16 نوفمبر 2024
مادورو.. الرحلة الأخيرة
على دماء أكثر من 35 قتيلاً حتى الآن في شوارع العاصمة كاراكاس، ينوي الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، صياغة دستور جديد. لا يبدو أن خليفة هوغو تشافيز قادر على لجم الشارع المندفع لإطاحته، بل يعمل على التصعيد "القانوني" لتطويق الاحتجاجات. تكمن المفارقة في أن مادورو يريد تعديل دستور 1999 الذي وضعه تشافيز بنفسه، وحكم بموجبه حتى وفاته في 2013.
في يوم عيد العمال، في الأول من مايو /أيار الحالي، وقّع مادورو مرسوماً ينصّ على تشكيل جمعية تأسيسية، تعمل لإدراج مواد جديدة على الدستور، بهدف تعديل النظام السياسي للبلاد. من الطبيعي أن ترى المعارضة في الخطوة انقلاباً على الدعوات إلى إجراء انتخابات مبكرة، وخطوة استباقية لمادورو تحميه من أي محاولةٍ لإقالته من البرلمان المعارض، وتكريس نفسه رابحاً وحيداً في الانتخابات الرئاسية المقرّر أن تنعقد في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
صحيح أن تشافيز سبقه، لكن مادورو ليس تشافيز. لم يكن كذلك ولن يكون. وقياساً على شخصية كتشافيز، من الطبيعي أن يكون أقرب المقرّبين له غير متمتعٍ بشخصيةٍ صلبة. وهو ما بدا عليه مادورو في حقبة ما بعد تشافيز، ذلك لأن دائماً ما علّمنا التاريخ أنه، في بلادٍ معروفة ببنيانها الهشّ، ومستندة على قوة فردية لشخصٍ ما، فإنه عندما يموت في حالةٍ طبيعية، لا بسبب ثورة ما، سيخلفه "حكماً" شخصٌ ضعيف. وعليه، لن يتمكّن هذا الشخص، لا من تعويض غياب هالة من سبقه، ولا البناء عليها، ولا استيلاد شخصيةٍ سياسيةٍ معنوية. ما يؤدي حكماً إلى سقوط شخصه، والنظام الذي يمثله.
بالتالي، بات مادورو في أصعب منعطفٍ في رحلة السنوات الأربع التي خلف فيها تشافيز. وقد أظهر، طوال هذه المرحلة، نقصاً في سبل التفكير السياسي، لا بل نحا أكثر نحو الارتجال والميل نحو الانفعال العاطفي، سواء في خطاباته أو في قراراته. كان الخيال موجوداً، حين قال في مارس/ آذار 2013، بعد أيام من وفاة تشافيز: "نعلم أن قائدنا (تشافيز) صعد إلى السماء. هناك شيء ما أثّر على اختيار البابا من أميركا الجنوبية (عن البابا فرنسيس من الأرجنتين)". كان واضحاً أن البلاد دخلت المأزق القيادي.
فضلاً عن ذلك، فإن تاريخ مادورو السياسي، رئيساً للبرلمان (2005 ـ 2006)، ووزيراً للخارجية (2006 ـ 2012)، ونائباً للرئيس (2012 ـ 2013)، لم يشفع له في تكوين خبرة سياسية تمكّنه من التعاطي مع المعارضة بسلاسة، بل اتجه كعادة من سبقه في مختلف دول أميركا الجنوبية: إلى الصدام واستخدام القوة العسكرية التي تهاوت في دول الجوار، كالبرازيل والأرجنتين وتشيلي، في فتراتٍ متفاوتةٍ من ثمانينات القرن العشرين.
حتى الآن، لم يتمكّن مادورو من الخروج من عباءة تشافيز، ومع تشبّثه بموقفه، وسط دعمٍ من كوبا وبوليفيا، ورفضٍ من البرازيل خطوة تشكيل جمعية تأسيسية، فإنه سيتصلّب أكثر في المرحلة المقبلة، غير أن ذلك لن يفيده في ظلّ رفضه الحوار مع المعارضة، والأهم عدم معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي سبّبت الأزمة أساساً. وهناك مثل فنزويلي ينطبق على الوضع الحالي في البلاد: "أمام الجوع العظيم ليس هناك خبزٌ صعب".
في 17 أبريل/ نيسان 2013، كتب خوان كريستوبال ناجيل في مدوّنة "كاراكاس كرونيكلز" بالتعاون مع "واشنطن بوست" الأميركية عن مادورو، إن "فنزويلا اختارت رجلاً ليس لديه ما يقوله لتبرير صعوده إلى الشهرة، سوى أنه قد اختاره تشافيز شخصياً لمواصلة قيادة الدفة. وهذا يثير أسئلة جدية بشأن درجة تطور الكتلة الناخبة في فنزويلا، ونضجها السياسي". ربما نضجت تلك الكتلة بعد سنوات أربع مليئة بالتظاهرات والاعتراضات، وباتت على مشارف خطوةٍ من إرسال مادورو إلى تقاعده المبكر، في رحلةٍ أخيرةٍ من قصر ميرافلوريس الرئاسي في كاراكاس.
