الهزيمة القاسية في مجلس الأمن لمشروع قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتمديد حظر بيع السلاح لإيران، وضعتها في موقف محرج وصعب. فبعد مراهنتها وبكثير من الثقة وشبه اليقين على تمريره، لم تقوَ سوى على كسب صوت واحد إلى جانبها، جمهورية الدومينيكان، مقابل امتناع 11 دولة، من بينها الحلفاء الأوروبيون، عن التصويت وتصويت اثنتين ضدّه، وهما الصين وروسيا.
نتيجة كشفت عن مدى النفور من سياسات الرئيس ترامب الخارجية المتفردة، ما وضع إدارته أمام خيارات ضيقة تتأرجح بين التراجع بحثاً عن تسوية لحفظ ماء الوجه، وبين المضي في إصرارها على استخدام "الآلية التلقائية" للعقوبات، والتي قد تتسبب بأزمة في وظيفة مجلس الأمن وعمله.
بعد التصويت، بدت ردود الإدارة ضبابية، بحيث تركت الباب مفتوحاً لتقليل الخسائر وتحاشي التصعيد مع المجلس. تبدّى ذلك في ردود وزير الخارجية مايك بومبيو والسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت. الأول اكتفى وهو في جولة خارجية، بعبارة "مؤسف"، في تعليقه على فشل القرار، والمعلوم أنه كان قد تولى شخصياً تسويق المشروع في مجلس الأمن، وتوعّد في حال رفض المجلس التجاوب، بإحياء آلية العقوبات التي نص عليها الاتفاق النووي مع إيران في 2015. أمّا السفيرة كرافت، فوعدت بالتحرك في الأيام المقبلة "لتمديد الحظر"، من دون أن تأتي على ذكر "الآلية" إلا من حيث كونها "حقاً" للولايات المتحدة يمكنها استخدامه.
وهذا الحق دار حوله جدل قانوني ودبلوماسي، لا يزال حتى اللحظة من غير حسم. واشنطن تزعم أنه يخولها العودة إلى الاتفاق النووي وتحريك عقوباته على الرغم من انسحابها منه في 2018، على عكس ما تراه روسيا والصين والآخرون. والالتباس ناشئ عن تفسير النص في هذا الخصوص.
إيران تخضع لعقوبات تسليحية، منذ منتصف العقد الماضي، وتتناول الأسلحة التقليدية والصاروخية والنووية، وتنتهي تباعاً في 2020 و2023 و2025. الأولى فُرضت في عام 2007 بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1747 الذي منع بيع الأسلحة التقليدية لإيران ولغاية انصياعها لضوابط وكالة الطاقة الدولية وقرارات مجلس الأمن.
ثم جاء القرار الدولي 2231، في 20 يوليو/ تموز 2015، الذي صادق على الاتفاق النووي بعد التوقيع عليه، في 14 يوليو/ تموز 2015. هذا القرار أوقف العمل بعقوبات 1747، على أن يصار إلى إحيائها وفرضها من جديد على إيران في حال وجود خلل في تطبيق التزاماتها الواردة في الاتفاق.
النص الجديد (2231) الذي يحكم هذه العقوبات التي ينتهي مفعولها في أكتوبر/تشرين الأول 2020 المقبل، يقول: "إذا أبلغ أحد أطراف الاتفاق عن وقوع ما يعتقد بأنه خلل كبير في تنفيذ الالتزامات، عندئذ على مجلس الأمن أن يصوت على قرار بإحياء العقوبات التي جرى وقفها (عقوبات 1747) في مهلة 30 يوماً. وإذا فشل المجلس في ذلك، يعود العمل بهذه العقوبات بعد فوات المهلة وكما كانت معتمدة في 1747"، أي يعود المنع لبيع الأسلحة إلى إيران.
الإدارة تتسلح بهذا النص على أساس أنها "طرف" موقّع على الاتفاق، وإن كانت قد انسحبت منه. اجتهاد يخالفه حتى حلفاء واشنطن. وهنا يكمن الالتباس ربما لأن النص لم يتوقع انسحاب أحد الموقعين، وبالتالي لم يلحظ بصراحة أنّ الانسحاب يحرم صاحبه من حق اللجوء إلى هذه الآلية الأوتوماتيكية لإعادة فرض العقوبات على إيران. الإدارة تمسكت بفذلكتها القانونية التي لم تصمد في محكمة مجلس الأمن السياسية أولاً، والقانونية ثانياً.
عند هذه العقدة، تقف القضية الآن. أمام الإدارة، حسب التقديرات، واحد من ثلاثة سيناريوهات: إما العودة إلى الاقتراح الأوروبي لتمديد موقت للعقوبات، تجري مطالبة إيران بقبوله ولغاية ما بعد الانتخابات الأميركية. وإما العمل بصيغة الاجتماع الدولي للموقعين على الاتفاق، والتي اقترحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للبحث عن مخرج. أو إصرار الإدارة على تحريك الآلية، مع ما قد يترتب على ذلك من خلافات واعتراضات تنعكس بصورة سلبية على عمل وفعالية وظيفة مجلس الأمن، فضلاً عن انفلات محتمل لحرب العقوبات.
إدارة الرئيس ترامب كان في حسبانها تسجيل هدفين كبيرين، الأسبوع الماضي، في حقل السياسة الخارجية: تمديد المنع على إيران، وإعلان الصلح والاعتراف المتبادل بين إسرائيل والإمارات. الأول كان محاولة مخيبة وصادمة للإدارة. والثاني صحيح أنه لاقى الترحيب السياسي الشعبوي المتوقع، لكنه جاء وسط شعور جرى التعبير عنه بالتصريح أو بالتلميح، وبما يفيد بأن أي سلام في المنطقة "منقوص" من دون الفلسطينيين.