الثورة والإسلام. وخاصة أنهم تعروا أخيراً وسقطت وريقات التوت التي تستروا بها وبلحى مؤقتة وعباءات مستعارة.
ولعل مبرر الاتهام هنا ينطلق، ووفق ما بدأ البعض يروّج في سرمين، من رمي التهم لبعض أهليها، رغم شبه اليقين، أن من اقترف هذه الجريمة المروعة، لا يمكن أن يكون قد شرب من مياه سرمين وأكل من زيتونها وتينها.
نهاية القول: المنقذ "محمد ديب الهر أبو كفاح " كان أحد ضحايا مركز الدفاع المدني بسرمين، وأبو كفاح هو من بكى يوم أنقذ طفلة من تحت الأتقاض العام الفائت، فأبكى كل من شاهد الفيديو الذي انتشر ونشرته معظم التلفزات ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
سألت أحد أقارب أبي كفاح أمس، لماذا بكى الشاب وعانق الطفلة ذات الشهر الواحد بعد أن أنقذها، بمشهد لا يمكن أن ينساه كل من رآه.
فأجابني بمعلومة تزيد الوجع بجريمة لا ترقى مفردات اللغة لوصفها ونعت مقترفيها "أبو كفاح لم ينجب أطفالا رغم أنه متزوج منذ سنوات، وقال لنا وقت سألناه عن بكائه وعناق الطفلة وعدم تركها... أحسستها ابنتي".
بالأمس مات أبو كفاح وستة من رفاقه المنقذين، وعاشت الطفة التي أنقذها كما ستعيش ذكرى هؤلاء الرجال، مهما حاول الطغاة بعصابة الأسد وعصابات "وكلاء الله على الأرض" محوها من الذواكر.
ملاحظة: أنا من سرمين وعشت تفاصيل ووجع الجريمة يوم السبت، بأدق تفاصيلها.. وربما "للحديث بقية" إن استجد بالجريمة أحداث أو تمت معرفة المجرمين.