في يوم عيد العمال، في الأول من مايو /أيار الحالي، وقّع مادورو مرسوماً ينصّ على تشكيل جمعية تأسيسية، تعمل لإدراج مواد جديدة على الدستور، بهدف تعديل النظام السياسي للبلاد. من الطبيعي أن ترى المعارضة في الخطوة انقلاباً على الدعوات إلى إجراء انتخابات مبكرة، وخطوة استباقية لمادورو تحميه من أي محاولةٍ لإقالته من البرلمان المعارض، وتكريس نفسه رابحاً وحيداً في الانتخابات الرئاسية المقرّر أن تنعقد في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
صحيح أن تشافيز سبقه، لكن مادورو ليس تشافيز. لم يكن كذلك ولن يكون. وقياساً على شخصية كتشافيز، من الطبيعي أن يكون أقرب المقرّبين له غير متمتعٍ بشخصيةٍ صلبة. وهو ما بدا عليه مادورو في حقبة ما بعد تشافيز، ذلك لأن دائماً ما علّمنا التاريخ أنه، في بلادٍ معروفة ببنيانها الهشّ، ومستندة على قوة فردية لشخصٍ ما، فإنه عندما يموت في حالةٍ طبيعية، لا بسبب ثورة ما، سيخلفه "حكماً" شخصٌ ضعيف. وعليه، لن يتمكّن هذا الشخص، لا من تعويض غياب هالة من سبقه، ولا البناء عليها، ولا استيلاد شخصيةٍ سياسيةٍ معنوية. ما يؤدي حكماً إلى سقوط شخصه، والنظام الذي يمثله.
بالتالي، بات مادورو في أصعب منعطفٍ في رحلة السنوات الأربع التي خلف فيها تشافيز. وقد أظهر، طوال هذه المرحلة، نقصاً في سبل التفكير السياسي، لا بل نحا أكثر نحو الارتجال والميل نحو الانفعال العاطفي، سواء في خطاباته أو في قراراته. كان الخيال موجوداً، حين قال في مارس/ آذار 2013، بعد أيام من وفاة تشافيز: "نعلم أن قائدنا (تشافيز) صعد إلى السماء. هناك شيء ما أثّر على اختيار البابا من أميركا الجنوبية (عن البابا فرنسيس من الأرجنتين)". كان واضحاً أن البلاد دخلت المأزق القيادي.
فضلاً عن ذلك، فإن تاريخ مادورو السياسي، رئيساً للبرلمان (2005 ـ 2006)، ووزيراً للخارجية (2006 ـ 2012)، ونائباً للرئيس (2012 ـ 2013)، لم يشفع له في تكوين خبرة سياسية تمكّنه من التعاطي مع المعارضة بسلاسة، بل اتجه كعادة من سبقه في مختلف دول أميركا الجنوبية: إلى الصدام واستخدام القوة العسكرية التي تهاوت في دول الجوار، كالبرازيل والأرجنتين وتشيلي، في فتراتٍ متفاوتةٍ من ثمانينات القرن العشرين.
حتى الآن، لم يتمكّن مادورو من الخروج من عباءة تشافيز، ومع تشبّثه بموقفه، وسط دعمٍ من كوبا وبوليفيا، ورفضٍ من البرازيل خطوة تشكيل جمعية تأسيسية، فإنه سيتصلّب أكثر في المرحلة المقبلة، غير أن ذلك لن يفيده في ظلّ رفضه الحوار مع المعارضة، والأهم عدم معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي سبّبت الأزمة أساساً. وهناك مثل فنزويلي ينطبق على الوضع الحالي في البلاد: "أمام الجوع العظيم ليس هناك خبزٌ صعب".
في 17 أبريل/ نيسان 2013، كتب خوان كريستوبال ناجيل في مدوّنة "كاراكاس كرونيكلز" بالتعاون مع "واشنطن بوست" الأميركية عن مادورو، إن "فنزويلا اختارت رجلاً ليس لديه ما يقوله لتبرير صعوده إلى الشهرة، سوى أنه قد اختاره تشافيز شخصياً لمواصلة قيادة الدفة. وهذا يثير أسئلة جدية بشأن درجة تطور الكتلة الناخبة في فنزويلا، ونضجها السياسي". ربما نضجت تلك الكتلة بعد سنوات أربع مليئة بالتظاهرات والاعتراضات، وباتت على مشارف خطوةٍ من إرسال مادورو إلى تقاعده المبكر، في رحلةٍ أخيرةٍ من قصر ميرافلوريس الرئاسي في كاراكاس.