04 نوفمبر 2024
ماذا تبقى من القرار الوطني السوري المستقل؟
خرجت القضية السورية من أيدي السوريين (نظاماً ومعارضة)، على الرغم من الآلتين، الإعلامية والدبلوماسية اللتين تحاولان إظهار مشهد المفاوضين من الجانبين على طاولة المؤتمرات الدولية، وضمنها في جنيف، والتي لن يكون آخرها مؤتمر لندن في الشهر المقبل.
لم يعد السوري المعارض اليوم يسأل عن مشروع معارضته تجاه ما يحدث له من حرب إبادة تطاول الإنسان والحجر، أو عمّا تعده هذه المعارضة للتخفيف من معاناته، أو لتمكينه من استعادة عالمه، وتحقيق آماله في سورية الجديدة. كما لم يعد السوري الموالي يسأل عن موقف نظامه من كل الاختراقات الدولية لما كانت تسمى "السيادة السورية"، وتلاعب هذه الدولة، أو تلك، بمصير السوريين، ووصايتها على النظام.
هكذا نحن، في الحالتين، نتابع التصريحات المتتالية لدولٍ تساند النظام من جهة، ودول تدعي مساندة المعارضة من جهة أخرى، ولعل من المفيد التذكير بأن التفاهمات والتقاربات الأخيرة بين الدول، على اختلاف موقفها أو موقعها من الثورة، وضع السوريين في حالةٍ يمكن تسميتها سقوط مفهوم الدول الصديقة، أو المساندة، لصالح ظهور مفهوم جديد، يمكن تسميته دول "الوكلاء"، أي وكلاء الحل السوري.
تستطيع روسيا التي تقدم نفسها وكيلاً عن النظام السوري عقد التفاهمات والاتفاقات والهدن، داخلياً وخارجياً، من دون العودة إليه، أو حتى إعلامه، من باب سد الذرائع وتحصيل الشرعية في جزئها السوري الموالي. وهذا يشمل أيضاً إيران التي تدرك، اليوم وبوضوح، أنها لم تعد وكيلاً عن النظام، إلا ضمن ما تسمح به روسيا لها، على الرغم من تنازع النظام في ولائه بينهما، وإحساسه العميق أنه أمام خيارين، أحلاهما بيعه على أول طاولة تفاوض، تحقق لروسيا مصالحها الأوروبية، وحضورها الدائم في الشرق الأوسط، ومصالحةً، ولو شكلية، على المستوى الدولي العام. أما ثانيهما فيتجلى في خيار الوكيل الآخر، أي إيران التي أضحت عاجزة عن الدفاع عن وجودها، كما عن مكانتها في سورية، إلا من خلال الرضا الروسي.
وفي الواقع، إيران هذه التي لطالما تصرفت كأنها وكيلة حصرية عن النظام، وصاحبة النفوذ في سورية، والتي دفعت الأمور إلى أقصى الحل الأمني، وأقصى الرفض لمطالب المعارضة، ومعاداة طموحات الشعب السوري، بإصرارها على بقاء الأسد، وجدت نفسها مضطرةً للتقليل من طموحاتها، والرضى، ولو على مضض، بالوصاية الروسية، بل واعتبار روسيا صاحبة النفوذ الأكبر في سورية، إلى حد أنها باتت تخشى منازعتها على مكانتها حليفاً ثانياً لروسيا، بعد دخول تركيا على خط التحالف مع روسيا؛ وهو تحالفٌ يمكن أن يتطور ويفتح على سيناريوهات عديدة، لا علاقة لها، أو ربما تأتي بالضد من مصالح إيران في المنطقة.
