14 سبتمبر 2024
ماذا تريد الأذرع الإعلامية من المصريين؟
يبدو وكأن الإعلام المصري قد تخصّص في محاولات إيذاء المصريين، والتفنن في الإضرار بصورة مصر وعلاقتها مع دول العالم، بشتى السبل الممكنة، فقد تحول الإعلام المصري الذي كان رائداً في المنطقة العربية إلى أحد أهم عوامل هدم مكانة مصر بين الدول.
كم من أزماتٍ وتخريبٍ للعلاقات بين مصر والخارج، تسببت فيها رعونة إعلاميين مصريين وانحطاطهم وجهلهم وتعصبهم، وقد تصوروا أنهم بذلك يخدمون أسيادهم، ويغطون على كوارث الحكام المستبدين بممارسة العنصرية والتعالي على الشعوب الأخرى، فلا يزال الجرح المصري الجزائري غائراً نتيجة الحرب الإعلامية المنحطّة التي اندلعت بين الشعبين أواخر عام 2009 بسبب مباريات لكرة القدم بين منتخبي البلدين، وهي أزمة استثمر فيها نظام حسني مبارك، ودخل فيها بكل قوته، داعماً إعلامييه وهم يسبون الجزائر نظاماً وحكومة وشعباً وينعتونهم بأقذر الصفات، حتى إن علاء نجل مبارك تدخل بنفسه لاستغلال الأزمة، ومنح نفسه ووالده وشقيقه شعبيةً كادت أن تصبح في حكم العدم في ذلك الوقت، مع تصاعد الاحتجاجات والاحتقان الشعبي، نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان البلد يعاني منها في ذلك الوقت.
لم يختلف الأمر حتى بعد ثورة يناير، لأن منظومة الإعلام بقيت كما هي، بعد أن وجدت في المجلس العسكري وبقايا نظام مبارك سيداً جديداً وسنداً وداعماً لها، وكان الشعب الفلسطيني الضحية الأولى، عبر ترويج روايات مضحكة عن تورّط حركة حماس (وجهات أخرى مثل حزب الله والحرس الثوري الإيراني) في قتل المتظاهرين وفي إشعال الثورة. وكان المذيع توفيق عكاشة المروّج الأول لتلك الخزعبلات، ورائد تلك المدرسة التي التحق بها الإعلام المصري في معظمه بعد ذلك. ووصل الأمر إلى أن رفع عكاشة الحذاء على الهواء في وجه الشعب الفلسطيني، وموجهاً التحية للاحتلال الإسرائيلي على قتل المدنيين العزّل في قطاع غزة.
ثم جاء الانقلاب، ومعه ازدهر كل ما هو منحطّ ومضاد لكل القيم الإنسانية، وأبرزه ذلك الانحطاط الإعلامي المصاحب لانحطاط الانقلاب في المجالات كافة، وقد بدأت الأذرع
الإعلامية للانقلاب في التحريض ضد السوريين بعد الانقلاب مباشرة، وراحت الذراع الإعلامية، يوسف الحسيني، يسبّ اللاجئين السوريين بأقذع الألفاظ، ويتهمهم بالمشاركة في اعتصام ميدان رابعة العدوية المعارض للانقلاب، ويتوعدهم بالضرب بالحذاء، وهي تهمةٌ وجدت طريقها إلى الانتشار في وسائل الإعلام التي كانت تحاول تبرير كثافة المشاركين في الفعاليات المناهضة للانقلاب، فلم يجدوا غير السوريين المستضعفين للاستقواء عليهم. مع استمرارهم في التحريض على الشعب الفلسطيني، مثلما قامت به إحدى المذيعات في تلفزيون الدولة الرسمي، عندما قالت للفلسطينيين الذين كانوا يواجهون العدوان الإسرائيلي، إن مصر لا تكترث لموتهم، وإنها لن تفتح معبر رفح مهما حدث لهم، وعليهم أن ينسوا "الشقيقة الكبرى".
