ففي مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة الإسرائيلية "12"، أول من أمس، أوضح نتنياهو أنه سمح للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتزويد مصر بالغواصات تحت حكم حسني مبارك، وبعد صعود عبد الفتاح السيسي، لكنه رفض ذلك عندما أسفرت أول انتخابات رئاسية تنظم بعد الثورة عن فوز محمد مرسي، الذي نعته بـ"الإسلامي".
وبالرغم من أن نتنياهو أشار إلى الهوية الأيديولوجية لمرسي لكي يسوغ موقفه الرافض لحصول مصر على الغواصات، لكنه رفض في المقابل الإفصاح عن السبب الذي دفعه للموافقة على تزويد مصر في عهد السيسي بالغواصات، معتبراً أن هذا يندرج في نطاق "أسرار الدولة".
لكن بغض النظر عن "الأسرار" التي جعلت نتنياهو يوافق على حصول مصر السيسي على الغواصات الألمانية المتطورة، فإن تل أبيب، في المقابل، لم تنكر تخوفها من تداعيات تعاظم مظاهر النزعة العسكرية لمصر بعد ثورة 25 يناير، بغض النظر عن الخلفية الحزبية والأيديولوجية لرئيس مصر.
وعند استحضار الجدل الإسرائيلي الداخلي، الغني والواسع، الذي تفجر بعد ثورة 25 يناير، يتبين أن كل نخب الحكم ومحافل التقدير الاستراتيجي ومراكز التفكير ووسائل الإعلام في تل أبيب، قد انطلقت من افتراض مفاده أنه بمعزل عن الهوية الفكرية لنخب الحكم التي ستدير شؤون مصر، فإن هذه النخب ستتبنى موقفاً معادياً من إسرائيل قد يفضي إلى اندلاع مواجهة بين الجانبين، بسبب اضطرارها لمراعاة توجهات الرأي العام المصري.
ولم يكن على سبيل الصدفة أن اعتبر الكثير من الباحثين والكتاب في تل أبيب أن البيان الذي أصدرته لجنة الشؤون العربية بتاريخ 12 مارس/ آذار 2012 في أول مجلس نيابي يتم انتخابه في مصر بعد الثورة، والذي اعتبر "الكيان الصهيوني أكبر مصدر تهديد على الأمن القومي المصري"، دليلاً على وجوب الاستعداد لمواجهة مصر عسكرياً.
ومما دلل، في نظر النخبة الإسرائيلية، على أن الفروق الأيديولوجية بين قوى ثورة 25 يناير، لم تكن تؤثر على موقف مصر من العلاقة مع إسرائيل، حقيقة أن الذين بادروا لصياغة بيان لجنة الشؤون العربية كانوا نواباً ينتمون لتيارات ليبرالية ويسارية وناصرية وإسلامية.
فقد خشيت الكثير من نخب الحكم في إسرائيل من نجاح مصر بعد الثورة في تعزيز قوتها العسكرية، لأنها انطلقت من افتراض مفاده أن مراعاة توجهات وتطلعات الرأي العام المصري، ستدفع القيادة المصرية المنتخبة ديموقراطياً إلى تعطيل العمل باتفاقية "كامب ديفيد"، ما يزيد من فرص تفجر مواجهة بين الجانبين.
وهذا ما جعل إسرائيل تقرر عام 2012 إعادة بناء قيادة المنطقة الجنوبية في جيشها، على اعتبار أنها ستكون القيادة التي قد تتحمل عبء الجهد العسكري الأكبر، في حال واصلت قوى ثورة 25 يناير إدارة شؤون الحكم في القاهرة.
في المقابل، فإن أحد الأسباب التي تفسر عدم معارضة نتنياهو لتزود مصر بالغواصات الألمانية في عهدي مبارك والسيسي، حقيقة أن هذين النظامين ارتبطا بشراكات استراتيجية قوية مع إسرائيل. فقد سبق لوزير الحرب الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن أليعازر، أن وصف مبارك بأنه "كنزٌ استراتيجي" لإسرائيل، في حين وصف عاموس جلعاد، الرئيس السابق للدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية، والذي كان مكلفاً بإدارة ملف العلاقة مع القاهرة، الانقلاب الذي قاده السيسي بأنه "أهم معجزة استراتيجية" لإسرائيل.
وفي الوقت الذي تراجع التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصر إلى حد كبير بعد ثورة 25 يناير، فإن الشراكات الاستراتيجية بين تل أبيب ونظام السيسي وصلت إلى حدود غير مسبوقة. وقد وصل الأمر إلى حد سماح نظام السيسي لسلاح الجو الإسرائيلي بشنّ غارات جوية في عمق الأراضي المصرية، وتحديداً في سيناء، بحجة ضرب تنظيم "ولاية سيناء" الإرهابي، في حين تبين أن جل هذه الغارات يستهدف إرساليات السلاح الذي يتم تهريبه إلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
إلى جانب ذلك، فقد ساهم نظام السيسي في تحسين قدرة إسرائيل على مواجهة المقاومة الفلسطينية، سواء من خلال توفير بيئة تسمح باستنفاد القوة العسكرية في مواجهة هذه المقاومة، كما حدث خلال حرب 2014، وعبر محاولات احتواء المقاومة، ودفعها للتوصل إلى تهدئة تضمن عدم استهداف العمق الإسرائيلي، كما يحدث حالياً.