في المقابل، الأوضاع على جبهة المعارضة أكثر وطأة وخطورة وتعقيداً، فأولاً، هذه المعارضة من الأصل كانت تعاني من قلة الدعم والإسناد السياسي والعسكري والمالي مما يسمى معسكر أصدقاء سورية، بالقياس للدعم اللامحدود الذي كان يتلقاه النظام من حليفيه، الإيراني والروسي. ثانياً، واضحٌ أن دول "أصدقاء سورية"، لا سيما الولايات المتحدة، تراجعت في مواقفها المعلنة عن حقوق الشعب السوري والانتهاء من نظام الأسد، إلى أقل حتى من قرارات جنيف 2012 وأقل من بياني فيينا 1و2. ثالثاً، المشكلة أن هذا بات يشمل حتى أكثر الدول قرباً للمعارضة السورية، وهي تركيا من جانبين، أولاهما تنسيقها مع روسيا حليفة النظام، والتي تقصف الشعب السوري بالطائرات، وثانيهما بإعلانها التراجع عن هدف ترحيل النظام في المرحلة الانتقالية. رابعاً، ما ينبغي ملاحظته أن هذا كله يجري في غياب تام للمعارضة السورية، رأياً أو حضوراً، وحتى أن هذه المعارضة تبدو غير قادرة على إبداء رأيها، أو مناقشة رأي من يدّعي صداقتها من مبدأ التوكيل التام أيضاً لهذه الدولة أو تلك.
كان الأجدر بالمعارضة أن تدرك أنها تمثل الشعب السوري ومشروعه الوطني، وأنها تستمد شرعيتها ليس من الأنظمة الداعمة "الصديقة"، والأصح الوكيلة، وإنما من شعبها. أيضاً كان يجدر بالمعارضة أن تصارح شعبها بحقيقة الأوضاع، وبشأن كل ما يجري من تحولات وتعقيدات، من دون مواربة، وبمسؤولية، وأن تضع شعبها بصورةٍ واضحةٍ حول مواقف كل الدول، وأين تقف اليوم من مبادئ الثورة، وحدود مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية، لأن ما يدور في أروقة مكاتب المعارضة، في لقاءاتها واتصالاتها، هو ملك للشعب السوري، وليس لأي أحد بذاته.
إضافة إلى كل ما تقدم، من المفترض بالمعارضة أن تدرك أن الشعب هو الذي يدفع الأثمان الباهظة لكل ما يجري، ومن ذلك تسليم النظام السوري بلده لمن ادّعوا مساندته، في محاولته الحفاظ على سلطةٍ، ولو منزوعة السيادة. ويأتي ضمن ذلك أيضاً عجز المعارضة، وضعف إدراكاتها مكانتها ودورها ممثلاً للسوريين وبديلاً للنظام، ناهيك ضعف إدراكها مكانتها ورقة قوة، وليس مجرد أداة لهذه الدول على طاولة التفاوض الدولية.
قصارى القول، أوغلت المعارضة السورية في التفريط بالقرار الوطني المستقل، في تعاملها بطريقةٍ دونيةٍ مع دولٍ لا تهتم إلا بمصالحها وأجندتها بداية ونهاية، فهل يمكن للمعارضة أن تتدارك مخاطر هذا الوضع الذي وصلت إليه، حفاظاً على مكانتها، ودفاعاً عن حقوق شعبها؟
لم يعد السوري المعارض اليوم يسأل عن مشروع معارضته تجاه ما يحدث له من حرب إبادة تطاول الإنسان والحجر، أو عمّا تعده هذه المعارضة للتخفيف من معاناته، أو لتمكينه من استعادة عالمه، وتحقيق آماله في سورية الجديدة. كما لم يعد السوري الموالي يسأل عن موقف نظامه من كل الاختراقات الدولية لما كانت تسمى "السيادة السورية"، وتلاعب هذه الدولة، أو تلك، بمصير السوريين، ووصايتها على النظام.
هكذا نحن، في الحالتين، نتابع التصريحات المتتالية لدولٍ تساند النظام من جهة، ودول تدعي مساندة المعارضة من جهة أخرى، ولعل من المفيد التذكير بأن التفاهمات والتقاربات الأخيرة بين الدول، على اختلاف موقفها أو موقعها من الثورة، وضع السوريين في حالةٍ يمكن تسميتها سقوط مفهوم الدول الصديقة، أو المساندة، لصالح ظهور مفهوم جديد، يمكن تسميته دول "الوكلاء"، أي وكلاء الحل السوري.