ويبدو أن الشعوب المستضعفة لم تشبع شهية الأذرع الإعلامية، فاتجهوا إلى السودان، إذ لا يكاد يمر شهر من دون إساءات متكرّرة للشعب السوداني، وهي إساءاتٌ تمتزج بعنصريةٍ مقيتة، تتعامل مع السودان، وكأنه مستعمرة مصرية، وتحاول استرجاع تاريخٍ مضى عليه أكثر من قرن. وعلى الرغم من أن قضية سد النهضة من أخطر القضايا التي تواجهها مصر، وأكثرها حساسيةً ومساساً بحياة المصريين، إلا أن ذلك لم يكن محل اعتبار مذيعة أخرى، كادت أن تتسبب في أزمة دبلوماسية بين مصر وإثيوبيا، عندما أغلقت الهاتف في وجه السفير الإثيوبي على الهواء بعد مشاجرة بينهما. كما روّج الإعلام المصري أخباراً عن "ثورة وهمية" في إثيوبيا، وعن انهيار سد النهضة تحت ضربات "الثوار"، وهو ما أزعج الخارجية المصرية نفسها، وجعلها تعبر عن غضبها من تلك التغطيات التي تؤدي إلى أزماتٍ دبلوماسيةٍ، لا داعي لها.
وبعد أن قتلت قوات الجيش المصري سياحاً مكسيكيين بقصف جوي على سياراتهم، انطلقت الجوقة الإعلامية، لتتهم هؤلاء المساكين أنهم مخطئون، ويعملون في تجارة المخدرات والتهريب ومساعدة الجماعات المسلحة، وتشكيلة اتهامات متناقضة للتغطية على الفضيحة التي أثرت على العلاقات المصرية المكسيكية، لكن تلك الزوبعة الإعلامية لم تنجح في التغطية على التسوية التي توصلت لها حكومة عبد الفتاح السيسي، بدفع تعويضات بملايين الدولارات لأهالي الضحايا. تكرّر الأمر نفسه مع قضية الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، الذي قتل في القاهرة بسبب التعذيب، فلم يسلم المغدور من الاتهامات الإعلامية أنه عميل وجاسوس للمخابرات الأميركية والبريطانية والموساد، وأي دولة قد تخطر على بال الصحافي الذي يكتب الخبر أو المذيع الذي يقدم الفقرة، ووصل الأمر إلى أن عبّرت إحدى المذيعات عن شماتتها في مقتل ريجيني، وأن الأخير "ذهب في داهية".
لم يترك الإعلام المصري المصريين في الخارج في حالهم، ويبدو مصمّماً على محاربتهم في أرزاقهم، عبر الهجوم والإساءة إلى الدول التي توجد بها عمالة مصرية كثيفة، فقد أساء الإعلام المصري إلى السعودية عدة أشهر، في أثناء الخلاف بين البلدين، قبل أن يتصالحا برعاية ترامب، لكن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تناسى تلك الإساءات، ورفض أن يتحدث عنها في حوار تلفزيوني له قبل شهرين، مرجعاً تلك الإساءات إلى ما سماه "الإعلام الإخونجي المصري" بالمخالفة للحقيقة الواضحة والموثقة.
