و"طارات النجف" هي كهوف نادرة على شكل غرف لا يعرف على وجه التحديد من بناها، وهي تتعرض منذ أسابيع إلى عمليات هدم وتجريف بواسطة جرافات عملاقة لتسويتها بالأرض ومن ثم إخراجها من تصنيف المناطق الآثرية كي يتسنى اعتبارها مناطق سكنية وتوزع أراضيها.
وتعرضت الآثار العراقية منذ الاحتلال الأميركي في 2003، إلى جرائم سرقة مبرمجة، واستمر تدمير وسرقة المواقع الآثرية بعد سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على ثلث مساحة العراق، وأكثر المدن التي تضررت هي نينوى.
وقال الباحث الأثري علي النشمي: "ذهبت إلى (طارات النجف)، وشاهدت الدمار الكبير، واليوم اتصل بي عدد من المثقفين بعد أن قامت الجرافات بهدم ما تبقى من الطارات بهدف توزيع هذه الأرض كقطع سكنية". وأضاف "على المسؤولين إيقاف المجزرة، وزير الثقافة ليس له علاقة بالموضوع، ورئيس الوزراء (حيدر العبادي) محاط بمستشارين لا يسمحون بوصول أية معلومة ليس لهم فيها شيء إليه".
وأكد أنه اتصل بمكتب رئيس الوزراء وبعض الوزراء. وتابع "قالوا لي إن العبادي اطلع على الموضوع، واتصلت بمدير الآثار الذي لم يرد. الإخوة في رئاسة الوزراء قالوا سنتصرف، لكن الصور التي وصلتني للبلدوزرات تؤكد أنه لم يحصل شيء. الكل يدعي التصرف ولا يفعل أي شيء، والهدم قائم، ولا أعرف إلى أين أذهب وهذا الإرث الحضاري يهدم أمام عيني، ولم يبق أمامنا إلا أن نواجههم بصدورنا".
وقالت مصادر حكومية وأخرى محلية في النجف، لـ"العربي الجديد"، إن "مافيا عقارات تابعة لأحزاب سياسية تقف وراء افتراس المنطقة الأثرية بعد أقل من عام على تورطها بتجريف بساتين نخيل لتحويلها من أراض زراعية إلى سكنية". وبينت المصادر أن "قيمة المنطقة في موقعها الجغرافي من المدينة ترفع سعرها إلى أرقام فلكية تغري كل الفاسدين والمتنفذين".
وقال مسؤول بمجلس محافظة النجف لـ"العربي الجديد"، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن "المنطقة يفترض بها أن تكون محمية، لكن جهات متنفذة بالمحافظة تعمل اليوم على طمس آثار عمرها 4 آلاف عام. الآثار الإسلامية فقط عليها حماية، وغيرها معرض للنهب، وهذا خلل كبير أصاب العراق منذ الاحتلال الأميركي".
ويقول المختص في آثار العراق قبل الميلاد، حسين علي البهادلي، لـ"العربي الجديد"، إن "منطقة الطارات المطلة على بحر النجف كلها عبارة عن آثار، وتمتد من المنطقة الشرقية لبحر النجف مرورًا بالمعهد الفني جنوبًا وتتجه شمالًا نحو كربلاء".
واستخدمت الكهوف الأثرية الموجودة في المنطقة كمساكن قبل زمن بعيد، كما استخدمها النساك والرهبان للتعبد، حيث يوجد بعض الكنائس والأديرة في منطقة الدكاكين شمال النجف يعود تاريخ بنائها إلى القرن الرابع الميلادي.
وبيّن البهادلي أنّ الطارات "تشكّل إحدى الظواهر الطبيعية لمدينة النجف الأشرف"، معتبرًا أنّ "قيام الجهات الحكومية في النجف بتجريف هذه المواقع الأثرية وبيعها كأراض جريمة بحق تاريخ العراق وحضارته. يمكن استغلال هذه المواقع للجذب السياحي، ولكن البلد بات في مرحلة خطرة من استهداف حضارته وتاريخه من قبل بعض الساسة والمتنفذين".