تستطيع روسيا التي تقدم نفسها وكيلاً عن النظام السوري عقد التفاهمات والاتفاقات والهدن، داخلياً وخارجياً، من دون العودة إليه، أو حتى إعلامه، من باب سد الذرائع وتحصيل الشرعية في جزئها السوري الموالي. وهذا يشمل أيضاً إيران التي تدرك، اليوم وبوضوح، أنها لم تعد وكيلاً عن النظام، إلا ضمن ما تسمح به روسيا لها، على الرغم من تنازع النظام في ولائه بينهما، وإحساسه العميق أنه أمام خيارين، أحلاهما بيعه على أول طاولة تفاوض، تحقق لروسيا مصالحها الأوروبية، وحضورها الدائم في الشرق الأوسط، ومصالحةً، ولو شكلية، على المستوى الدولي العام. أما ثانيهما فيتجلى في خيار الوكيل الآخر، أي إيران التي أضحت عاجزة عن الدفاع عن وجودها، كما عن مكانتها في سورية، إلا من خلال الرضا الروسي.
في المقابل، الأوضاع على جبهة المعارضة أكثر وطأة وخطورة وتعقيداً، فأولاً، هذه المعارضة من الأصل كانت تعاني من قلة الدعم والإسناد السياسي والعسكري والمالي مما يسمى معسكر أصدقاء سورية، بالقياس للدعم اللامحدود الذي كان يتلقاه النظام من حليفيه، الإيراني والروسي. ثانياً، واضحٌ أن دول "أصدقاء سورية"، لا سيما الولايات المتحدة، تراجعت في مواقفها المعلنة عن حقوق الشعب السوري والانتهاء من نظام الأسد، إلى أقل حتى من قرارات جنيف 2012 وأقل من بياني فيينا 1و2. ثالثاً، المشكلة أن هذا بات يشمل حتى أكثر الدول قرباً للمعارضة السورية، وهي تركيا من جانبين، أولاهما تنسيقها مع روسيا حليفة النظام، والتي تقصف الشعب السوري بالطائرات، وثانيهما بإعلانها التراجع عن هدف ترحيل النظام في المرحلة الانتقالية. رابعاً، ما ينبغي ملاحظته أن هذا كله يجري في غياب تام للمعارضة السورية، رأياً أو حضوراً، وحتى أن هذه المعارضة تبدو غير قادرة على إبداء رأيها، أو مناقشة رأي من يدّعي صداقتها من مبدأ التوكيل التام أيضاً لهذه الدولة أو تلك.
كان الأجدر بالمعارضة أن تدرك أنها تمثل الشعب السوري ومشروعه الوطني، وأنها تستمد شرعيتها ليس من الأنظمة الداعمة "الصديقة"، والأصح الوكيلة، وإنما من شعبها. أيضاً كان يجدر بالمعارضة أن تصارح شعبها بحقيقة الأوضاع، وبشأن كل ما يجري من تحولات وتعقيدات، من دون مواربة، وبمسؤولية، وأن تضع شعبها بصورةٍ واضحةٍ حول مواقف كل الدول، وأين تقف اليوم من مبادئ الثورة، وحدود مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية، لأن ما يدور في أروقة مكاتب المعارضة، في لقاءاتها واتصالاتها، هو ملك للشعب السوري، وليس لأي أحد بذاته.
إضافة إلى كل ما تقدم، من المفترض بالمعارضة أن تدرك أن الشعب هو الذي يدفع الأثمان الباهظة لكل ما يجري، ومن ذلك تسليم النظام السوري بلده لمن ادّعوا مساندته، في محاولته الحفاظ على سلطةٍ، ولو منزوعة السيادة. ويأتي ضمن ذلك أيضاً عجز المعارضة، وضعف إدراكاتها مكانتها ودورها ممثلاً للسوريين وبديلاً للنظام، ناهيك ضعف إدراكها مكانتها ورقة قوة، وليس مجرد أداة لهذه الدول على طاولة التفاوض الدولية.
قصارى القول، أوغلت المعارضة السورية في التفريط بالقرار الوطني المستقل، في تعاملها بطريقةٍ دونيةٍ مع دولٍ لا تهتم إلا بمصالحها وأجندتها بداية ونهاية، فهل يمكن للمعارضة أن تتدارك مخاطر هذا الوضع الذي وصلت إليه، حفاظاً على مكانتها، ودفاعاً عن حقوق شعبها؟