02 أكتوبر 2024
ماذا يحدث في الجزائر؟
تكاد الجزائر أن تكون بلداً شبه مغلق. لا أحد يعرف ماذا يجري داخلها. إنها تشبه حالات جمهوريات "الاتحاد السوفييتي" سابقاً، نادراً ما نجد أخبارها في وسائل الإعلام العالمية، والأحداث السياسية التي تتفاعل داخلها تصل إلى الرأي العام الخارجي متأخرة أو ناقصة، شذرات مما يُسمح للإعلام الرسمي المسيطر عليه بتداوله.
هكذا نقرأ اليوم عن استقالة الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، عمار سعداني، من منصبه، لأسبابٍ، تقول الرواية الرسمية إنها صحية. فالرجل يبلغ 82 عاماً، وحتى قبل ثلاث سنوات، عندما تولى هذا المنصب كان يوصف بأنه رجل النظام القوي الذي أطاح رئيس جهاز المخابرات في بلاده الذي كان يوصف بـ"صانع الرؤساء".
المفارقة أن رئيس سعداني الذي استقال، أو أقيل، لأسباب صحيةٍ، ليس سوى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الحزب ورئيس الدولة. وكما يعرف الجميع فالرئيس بوتفليقة البالغ 79 عاماً، ويحكم بلاده منذ 17 عاماً، أقعده المرض منذ ثلاث سنوات، ومع ذلك ما زال يحكم من فوق كرسيه الطبي المتحرّك، وتتحدث البيانات الرسمية التي تصدر، للرد على من يشككون في قدراته الصحية، إنه ماض في حكم بلاده حتى نهاية ولايته الرئاسية عام 2019، على الرغم من مشكلاته الصحية، إثر إصابته بجلطتين دماغيتين في السنوات الأخيرة!
وقبل خبر إقالة سعداني أو استقالته، وردت، قبل سنة، أخبار عن إقالة جنرالاتٍ كبار في المخابرات والجيش واستقالتهم ومحاكمتهم واعتقالهم. ومرة أخرى، لم يعرف الرأي العام الداخلي أو الخارجي ماذا حدث؟ ومن أقال من؟ ومن يحاكم من؟ وحتى الصحافة التي يمكن أن تُخبر الرأي العام بما يحدث في الجزائر، يتم التضييق عليها. وأخيراً، شنت السلطات الجزائرية حربا اقتصادية ضروساً ضد آخر مجموعتين صحفيتين خاصتين في البلاد، "الخبر" و"الوطن"، على الرغم من أن الصحيفتين كانتا مقربتين من بعض دوائر النفوذ داخل السلطة، أما الصحافيون الأجانب فمازالوا يحتاجون إلى إذن رسمي للدخول إلى البلاد، وإذا دخلوا فلا يسمح لهم بالتحرّك بحرية.
وباستثناء أقلية محيطة بالرئيس، في مقدمتهم شقيقه سعيد بوتفليقة، ومستشاره ومدير ديوانه
أحمد أويحي، لا أحد في الجزائر يعرف بالضبط من يقرّر ومن يحكم. ففي السنة الماضية، طالبت شخصياتٌ بارزةٌ بمقابلة الرئيس، للتأكد من قدراته الصحية على إدارة الحكم، لكن طلبهم جوبه بالرفض. وبحسب مراقبين أجانب، ما يحدث نوع من "الانقلاب الناعم" لترتيب انتقال السلطة ما بعد رحيل بوتفليقة، أو تنحيته قبل نهاية ولايته، مثلما حدث مع الرئيس التونسي السابق، الحبيب بورقيبة.
