16 نوفمبر 2024
مارين لوبان في لبنان
غداً الأحد، يفترض أن تكون مرشحة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف في فرنسا، مارين لوبان، قد بدأت زيارة ليومين إلى لبنان، في سياق حملتها الانتخابية قبل حلول موعد الانتخابات في 23 إبريل/ نيسان و7 مايو/ أيار المقبلين. لن تكون الزيارة الأولى لمرشح رئاسي أو مرشحة رئاسية إلى وطن الأرز، إذ سبقتها زيارة إيمانويل ماكرون، فيما ألغى مرشح اليمين الوسط، فرانسوا فيون، زيارته، بسبب التحقيقات القضائية التي طاولته وزوجته، على خلفية حصول الأخيرة على "وظيفة وهمية".
وقبل زيارة المرشحة التي تفيد استطلاعات الرأي بأنها ستتصدّر الجولة الأولى من الانتخابات على أن تخسر الجولة الثانية حتى الآن، تعالت أصوات داعية إلى منع الزيارة في الأساس. في الواقع، يحقّ لكل من يشعر بأن خطاب لوبان المتطرّف يطاوله العمل على منع زيارتها، بتظاهرةٍ أو عريضةٍ أو أي خطوة قانونية. كما أنه، وخلال الزيارة، يمكن له التظاهر أمام مكان إقامتها أو خلال جولاتها السياسية، وإيصال صوته احتجاجاً على شعاراتها. لكن لوبان ليست "أمراً مهماً". في النهاية قد تخسر في باريس، حسبما ترجح استطلاعات الرأي، وتخرج من الصورة السياسية نهائياً، على اعتبار أن فرصة الوصول إلى الإليزيه لليمين المتطرف هذا العام قد تكون "تاريخية"، ولن تتكرّر بعد خمس سنوات، في ظلّ تشابك الأحداث العالمية، خصوصاً الأوروبية.
يومان وتغادر لوبان لبنان، وقد لا تعود إليه إطلاقاً، لكن أموراً أخرى تبقى هنا تستحقّ أن تشهد اعتراضاً متصاعداً. هناك مثلاً قانون الانتخابات الذي تحوّل نقطة تجاذب بين مختلف القوى السياسية، في ظلّ استسلام القوى المدنية أمام الطبقة الحاكمة. استسلام مفهوم، على اعتبار أن الطبقة نفسها هي من حاربت الرؤى الصحيحة لمعالجة ملف النفايات، لمصلحة الحسابات المصرفية للسياسيين. مفهومٌ أن يُحاكم مدنيون أمام محاكم عسكرية في قضايا تظاهر أو شغب، فيما مجرمون يسرحون ويمرحون من دون محاسبة. مفهومٌ أن يتم تطويق محطة تلفزيونية، كما أُحرقت أخرى قبل سنوات، فقط لأن "أحدهم" قال إنها "انتقدت أحد الرموز". مفهومٌ معالجة ملف الكهرباء والماء والاتصالات والانترنت بشيء من الترقيع، من دون مراقبة أو محاسبة أو تطوير. مفهومٌ أن يبقى السلاح الفردي منتشراً، وعصابات الخطف تزنّر البلاد، والقوانين الدينية أقوى من القوانين المدنية. مفهومٌ أن يبقى التلوّث البيئي أساس الأمراض السرطانية والأوبئة المتفشية. مفهومٌ هذا كله، وهذا ما يحتاج إلى خوض المعارك من أجله، لا إطاحة الجهود كيفما كان، فقط لأن أحدهم مسّته لوبان أو غيرها سلباً بخطابٍ لها، أو لأن "الموجة" تقتضي.
لنفترض أن لوبان قطعت زيارتها إلى لبنان، أو أنها زارته واصطدمت بتظاهراتٍ احتجاجيةٍ عارمة، ماذا سيحصل؟ ستعود إلى بلادها وتواصل حملتها الانتخابية، وكأن شيئاً لم يكن. في النهاية، ليس لبنان منطقة انتخابية فرنسية، يتمّ الاهتمام بها وصيانتها دورياً، طالما أن النمطية، الطائفية بغالبيتها، هي من تحكم أهواء الناخبين الفرنسيين من أصل لبناني. ستعود لوبان إلى بلادها، أما نحن فسنعود إلى واقعنا: النفايات والكهرباء والفساد والعنف الأسري والسلاح المتفلّت والاقتصاد المتدهور والأزمات الاجتماعية والأمراض المزمنة وغيرها.
هناك أمورٌ أهم من مارين لوبان تستوجب القتال من أجلها في لبنان، تبدأ من النظر إلى عيني كل انسان. هناك يأسٌ عارم وإحباطٌ قاتل، لا يمكن الخروج منه في معارك جانبية لا تقدّم ولا تفيد. هناك إنسان ينتظر الخلاص الذي لن يتحقق في تظاهرة رافضة للوبان، بل في سبيل القتال لأجل حياة أفضل في بلادٍ اعتادت تحطيم إنسانها.
