ماذا سيكتب التاريخ عنّا؟

30 مارس 2015
+ الخط -

يصح القول، في التباسات اللحظة الراهنة التي يمر منها المواطن العربي، في حياته وأوطانه، المثل المغربي "مخلطة بكراع مش"، والمعنى أنها خلطت برجل قط شرس، حتى لم يعد منها شيء يصلح أو خرقة يعول عليها.

جرى الربيع نشيداً حماسيّاً وهادراً، ثم طوي الأمر وران السكوت، وأصيبت الحناجر بالحبسة، وليس حال النخب والمثقفين بأحسن حال من حال الجمهور والسواد الأعظم.

هذه النخب كان المفروض فيها أن تهتبل الفرص السانحة، وتطرح مشاريعها التي طالما اشتكت من كون سياقات الحال والأحوال لا تسعفها في تنزيلها، فلما كان كل شيء في منتهى الجهوزية، انخسفت تلك الأصوات، كأنما عضها كلب السلطة، أو هي أطبقت قبضتها على مصلحة آنية، وركلت الشعارات التي بحت في ترديدها، وطوت الأعلام، لتبيع صوتها في أسوأ مشهد للانبطاح الحضاري يمكن أن يحصل لأمة يتناهبها الدهماء، وتفتك بمقدراتها تصاريف الدهر وترتيبات القوى.

ليس أمام العرب، اليوم، إلا وحدة الشعور بالانتكاس وتقاسم مرارة الخيبات من أقصى الماء إلى أقصى الماء. لكن، ماذا سيقول التاريخ عنّا، وماذا سيكتب، بعد مائة سنة أو بعد ألف عام؟ هل هذا الوضع الممعن في القسوة سيجد من يفكك حديده، ويبصم وصمة العار على صانعيه وجلاديه، أم أن التاريخ نفسه بضاعة تباع وتشترى، وسلعة يسوقها الأقوياء غصباً للضعفاء، تتحول فيها فاتحة قرننا الدموي إلى ساحة قنص مفتوحة، يباد فيها الإنسان في المشهد الأكثر رعباً، والمعمم على الجميع، فآلة القتل شيقة، وأضلاعها نهمة ولا تشبع.

وليس هناك ما هو أكثر إثارة للرعب من دفع آلة القتل إلى أن تعمل أكثر، مرة باسم الشعوب المقهورة، ومرة أخرى بالنيابة، هنا أو هناك، وفي أكثر من جغرافيا مشبعة بالموت والفوضى.

نسفت الجسور كلها، تلك التي تؤدي إلى مخارج نجاة، ما من شيء يوحي بأنه في الأفق المنظور سيكون العرب أفضل في جلدهم، وهذا ما دفع مفكراً، مثل عبدالله العروي، إلى القول في مذكراته، أخيراً، إن العرب يوجدون حقيقة في وضعٍ لا يحسدون عليه، وهم يعرضون أنفسهم لسخرية العالم.

هل من كوة ضوء؟ يبدو أن المثقف العربي مشغول باستيعاب اللحظة، وهو بكل تأكيد سيستغرق وقتاً كبيراً في فهم وتفكيك ما يحصل حوله، وحين سينتهي إلى الخلاصات، سيكون الواقع قد تغير، واستجد واقع جديد، هو ابن الخيبات والانتكاسات التي عرفها الأمس القريب.

ومن دواعي الدهشة أن يكتب مفكر، مثل العروي، رؤية استشرافية، لليوم، في مذكرات حررها في بداية العشرية الماضية. قال إنه لا بديل أمام العرب إلا بتشكيل قوة عربية مكونة من جيش قوي قادر على التحرك بسرعة، وحماية الثروة والإنسان، فقدر العرب أن الثروة التي تشكل جوهر العالم، اليوم، وقوته الصناعية وحياته، موجودة في باطن أراضيه، ولن ينعم بالهدوء والراحة، طالما أن هذه الثروة محط أطماع العالم، يسعى الجميع إلى الحصول عليها، أو السيطرة على منابعها، مهما كلف الأمر من ثمن.

أحد مفاتيح الصراع المفتوح في منطقة الشرق الأوسط يكمن هنا، وهو صراع نشهد بداياته الأولى أمام تضارب المصالح وانفلات السلط. وهيمنة الشركات العالمية عابرة القارات، والتي تهب بكل تأكيد، الحرب والسلام، الحياة والموت، وكأن قدرنا، اليوم، أن نتحول إلى رهائن في أيدي هذه الشركات، بعد أن فككت الأوطان، وأبيد حس الانتماء، وأصبحنا لعبة في أيدي شرائع "دولية"، تفصل على المقاس، فالأقوياء يضعون القانون وأسانيد الوصاية.

هل ستكون لدينا فرصة أخرى للخروج من عنق الزجاجة؟ وهل لدينا بعض مفاتيح حلول، أم أننا في اللحظة الأكثر سوءاً من تاريخنا الذي تواجهه المحن؟ أما من جواب؟

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..