09 يونيو 2017
ما الإسلام السياسي؟
شاع استخدام مصطلح الإسلام السياسي، باعتباره يعني الجماعات الإسلامية السياسية التي تعمل لأجل تطبيق الشريعة الإسلامية، والمفاهيم والأحكام الإسلامية، من خلال المشاركة السياسية السلمية و/ أو الديمقراطية، لكنه اسم يحتمل تسمياتٍ أخرى كثيرة غير ذلك؛ إذ إنه يعني التطبيق والمفهوم السياسي للإسلام، ويشمل هذا التعريف الأنظمة السياسية العربية والإسلامية القائمة، والتي تطبق الشريعة الإسلامية، أو تقوم بدور ديني سياسي، كما يشمل أيضاً جماعات إسلامية متطرّفة، سواء كانت سلميةً أو تستخدم العنف، لأنها أيضاً جماعات لديها برامج وتصورات لتطبيق الإسلام وفهمه سياسياً. وقد أدى هذا الغموض والشمول في معنى المصطلح إلى لبس وتباينٍ في التعامل مع "الإسلام السياسي"، فبعض الحكومات والدراسات تضع الجماعات الإسلامية جميعها في سلةٍ واحدة، السلمية منها والمسلحة والمعتدلة والمتطرّفة، وبعضها الآخر يضيف إليها دولاً عربية وإسلامية تؤمن بالمفاهيم والمبادئ التي تعتنقها الجماعات الإسلامية السياسية، وقد سمح هذا اللبس والغموض بعدم وضوح المواقف السياسية والدبلوماسية من الإسلام السياسي، وجعل الحكومات تتعامل مع الجماعات والمفاهيم الإسلامية حسب الدول والمناطق والمواقف السياسية والأيديولوجية، من دون معيار واضح أو محدّد لتقييم الظاهرة ومراجعتها.
وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية تعلن غالباً عن تقييمها الجماعات والأنظمة السياسية على أساس إيمانها والتزامها بالديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الليبرالية التي تؤمن بها الدول والمجتمعات الغربية، فإنها كانت تؤيد أو تعارض أو تغضّ الطرف، حسب المصالح والظروف التي تقدّرها.
وفي المقابل، ليست الجماعات السياسية الإسلامية، وكذلك الأنظمة السياسية العربية والإسلامية،
متشابهة في فلسفتها وموقفها من تطبيق الشريعة الإسلامية وفهمها، بل إن الجماعة الواحدة أو الدولة الواحدة تقدّم رسائل ومواقف متباينة، ففي حين تحارب بعض الأنظمة السياسية الجماعات الإسلامية بقسوة، فإنها تطبق أنظمةً وأفكاراً دينية، لا تختلف عما تؤمن به وتدعو إليه هذه الجماعات!
وبالطبع، تشكل جماعة الإخوان المسلمين المساحة الكبرى في ظاهرة الإسلام السياسي، كما تشكل لغزاً مربكاً للباحثين والمتابعين، كما الأنظمة السياسية العربية والعالمية، فالجماعة تبدي طيفاً واسعاً من الأفكار والمبادئ في داخل القطر الواحد، ومن قطرٍ إلى آخر، وإن كانت تجمعها أيديولوجية واحدة، هي التطبيق السياسي للإسلام. لكن، يبدو أن ثمّة اختلافاً واسعاً في مستوى هذا الفهم والتطبيق وطبيعتهما، ففي حين يبدي حزب النهضة التونسي قبولاً بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ويلتزم بفصل الدعوي عن السياسي، وبمبادئ وقيم ليبرالية وديمقراطية، لا تختلف عن القيم الديمقراطية الغربية، فإن الجماعة في مصر والأردن تبدو أكثر تحفظاً وتعصباً، ويشكل حزب العدالة والتنمية المغربي نموذجا آخر للمتدينين الديمقراطيين المحافظين، ضمن المنظومة السياسية والثقافية والدينية المتبعة في النظام السياسي المغربي، وأما حزب العدالة والتنمية في تركيا فيمكن اعتباره علمانياً محافظاً.
