وفي أولى انعكاسات إعلان ماي، قدم وزير الدولة لشؤون ويلز نايل أدامز، صباح اليوم الأربعاء، استقالته من حكومتها، معتبراً خطة رئيسة الوزراء بالسعي إلى تسوية لـ"بريكست" بالتعاون مع زعيم "العمال" جيريمي كوربن "خطأ فادحاً"، مع ترجيح احتمال أن تكر سبحة الاستقالات "المحافظة".
وقال أدامز، في بيان استقالته، متوجهاً لماي، إنه "اتفقت وغيري مع موقفك السابق بأن عدم الاتفاق أفضل من صفقة سيئة. ولكن يبدو الآن أنك وحكومتك قد قررتم أن صفقة يتم العمل عليها مع ماركسي لم يضع مرة في حياته السياسية المصلحة البريطانية أولاً، هي أفضل من عدم الاتفاق. أختلف جداً مع هذه المقاربة، ولذلك أتقدم باستقالتي مع الأسف".
وكان زعيم الكتلة المحافظة المتشددة في البرلمان البريطاني، جاكوب ريس موغ، قد انتقد رئيسة الوزراء، مساء أمس، مستخدماً الوصف ذاته، "ماركسي معروف"، للإشارة إلى كوربن، محذراً من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى خسارة المحافظين لأصوات الناخبين.
ومن المتوقع أن تلتقي ماي مع كوربن، اليوم، بعدما تقدمت، أمس، بعرض الدخول في محادثات مع زعيم "العمال" لإيجاد حلّ لانسداد أفق "بريكست" الحالي، وذلك في انعطافة هامة في سياستها قد تؤدي، إن نجحت، أي تمّ التوافق مع المعارضة، للوصول إلى "بريكست" مخفف، يشمل اتفاقاً على اتحاد جمركي مع أوروبا، مقابل دعم اتفاقها لـ"بريكست"، وهو ما قد يتبعه استفتاء شعبي على التسوية المقترحة.
أما في حال المفاوضات بين المحافظين و"العمال"، فتعهدت ماي بمنح البرلمان حق اختيار الخطوة التالية في تصويت ملزم على الخيارات البديلة. وتأمل ماي بأن تتم هذه الخطوات قبل موعد القمة الأوروبية الطارئة في 10 إبريل/ نيسان، وأن تخرج بريطانيا في 22 مايو/ أيار، من دون خوض انتخابات البرلمان الأوروبي.
انعطافة ماي
وبعد اجتماع وزاري أمس، استمر لسبع ساعات، وشابه التوتر والخلافات، وفقاً للتسريبات التي تناقلتها الصحافة البريطانية، خرجت ماي ببيان مقتضب تحدد فيه خطوات حكومتها التالية، والتي سيكون على رأسها طلب تمديد جديد لموعد "بريكست". وسرعان ما تجاوب كوربن إيجاباً مع عرض ماي، وينتظر أن يجتمعا بعد ظهر اليوم.
ولكن بالرغم من التفاؤل بالتحول في موقف رئيسة الوزراء، تصعب رؤية التوافق بينها وبين كوربن نظراً لتباعد موقفيهما حول "بريكست".
ويطالب حزب "العمال" بأن يشمل اتفاق "بريكست" تعهداً باتفاق جمركي مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما كانت ماي قد اعتبرته خطاً أحمر مراراً وتكراراً. كما تريد ماي الحصول على أصوات نواب "العمال" لدعم اتفاقها في البرلمان، وهو ما كان مشروطاً مسبقاً من قبل كوربن بأن يتبعه استفتاء شعبي على اتفاقها، يكون الخيار الثاني فيه البقاء في الاتحاد الأوروبي.
بدائل الفشل
وفي حال فشلهما في التوصل إلى تسوية، سيعود البرلمان ليصوت من جديد على خيارات بديلة، وهو ما فشل في تحقيقه مرتين حتى الآن، وذلك رغم ظهور بدائل قوية، مثل الاتحاد الجمركي، والذي هزم بفارق ثلاثة أصوات فقط يوم الإثنين الماضي. وربما كان صعود نجم هذا الخيار هو الذي دفع ماي للتسوية مع كوربن، حيث إنه في حال انخرطت الحكومة بشكل جدي في التصويت قد يبرز خيار بديل يحظى بدعم الأغلبية البرلمانية.
وأدى انحياز ماي النهائي ضد "بريكست" من دون اتفاق، إلى فورة غضب بين متشددي حزبها المؤيدين لـ"بريكست" مشدد، والمعارضين لأي تمديد لموعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبينما لم تصدر أيّ تصريحات من الوزراء المؤيدين للخروج من الاتحاد من دون اتفاق، والذين قالت الصحافة البريطانية إن عددهم كان 14 في اجتماع أمس الوزاري، فإن سيناريو مماثلاً لـ"خطة تشيكرز" قد يكون في الانتظار.
وكان معارضو "خطة تشيكرز"، والتي تشكل أساس اتفاق "بريكست" الحالي، قد انتظروا بضعة أيام بعد اجتماع حكومي مطول منتصف يوليو/ تموز 2018، ليتقدموا بسلسلة من الاستقالات من الحكومة، كان أهمها استقالتا بوريس جونسون وديفيد ديفيس. ويرشح أن تكون الأسماء المستقيلة التالية وزيرة التنمية الدولية بيني موردونت ووزير المواصلات كريس غريلنغ.
ويبدو أن تطوراً آخر مساء قد دفع ماي لطلب التسوية مع كوربن، يتعلق بقدرة حزب المحافظين على خوض انتخابات جديدة. فقد شمل الاجتماع الوزاري إطلاع الحكومة على عدم وجود التمويل الكافي لدى الحزب الحاكم لخوض انتخابات عامة، وعدم استعداد المانحين لتمويل الحزب في حالته المشتتة الحالية. وما زاد من تعقيد الأمر، تقدم العمال على المحافظين في استطلاعات الرأي الأخيرة.
من جهته، يجتمع البرلمان البريطاني مجدداً، مساء اليوم، للتصويت على مشروع قانون تقدمت به النائبة عن حزب العمال، إيفيت كوبر، ويفرض على الحكومة تجنب الانسحاب من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. ويطلب مشروع القانون الطارئ تمديد موعد "بريكست" لضمان عدم حصول بريكست من دون اتفاق، وينتظر في حال إقراره في مجلس العموم (الغرفة الدنيا في البرلمان) أن يتجه إلى مجلس اللوردات (الغرفة العليا)، يوم الجمعة، أو الإثنين، ليتم إقراره.
أوروبياً، دعت ألمانيا وفرنسا إلى مزيد من الوضوح من جانب بريطانيا، محذرتين من أنه دون وضوح بشأن ما تريده بريطانيا، فإنها قد تجد نفسها متجهة صوب خروج غير منظم، فيما نصح رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك بالتحلي بالصبر مع لندن.