وعلى الرغم من تطاول الإعلام المصري على دولة قطر باستمرار، منذ أربع سنوات، إلا أن
قطر لم تفكر في المساس بالعمالة المصرية لديها، وهو موقف أخلاقي، استمرت في اتباعه، حتى بعد الأزمة الخليجية أخيراً، ليس مع مصر فقط، بل مع كل دول الحصار، والدول التي قطعت علاقتها معها، إلا أن ذلك الموقف لم يرض الأذرع الإعلامية التي يبدو كأنها تريد أن تخرب آلافاً من البيوت والأسر المصرية العاملة في قطر، لنجد ذراعاً إعلامية، مثل خالد صلاح، يطالب نظام السيسي باستهداف قطر وشعبها، وتطالب لميس الحديدي بتخطيط تفجيرات وتنفيذها داخل قطر، كما طالب عمرو أديب المصريين في قطر أن يتحمّلوا ما سيحدث لهم بعد قطع العلاقات مع قطر لأن "مصر في حرب"، قائلاً، إنهم يجب أن يتحملوا نصيبهم في تلك الحرب. وطالب الذراع، أحمد موسى، المصريين العاملين في قطر بالتظاهر ضدها، ومحاصرة مبنى الجزيرة، وكان قبلها قد أبدى عدم اكتراثه لاحتمال استغناء قطر عن العمالة المصرية بسبب الخلافات بين البلدين.
كل هؤلاء الإعلاميين والسياسيين الذين يحصلون على الملايين، ويعيشون في رفاهيةٍ مطلقةٍ يتحدثون وكأنهم سيضمنون لنحو 300 ألف مصري في قطر وظيفة تضمن لهم حياة كريمة، بعد أن يعودوا إلى مصر، بعد أن يدفعوا ثمن حماقاتهم وانحطاطهم، في وقتٍ لا تجد فيه نسبة كبيرة من الشباب المصري أي فرصة عمل، وهو شبابٌ كان السيسي قد وعده أن يوفر له فرص عمل على عرباتٍ لبيع الخضراوات! فاللهم احفظ المصريين من الإعلام المصري.
كم من أزماتٍ وتخريبٍ للعلاقات بين مصر والخارج، تسببت فيها رعونة إعلاميين مصريين وانحطاطهم وجهلهم وتعصبهم، وقد تصوروا أنهم بذلك يخدمون أسيادهم، ويغطون على كوارث الحكام المستبدين بممارسة العنصرية والتعالي على الشعوب الأخرى، فلا يزال الجرح المصري الجزائري غائراً نتيجة الحرب الإعلامية المنحطّة التي اندلعت بين الشعبين أواخر عام 2009 بسبب مباريات لكرة القدم بين منتخبي البلدين، وهي أزمة استثمر فيها نظام حسني مبارك، ودخل فيها بكل قوته، داعماً إعلامييه وهم يسبون الجزائر نظاماً وحكومة وشعباً وينعتونهم بأقذر الصفات، حتى إن علاء نجل مبارك تدخل بنفسه لاستغلال الأزمة، ومنح نفسه ووالده وشقيقه شعبيةً كادت أن تصبح في حكم العدم في ذلك الوقت، مع تصاعد الاحتجاجات والاحتقان الشعبي، نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان البلد يعاني منها في ذلك الوقت.
لم يختلف الأمر حتى بعد ثورة يناير، لأن منظومة الإعلام بقيت كما هي، بعد أن وجدت في المجلس العسكري وبقايا نظام مبارك سيداً جديداً وسنداً وداعماً لها، وكان الشعب الفلسطيني الضحية الأولى، عبر ترويج روايات مضحكة عن تورّط حركة حماس (وجهات أخرى مثل حزب الله والحرس الثوري الإيراني) في قتل المتظاهرين وفي إشعال الثورة. وكان المذيع توفيق عكاشة المروّج الأول لتلك الخزعبلات، ورائد تلك المدرسة التي التحق بها الإعلام المصري في معظمه بعد ذلك. ووصل الأمر إلى أن رفع عكاشة الحذاء على الهواء في وجه الشعب الفلسطيني، وموجهاً التحية للاحتلال الإسرائيلي على قتل المدنيين العزّل في قطاع غزة.