يختلف الوضع في الجزائر عما كان عليه الأمر في تونس في أواخر عهد بورقيبة، لأن من انقلب آنذاك على الرئيس التونسي هو رئيس جهاز مخابراته القوي، زين العابدين بن علي. أما في الجزائر، فما حدث هو العكس، فقد أرسلت المجموعة المقربة من الرئيس المريض رئيس المخابرات القوي إلى التقاعد قبل سنة، كما أزاحت كثيرين من قادة الجيش من مواقع السلطة، وزجت آخرين في محاكماتٍ أدت إلى إدانة بعضهم واعتقالهم. وإذا تأكد بالفعل أن شقيق الرئيس هو من يدير دفة الحكم اليوم في البلاد يصعب تصديق قيامه بانقلاب ضد شقيقه، لأنه بذلك يقوّض شرعيته هو الآخر. وحتى مستشار الرئيس، ورئيس ديوانه، أحمد أويحي، الذي تتحدث عنه وسائل إعلام جزائرية بأنه الرجل المحتمل لخلافة بوتفليقة، يصعب عليه تدبير انقلاب أبيض على رئيسه الذي تجمعه بشقيقه مصالح اقتصادية، إلا بتوافقٍ مع شقيق الرئيس، لكن مثل هذا الانقلاب لا بد له من تغطيةٍ شرعية، وكلا الرجلين يفتقدانها. لذلك يحتميان اليوم بشرعية الرئيس المريض.
ظلت الجزائر منذ استقلالها تُحكم دائماً من خلف ستار، يديرها تحالف الجيش والمخابرات.
لكن، يبدو أن هناك اليوم من يسعى إلى إضعاف هذا التحالف، وما الإقالات والاستقالات والمحاكمات التي يتعرّض لها كبار رموز النظام سوى انعكاس للحرب الطاحنة في الخفاء حول السلطة، والتي لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه، فالصراع حول السلطة الذي خرج إلى العلن أضعف جهاز المخابرات الذي كان يهابه الجزائريون، ومسّ هيبة الجيش الذي زجّ كبار جنرالاته في السجن، ولم تسلم من تداعيات هذا الصراع حتى شرعية النظام السياسي المتواضعة التي تتآكل في الشارع، يوما بعد يوم.
وإذا ما استحضرنا الواقع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه الجزائر، بسبب تراجع عائداتها من إيرادات بيع النفط والغاز اللذين تراجعت أسعارهما عالمياً، وبروز بعض النعرات المذهبية والإثنية واللغوية في أكثر من بؤرة في البلاد، وتفشّي الفساد وارتفاع معدلات البطالة، يصبح المستقبل صعباً في ظل وجود نظام سياسي ضعيف، تنخره من الداخل الصراعات بين أجنحته حول النفوذ.
وأمام مثل هذه الحالة، فإن رد الفعل المتوقع من السلطة تجاه كل اضطراباتٍ متوقعةٍ سيكون مزيداً من استعمال العنف، كما حدث ويحدث كل يوم في الجزائر، لتجنب احتمال قيام انتفاضات اجتماعية. لكن، إلى متى ستنجح السلطة في ضبط حكم البلاد بيدٍ من حديد، لأن قوة الضغط قد تؤدي إلى الانفجار، في حالة ما لم تسارع إلى إحداث نوعٍ من الانفراج، وهو أمر مستبعد حالياً، لأن من يحكمون البلاد من وراء ستار منهمكون في حروبهم فيما بينهم، تاركين بلدهم لمصيرها المجهول.
هكذا نقرأ اليوم عن استقالة الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، عمار سعداني، من منصبه، لأسبابٍ، تقول الرواية الرسمية إنها صحية. فالرجل يبلغ 82 عاماً، وحتى قبل ثلاث سنوات، عندما تولى هذا المنصب كان يوصف بأنه رجل النظام القوي الذي أطاح رئيس جهاز المخابرات في بلاده الذي كان يوصف بـ"صانع الرؤساء".
المفارقة أن رئيس سعداني الذي استقال، أو أقيل، لأسباب صحيةٍ، ليس سوى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الحزب ورئيس الدولة. وكما يعرف الجميع فالرئيس بوتفليقة البالغ 79 عاماً، ويحكم بلاده منذ 17 عاماً، أقعده المرض منذ ثلاث سنوات، ومع ذلك ما زال يحكم من فوق كرسيه الطبي المتحرّك، وتتحدث البيانات الرسمية التي تصدر، للرد على من يشككون في قدراته الصحية، إنه ماض في حكم بلاده حتى نهاية ولايته الرئاسية عام 2019، على الرغم من مشكلاته الصحية، إثر إصابته بجلطتين دماغيتين في السنوات الأخيرة!
