خطا أول المتأهلين في انتخابات الرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون خطوة كبيرة نحو الفوز في الجولة الثانية المقرّرة في 7 مايو/أيار المقبل، وسط دعم محلي كبير، ليتنافس مع زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبان، والتي حصلت بدورها على المرتبة الثانية.
وفي سباق متقارب بدرجة تعذّر معها حتى اللحظة الأخيرة التكهّن بنتيجته، قالت وزارة الداخلية الفرنسية، اليوم الإثنين، بعد فرز 96% من الأصوات إنّ ماكرون (39 عاماً)، وهو وزير اقتصاد ومصرفي سابق مؤيد للاتحاد الأوروبي وأسس حزبه قبل عام واحد فقط، حصل على 23.9% من الأصوات، مقابل 21.4% لصالح لوبان (48 عاماً).
وأظهرت الأرقام، أنّ المرشح المحافظ فرانسوا فيون حصل على 19.96% من الأصوات ليحتل المرتبة الثالثة، في حين حصل المرشح اليساري جان لوك ميلانشون على 19.49 %، في المرتبة الرابعة.
وبعد لحظات من إعلان التوقعات الأولى، احتشد أنصار ماكرون عند مركز باريس للمؤتمرات ورددوا النشيد الوطني. وكان كثيرون دون سن 25 عاماً مما يعكس جانباً من التأييد لرجل يهدف إلى أن يصبح أصغر رئيس لفرنسا منذ عهد نابليون.
وتمثّل نتيجة انتخابات، يوم الأحد، هزيمة ثقيلة ليمين الوسط وليسار الوسط اللذين سيطرا على الساحة السياسية الفرنسية لنحو 60 عاماً. وهي المرة الأولى منذ 1958 التي يغيب فيها اليمين عن الدورة الثانية في فرنسا، والمرة الأولى التي لا يعبر فيها مرشحا الحزبين الكبيرين اللذين هيمنا على الانتخابات منذ نحو نصف قرن، إلى الدورة الثانية الحاسمة، بعد أن أسقط الناخبون مرشح الحزب الجمهوري (يمين) فرنسوا فيون، ومرشح الحزب الاشتراكي بونوا هامون.
كما أنّ النتيجة تقلّل من احتمال حدوث صدمة على نطاق ما حدث بعد تصويت بريطانيا، في يونيو/ حزيران الماضي، على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
وفي خطاب النصر، قال ماكرون لأنصاره "غيّرنا في سنة واحدة وجه السياسة الفرنسية". ومضى يقول إنّه سيأتي بوجوه جديدة لتغيير النظام السياسي القديم إذا اختاره الناخبون.
ودعت معظم الأوساط السياسية يساراً ويميناً إلى "قطع الطريق" أمام اليمين المتطرف، إذ حثّ المرشحان المحافظ والاشتراكي أنصارهما، على حشد طاقاتهم لدعم ماكرون، والتصدّي في الجولة الثانية لأي فرصة لفوز لوبان التي يقولان إنّ سياساتها المناهضة للهجرة ولأوروبا تمثّل "كارثة" على فرنسا.
واعتبر مرشح اليمين فرنسوا فيون، أنّ "ما من خيار سوى التصويت ضدّ اليمين المتطرف" الذي سيجلب كما قال "الانقسام" و"الفوضى". ووصف الاشتراكي بونوا هامون الذي حصل على 6.8 بالمئة من الأصوات، النتيجة التي حصل عليها بـ"العقاب التاريخي" لحزبه، لكنّه أضاف أنّ "اليسار لم يمت"، داعياً إلى "هزم الجبهة الوطنية بأشدّ ما يمكن" وإلى التصويت لماكرون.
واتصل الرئيس الاشتراكي المنتهية ولايته فرنسوا هولاند بماكرون لتهنئته، وقال مقرّب من هولاند رداً على سؤال عمّن سينتخب الرئيس في الدورة الثانية "يمكنكم أن تخمنوا خياره بين أحد وزرائه السابقين الذي عمل معه وممثلة اليمين المتطرف".
واستقال ماكرون في أغسطس/آب 2016، من منصب وزير الاقتصاد ليؤسّس حركة "إلى الأمام" التي قدّمت باعتبارها حركة "لا يمين ولا يسار".
وعلى الرغم من أنّ ماكرون حديث عهد نسبياً على الساحة السياسية، ولم يتقلّد مطلقاً منصباً عن طريق الانتخابات، توقعت استطلاعات الرأي فوزه في الجولة الثانية بسهولة أمام لوبان.
وأفاد معهد "إيبسوس سوبرا ستيريا"، أنّ ماكرون سيحصل على 62% من الأصوات، في مقابل 38% للوبان، بينما أورد معهد "هاريس إنترأكتيف" أنّ الفارق سيكون أكبر مع 64% من الأصوات لماكرون و36% للوبان.