ثم جاء الانقلاب، ومعه ازدهر كل ما هو منحطّ ومضاد لكل القيم الإنسانية، وأبرزه ذلك الانحطاط الإعلامي المصاحب لانحطاط الانقلاب في المجالات كافة، وقد بدأت الأذرع
ويبدو أن الشعوب المستضعفة لم تشبع شهية الأذرع الإعلامية، فاتجهوا إلى السودان، إذ لا يكاد يمر شهر من دون إساءات متكرّرة للشعب السوداني، وهي إساءاتٌ تمتزج بعنصريةٍ مقيتة، تتعامل مع السودان، وكأنه مستعمرة مصرية، وتحاول استرجاع تاريخٍ مضى عليه أكثر من قرن. وعلى الرغم من أن قضية سد النهضة من أخطر القضايا التي تواجهها مصر، وأكثرها حساسيةً ومساساً بحياة المصريين، إلا أن ذلك لم يكن محل اعتبار مذيعة أخرى، كادت أن تتسبب في أزمة دبلوماسية بين مصر وإثيوبيا، عندما أغلقت الهاتف في وجه السفير الإثيوبي على الهواء بعد مشاجرة بينهما. كما روّج الإعلام المصري أخباراً عن "ثورة وهمية" في إثيوبيا، وعن انهيار سد النهضة تحت ضربات "الثوار"، وهو ما أزعج الخارجية المصرية نفسها، وجعلها تعبر عن غضبها من تلك التغطيات التي تؤدي إلى أزماتٍ دبلوماسيةٍ، لا داعي لها.
وبعد أن قتلت قوات الجيش المصري سياحاً مكسيكيين بقصف جوي على سياراتهم، انطلقت الجوقة الإعلامية، لتتهم هؤلاء المساكين أنهم مخطئون، ويعملون في تجارة المخدرات والتهريب ومساعدة الجماعات المسلحة، وتشكيلة اتهامات متناقضة للتغطية على الفضيحة التي أثرت على العلاقات المصرية المكسيكية، لكن تلك الزوبعة الإعلامية لم تنجح في التغطية على التسوية التي توصلت لها حكومة عبد الفتاح السيسي، بدفع تعويضات بملايين الدولارات لأهالي الضحايا. تكرّر الأمر نفسه مع قضية الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، الذي قتل في القاهرة بسبب التعذيب، فلم يسلم المغدور من الاتهامات الإعلامية أنه عميل وجاسوس للمخابرات الأميركية والبريطانية والموساد، وأي دولة قد تخطر على بال الصحافي الذي يكتب الخبر أو المذيع الذي يقدم الفقرة، ووصل الأمر إلى أن عبّرت إحدى المذيعات عن شماتتها في مقتل ريجيني، وأن الأخير "ذهب في داهية".
لم يترك الإعلام المصري المصريين في الخارج في حالهم، ويبدو مصمّماً على محاربتهم في أرزاقهم، عبر الهجوم والإساءة إلى الدول التي توجد بها عمالة مصرية كثيفة، فقد أساء الإعلام المصري إلى السعودية عدة أشهر، في أثناء الخلاف بين البلدين، قبل أن يتصالحا برعاية ترامب، لكن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تناسى تلك الإساءات، ورفض أن يتحدث عنها في حوار تلفزيوني له قبل شهرين، مرجعاً تلك الإساءات إلى ما سماه "الإعلام الإخونجي المصري" بالمخالفة للحقيقة الواضحة والموثقة.
وعلى الرغم من تطاول الإعلام المصري على دولة قطر باستمرار، منذ أربع سنوات، إلا أن
كل هؤلاء الإعلاميين والسياسيين الذين يحصلون على الملايين، ويعيشون في رفاهيةٍ مطلقةٍ يتحدثون وكأنهم سيضمنون لنحو 300 ألف مصري في قطر وظيفة تضمن لهم حياة كريمة، بعد أن يعودوا إلى مصر، بعد أن يدفعوا ثمن حماقاتهم وانحطاطهم، في وقتٍ لا تجد فيه نسبة كبيرة من الشباب المصري أي فرصة عمل، وهو شبابٌ كان السيسي قد وعده أن يوفر له فرص عمل على عرباتٍ لبيع الخضراوات! فاللهم احفظ المصريين من الإعلام المصري.