وعلى الرغم من التزام جماعة الإخوان المسلمين في الشرق العربي بالعمل السلمي والديمقراطي، ما زالت كتب سيد قطب وأفكاره سائدة وملهمة للجماعة، وهي مناقضة للديمقراطية، كما أنها الأفكار والمبادئ نفسها الملهمة للجماعات المتطرّفة والمسلحة.
لا تسمي الجماعات الإسلامية جميعها نفسها "الإسلام السياسي"، ولا تفضّل هذه التسمية، وتفضل كل جماعةٍ اسمها الخاص بها، وهي تسمياتٌ وإن كان يجمع بينها "الإسلامية"، فإنها تعكس مفاهيم متعدّدة وغامضة، لتعريف الذات ووعيها، فإنه أيضا وعي غامض ومتناقض، ويعكس عجز الجماعات عن تقديم رؤيةٍ واضحةٍ متفق عليها، كما يعكس أيضا صعوبة، إن لم يكن استحالة، تقديم تسمية واضحة ومتفق عليها، تعكس ما تسميه بوضوح ودقة، ذلك أنه وببساطة تتعدّد قراءات وفهم النصوص الدينية في خريطةٍ لا نهائية، حسب الحالة الحضارية والاجتماعية والثقافية السائدة على المستويين، الجمعي والفردي، أيضا.
لكن، وعلى الرغم من هذا الغموض في الأفكار الإسلامية، أظهرت الأحداث في الشرق الأوسط أخيراً (الربيع العربي) قوة الأفكار وقدرتها على عبور الحدود الوطنية، والتأثير على الأفراد
والدول والمجتمعات، وإن كان من عقدٍ اجتماعيٍّ يصلح مخرجاً للأزمات والصراعات القائمة، فهو "التديّن بدلاً من الأسلمة"، بمعنى أن يكون الدين ملهماً للقيم والمبادئ والسياسات على نحو فردي و/ أو اجتماعي، في حين تخضع السياسة والتشريعات للعقلانية الاجتماعية والأخلاقية معبراً عنها باجتهاد الناس، حسب الانتخابات التشريعية والعامة، من دون ادّعاءٍ بالصواب الديني أو السياسي، بل وفي التزام سياسي وثقافي باحتمالية الخطأ، ما يعني، بالضرورة، أنه ليس ممكناً في الديمقراطية والحكم والسياسة اجتراح حلول ومبادئ وقراراتٍ تمثل الحق الذي لا يأتيه الباطل!
يؤكّد إسلاميون سياسيون كثيرون تمسّكهم بالديمقراطية، لكن كثيرين في الغرب والشرق ينظرون إلى مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية أنها خطيرة وغير ديمقراطية. وشهدت دول الشرق الأوسط نماذج كثيرة من مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية، كما في تركيا والجزائر وفلسطين وتونس ومصر والمغرب والعراق والأردن وليبيا، وقد انتقدت جماعات إسلامية متطرّفة مشاركة الإخوان المسلمين في الانتخابات باعتبارها مشاركةً في ظل راية علمانية! وتؤكد أحزابٌ إسلامية على التزامها بالانتخاب والتصويت في قراراتها واختياراتها الداخلية، لكنها مشاركاتٌ والتزاماتٌ لم تعالج الغموض والخوف من الاستبداد والصراع أو الاعتداء على الحريات الشخصية والاجتماعية، كما الحريات السياسية والديمقراطية. ولا يمكن بالطبع إعفاء الأنظمة السياسية العربية والإسلامية من اللوم والمسؤولية عن بناء (وتعزيز) عقد اجتماعي، يمثل إجماعا سياسياً وثقافياً للناس، ولا يمكن أيضاً تجاهل أن الفشل التنموي والاقتصادي يقود إلى الصراع والتطرّف! فمشكلة الديمقراطية في الشرق الأوسط أن الفائز يستحوذ على كل شيء، وهذا يشمل الإسلاميين وغيرهم.
وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية تعلن غالباً عن تقييمها الجماعات والأنظمة السياسية على أساس إيمانها والتزامها بالديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الليبرالية التي تؤمن بها الدول والمجتمعات الغربية، فإنها كانت تؤيد أو تعارض أو تغضّ الطرف، حسب المصالح والظروف التي تقدّرها.