ولقي فوز ماكرون في الجولة الأولى ترحيباً من خارج فرنسا أيضاً، إذ أبدى وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال، أمس الأحد سروره بالنتيجة، وقال إنّه "واثق" من فوزه برئاسة فرنسا.
وتمنّى شتيفن سايبرت، المتحدّث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "حظاً سعيداً" لماكرون، قائلاً في تغريدة على "تويتر"، إنّه "من الجيد أنّ إيمانويل ماكرون حقق نجاحاً مع موقفه من أجل اتحاد أوروبي قوي واقتصاد اشتراكي".
— Steffen Seibert (@RegSprecher) April 23, 2017 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
كما هنّأ رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر مرشح الوسط الفرنسي. وأشاد يونكر بـ"النتيجة التي حققّها" ماكرون، وتمنّى له "التوفيق لاحقاً" في الدورة الثانية.
ومع تنفس المستثمرين الصعداء بعد ما اعتبره السوق أفضل نتيجة ممكنة، صعد اليورو نحو اثنين بالمئة إلى 1.09395 دولار عند فتح الأسواق في آسيا، قبل أن يتراجع مرة أخرى إلى 1.0886 دولار. وكان هذا أعلى مستوى لليورو، منذ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد يوم من نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية.
وإذا فاز ماكرون فإنّ أكبر التحديات التي سيواجهها ستكون عندما يحاول تأمين أغلبية برلمانية لحزبه الشاب، في يونيو/ حزيران، ثم عندما يسعى لحشد الدعم الشعبي لإصلاحات عمالية من المؤكد أنها ستلاقي مقاومة.
وقال ماكرون لأنصاره وهو يضع نصب عينيه سياسات لوبان "أريد أن أكون رئيساً للوطنيين ضدّ تهديد القوميين". وفي مواجهة المعركة المقبلة، أعلن ماكرون أنّه سيسعى إلى كسر نظام "غير قادر على الاستجابة لمشكلات بلادنا منذ أكثر من 30 عاماً".
وقال ماكرون "من اليوم أريد أن أصنع أغلبية لحكومة ولتحول جديد. سيتألف من وجوه جديدة وموهبة جديدة يمكن لكل رجل وامرأة أن يجد لنفسه مكاناً فيها".
من جهتها، تسير لوبان، التي تحاول أن تصنع التاريخ كأول امرأة تتولى رئاسة فرنسا، على خطى والدها الذي أسس "الجبهة الوطنية" ووصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2002.
ومني جان ماري لوبان بالهزيمة في نهاية المطاف عندما احتشد الناخبون من اليمين واليسار حول المرشح المحافظ جاك شيراك من أجل استبعاد حزب اعتبروا أفكاره اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين غير ملائمة.
وأشادت لوبان من جهتها بالنتائج "التاريخية" للدورة الأولى. وأضافت "تم تجاوز المرحلة الأولى التي توصل الفرنسيين إلى الإليزيه. هذه النتيجة تاريخية"، معتبرة أنّ الدورة الثانية المقررة في 7 مايو/ أيار ستدفع الفرنسيين إلى الاختيار بين "العولمة المتوحشة" المتجسّدة بخصمها ماكرون، و"البديل الأكبر"، بحسب وصفها.
وناهزت نسبة المشاركة، أمس الأحد، 80 %، ما شكل إحدى أفضل نسب المشاركة منذ 40 عاماً، بحسب وزارة الداخلية الفرنسية.
وشكّل مستوى التعبئة بين الناخبين البالغ عددهم 47 مليوناً، عنصراً أساسياً في هذه الانتخابات، في وقت كان ربعهم لا يزال متردداً في حسم خياره حتى الأيام الأخيرة.
وجرت الدورة الأولى من الانتخابات، بعد ثلاثة أيام من اعتداء في جادة الشانزيليزيه، تبنّاه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وأدى إلى مقتل شرطي.
وفي شوارع باريس، وقعت مواجهات بين مئات المتظاهرين الذين قدّموا أنفسهم على أنّهم "مناهضون للفاشية" والشرطة التي تعرّضت للرشق بالزجاجات والمفرقعات من جانب شبان ارتدى بعضهم ملابس سوداء، وكانوا ملثمين.
وأشارت الشرطة، بحسب "فرانس برس"، إلى توقيف ثلاثة أشخاص، بينما تحدّثت فرق الإطفاء عن إصابة ثلاثة أشخاص بجروح. وقال أحد منشطي التظاهرة، عبر مكبر للصوت، في إحدى ساحات شرق باريس، إنّ التظاهرة هي "ضدّ لوبن وضدّ ماكرون". وتمّ إحراق خمس سيارات في الدائرة العشرين من العاصمة، بحسب الشرطة.