لا، مارين لوبان آخر اهتماماتنا، فهي ليست نيزكاً حفرت في منظومة البلاد فساداً وتعديّات على الدستور والقوانين، بل شهب عابر، لا يلحظه أحد. والشهب لا تترك آثاراً، لا سلبية ولا إيجابية.
وقبل زيارة المرشحة التي تفيد استطلاعات الرأي بأنها ستتصدّر الجولة الأولى من الانتخابات على أن تخسر الجولة الثانية حتى الآن، تعالت أصوات داعية إلى منع الزيارة في الأساس. في الواقع، يحقّ لكل من يشعر بأن خطاب لوبان المتطرّف يطاوله العمل على منع زيارتها، بتظاهرةٍ أو عريضةٍ أو أي خطوة قانونية. كما أنه، وخلال الزيارة، يمكن له التظاهر أمام مكان إقامتها أو خلال جولاتها السياسية، وإيصال صوته احتجاجاً على شعاراتها. لكن لوبان ليست "أمراً مهماً". في النهاية قد تخسر في باريس، حسبما ترجح استطلاعات الرأي، وتخرج من الصورة السياسية نهائياً، على اعتبار أن فرصة الوصول إلى الإليزيه لليمين المتطرف هذا العام قد تكون "تاريخية"، ولن تتكرّر بعد خمس سنوات، في ظلّ تشابك الأحداث العالمية، خصوصاً الأوروبية.
يومان وتغادر لوبان لبنان، وقد لا تعود إليه إطلاقاً، لكن أموراً أخرى تبقى هنا تستحقّ أن تشهد اعتراضاً متصاعداً. هناك مثلاً قانون الانتخابات الذي تحوّل نقطة تجاذب بين مختلف القوى السياسية، في ظلّ استسلام القوى المدنية أمام الطبقة الحاكمة. استسلام مفهوم، على اعتبار أن الطبقة نفسها هي من حاربت الرؤى الصحيحة لمعالجة ملف النفايات، لمصلحة الحسابات المصرفية للسياسيين. مفهومٌ أن يُحاكم مدنيون أمام محاكم عسكرية في قضايا تظاهر أو شغب، فيما مجرمون يسرحون ويمرحون من دون محاسبة. مفهومٌ أن يتم تطويق محطة تلفزيونية، كما أُحرقت أخرى قبل سنوات، فقط لأن "أحدهم" قال إنها "انتقدت أحد الرموز". مفهومٌ معالجة ملف الكهرباء والماء والاتصالات والانترنت بشيء من الترقيع، من دون مراقبة أو محاسبة أو تطوير. مفهومٌ أن يبقى السلاح الفردي منتشراً، وعصابات الخطف تزنّر البلاد، والقوانين الدينية أقوى من القوانين المدنية. مفهومٌ أن يبقى التلوّث البيئي أساس الأمراض السرطانية والأوبئة المتفشية. مفهومٌ هذا كله، وهذا ما يحتاج إلى خوض المعارك من أجله، لا إطاحة الجهود كيفما كان، فقط لأن أحدهم مسّته لوبان أو غيرها سلباً بخطابٍ لها، أو لأن "الموجة" تقتضي.
لنفترض أن لوبان قطعت زيارتها إلى لبنان، أو أنها زارته واصطدمت بتظاهراتٍ احتجاجيةٍ عارمة، ماذا سيحصل؟ ستعود إلى بلادها وتواصل حملتها الانتخابية، وكأن شيئاً لم يكن. في النهاية، ليس لبنان منطقة انتخابية فرنسية، يتمّ الاهتمام بها وصيانتها دورياً، طالما أن النمطية، الطائفية بغالبيتها، هي من تحكم أهواء الناخبين الفرنسيين من أصل لبناني. ستعود لوبان إلى بلادها، أما نحن فسنعود إلى واقعنا: النفايات والكهرباء والفساد والعنف الأسري والسلاح المتفلّت والاقتصاد المتدهور والأزمات الاجتماعية والأمراض المزمنة وغيرها.
هناك أمورٌ أهم من مارين لوبان تستوجب القتال من أجلها في لبنان، تبدأ من النظر إلى عيني كل انسان. هناك يأسٌ عارم وإحباطٌ قاتل، لا يمكن الخروج منه في معارك جانبية لا تقدّم ولا تفيد. هناك إنسان ينتظر الخلاص الذي لن يتحقق في تظاهرة رافضة للوبان، بل في سبيل القتال لأجل حياة أفضل في بلادٍ اعتادت تحطيم إنسانها.
لا، مارين لوبان آخر اهتماماتنا، فهي ليست نيزكاً حفرت في منظومة البلاد فساداً وتعديّات على الدستور والقوانين، بل شهب عابر، لا يلحظه أحد. والشهب لا تترك آثاراً، لا سلبية ولا إيجابية.