وقبل خبر إقالة سعداني أو استقالته، وردت، قبل سنة، أخبار عن إقالة جنرالاتٍ كبار في المخابرات والجيش واستقالتهم ومحاكمتهم واعتقالهم. ومرة أخرى، لم يعرف الرأي العام الداخلي أو الخارجي ماذا حدث؟ ومن أقال من؟ ومن يحاكم من؟ وحتى الصحافة التي يمكن أن تُخبر الرأي العام بما يحدث في الجزائر، يتم التضييق عليها. وأخيراً، شنت السلطات الجزائرية حربا اقتصادية ضروساً ضد آخر مجموعتين صحفيتين خاصتين في البلاد، "الخبر" و"الوطن"، على الرغم من أن الصحيفتين كانتا مقربتين من بعض دوائر النفوذ داخل السلطة، أما الصحافيون الأجانب فمازالوا يحتاجون إلى إذن رسمي للدخول إلى البلاد، وإذا دخلوا فلا يسمح لهم بالتحرّك بحرية.
وباستثناء أقلية محيطة بالرئيس، في مقدمتهم شقيقه سعيد بوتفليقة، ومستشاره ومدير ديوانه
يختلف الوضع في الجزائر عما كان عليه الأمر في تونس في أواخر عهد بورقيبة، لأن من انقلب آنذاك على الرئيس التونسي هو رئيس جهاز مخابراته القوي، زين العابدين بن علي. أما في الجزائر، فما حدث هو العكس، فقد أرسلت المجموعة المقربة من الرئيس المريض رئيس المخابرات القوي إلى التقاعد قبل سنة، كما أزاحت كثيرين من قادة الجيش من مواقع السلطة، وزجت آخرين في محاكماتٍ أدت إلى إدانة بعضهم واعتقالهم. وإذا تأكد بالفعل أن شقيق الرئيس هو من يدير دفة الحكم اليوم في البلاد يصعب تصديق قيامه بانقلاب ضد شقيقه، لأنه بذلك يقوّض شرعيته هو الآخر. وحتى مستشار الرئيس، ورئيس ديوانه، أحمد أويحي، الذي تتحدث عنه وسائل إعلام جزائرية بأنه الرجل المحتمل لخلافة بوتفليقة، يصعب عليه تدبير انقلاب أبيض على رئيسه الذي تجمعه بشقيقه مصالح اقتصادية، إلا بتوافقٍ مع شقيق الرئيس، لكن مثل هذا الانقلاب لا بد له من تغطيةٍ شرعية، وكلا الرجلين يفتقدانها. لذلك يحتميان اليوم بشرعية الرئيس المريض.
ظلت الجزائر منذ استقلالها تُحكم دائماً من خلف ستار، يديرها تحالف الجيش والمخابرات.
وإذا ما استحضرنا الواقع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه الجزائر، بسبب تراجع عائداتها من إيرادات بيع النفط والغاز اللذين تراجعت أسعارهما عالمياً، وبروز بعض النعرات المذهبية والإثنية واللغوية في أكثر من بؤرة في البلاد، وتفشّي الفساد وارتفاع معدلات البطالة، يصبح المستقبل صعباً في ظل وجود نظام سياسي ضعيف، تنخره من الداخل الصراعات بين أجنحته حول النفوذ.
وأمام مثل هذه الحالة، فإن رد الفعل المتوقع من السلطة تجاه كل اضطراباتٍ متوقعةٍ سيكون مزيداً من استعمال العنف، كما حدث ويحدث كل يوم في الجزائر، لتجنب احتمال قيام انتفاضات اجتماعية. لكن، إلى متى ستنجح السلطة في ضبط حكم البلاد بيدٍ من حديد، لأن قوة الضغط قد تؤدي إلى الانفجار، في حالة ما لم تسارع إلى إحداث نوعٍ من الانفراج، وهو أمر مستبعد حالياً، لأن من يحكمون البلاد من وراء ستار منهمكون في حروبهم فيما بينهم، تاركين بلدهم لمصيرها المجهول.