لم يعد إلياس الفخفاخ رئيس حكومة مكلفاً في تونس، بل أصبح رئيس حكومة رسمياً كامل الصلاحيات بعد نجاحه في نيل الثقة في البرلمان، وإن كانت محدودة، وبدأ وزراؤه بالعمل فعلياً صباح السبت، ومنهم من باشر مساء الجمعة بعد تسلم المهام، وانغمسوا في ملفات طارئة، أولها مواجهة كورونا وجاهزية المطارات والمستشفيات لمراقبة الوافدين، وهذا جيد ومطلوب ويرسل إشارات إيجابية لمواطنين أعياهم انتظار تشكيل هذه الحكومة بعد أشهر من الخلافات بسبب حسابات حزبية.
هذا هو مربط الفرس في تونس وعقدة العمل السياسي المتوتر الذي أفشل كل مساعي تحسين الأوضاع التي ثار من أجلها الناس. وكشف رئيس الحكومة السابق، يوسف الشاهد، بعضاً من آثار "العصا في العجلة"، على حد تعبير التونسيين إذا أرادوا توصيف أسباب الركود وتعطيل سير الحياة، غير أن أحداً لا يعرف حتى اليوم من يضع هذه العصا ومن يحركها لتعطيل عجلة الاقتصاد وعدم تحسين الحياة الصعبة في مختلف المناطق.
بشّر الشاهد خَلَفه بالصعوبات التي ستعترضه في عمله، إذا حاول مكافحة الفساد أو التحرك على الميدان، في إشارة إلى أنه مُنع تقريباً من العمل، ولفت إلى أن حكومته كانت مهدّدة بالسقوط لمدة سنتين منذ وثيقة قرطاج 2، على حدّ تعبيره. وذكر أنه تسلّم المسؤولية في فترة حساسة، لكنّ شبح الإفلاس ''أصبح الآن وراءنا والعديد من المؤشرات تحسّنت وأخرى في طور التحسن''، متابعاً: ''تونس تربح الحرب ضد الإرهاب أيضاً وتقدّمت 16 نقطة في الترتيب الدولي لمكافحة الإرهاب''. وأعرب الشاهد عن سعادته بتسليم السلطة لرئيس حكومة يؤمن بمدنية الدولة ومن جيله، و"سيواصل العمل على بناء جيل سياسي جديد يده نظيفة ويؤمن بالديمقراطية''.
ولئن كان الشاهد يدافع عن مرحلته وأرقامه، بقطع النظر عن مدى صحتها، فإنه لم يُشر إلى أنه كان أيضاً جزءاً من هذا التوتر السياسي العام، لكنّ الكثير من كلامه صحيح؛ فالأحزاب التونسية تضرب بعضها بلا توقف، وعينها باستمرار على الانتخابات المقبلة، وكأنها في حملة انتخابية متواصلة لا تنتهي، وهذا ما ملّه التونسيون ولم يفهمه السياسيون، وسيدفعون ثمنه عاجلاً أم آجلاً.
غداً الثلاثاء، ستكون هذه الأحزاب على موعد جديد مع الصراع، إذ سيعرض البرلمان مقترح تغيير القانون الانتخابي، وهو ملف حامٍ لا يحظى بإجماع، فكيف سينأى الفخفاخ بائتلافه الحكومي عن آثار هذه المعركة، وعن كل المعارك المقبلة؟ وماذا يستطيع أن ينجز فعلاً في ضوء هذه المناخات؟