وفي المقابل، ليست الجماعات السياسية الإسلامية، وكذلك الأنظمة السياسية العربية والإسلامية،
وبالطبع، تشكل جماعة الإخوان المسلمين المساحة الكبرى في ظاهرة الإسلام السياسي، كما تشكل لغزاً مربكاً للباحثين والمتابعين، كما الأنظمة السياسية العربية والعالمية، فالجماعة تبدي طيفاً واسعاً من الأفكار والمبادئ في داخل القطر الواحد، ومن قطرٍ إلى آخر، وإن كانت تجمعها أيديولوجية واحدة، هي التطبيق السياسي للإسلام. لكن، يبدو أن ثمّة اختلافاً واسعاً في مستوى هذا الفهم والتطبيق وطبيعتهما، ففي حين يبدي حزب النهضة التونسي قبولاً بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ويلتزم بفصل الدعوي عن السياسي، وبمبادئ وقيم ليبرالية وديمقراطية، لا تختلف عن القيم الديمقراطية الغربية، فإن الجماعة في مصر والأردن تبدو أكثر تحفظاً وتعصباً، ويشكل حزب العدالة والتنمية المغربي نموذجا آخر للمتدينين الديمقراطيين المحافظين، ضمن المنظومة السياسية والثقافية والدينية المتبعة في النظام السياسي المغربي، وأما حزب العدالة والتنمية في تركيا فيمكن اعتباره علمانياً محافظاً.
وعلى الرغم من التزام جماعة الإخوان المسلمين في الشرق العربي بالعمل السلمي والديمقراطي، ما زالت كتب سيد قطب وأفكاره سائدة وملهمة للجماعة، وهي مناقضة للديمقراطية، كما أنها الأفكار والمبادئ نفسها الملهمة للجماعات المتطرّفة والمسلحة.
لا تسمي الجماعات الإسلامية جميعها نفسها "الإسلام السياسي"، ولا تفضّل هذه التسمية، وتفضل كل جماعةٍ اسمها الخاص بها، وهي تسمياتٌ وإن كان يجمع بينها "الإسلامية"، فإنها تعكس مفاهيم متعدّدة وغامضة، لتعريف الذات ووعيها، فإنه أيضا وعي غامض ومتناقض، ويعكس عجز الجماعات عن تقديم رؤيةٍ واضحةٍ متفق عليها، كما يعكس أيضا صعوبة، إن لم يكن استحالة، تقديم تسمية واضحة ومتفق عليها، تعكس ما تسميه بوضوح ودقة، ذلك أنه وببساطة تتعدّد قراءات وفهم النصوص الدينية في خريطةٍ لا نهائية، حسب الحالة الحضارية والاجتماعية والثقافية السائدة على المستويين، الجمعي والفردي، أيضا.
لكن، وعلى الرغم من هذا الغموض في الأفكار الإسلامية، أظهرت الأحداث في الشرق الأوسط أخيراً (الربيع العربي) قوة الأفكار وقدرتها على عبور الحدود الوطنية، والتأثير على الأفراد
يؤكّد إسلاميون سياسيون كثيرون تمسّكهم بالديمقراطية، لكن كثيرين في الغرب والشرق ينظرون إلى مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية أنها خطيرة وغير ديمقراطية. وشهدت دول الشرق الأوسط نماذج كثيرة من مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية، كما في تركيا والجزائر وفلسطين وتونس ومصر والمغرب والعراق والأردن وليبيا، وقد انتقدت جماعات إسلامية متطرّفة مشاركة الإخوان المسلمين في الانتخابات باعتبارها مشاركةً في ظل راية علمانية! وتؤكد أحزابٌ إسلامية على التزامها بالانتخاب والتصويت في قراراتها واختياراتها الداخلية، لكنها مشاركاتٌ والتزاماتٌ لم تعالج الغموض والخوف من الاستبداد والصراع أو الاعتداء على الحريات الشخصية والاجتماعية، كما الحريات السياسية والديمقراطية. ولا يمكن بالطبع إعفاء الأنظمة السياسية العربية والإسلامية من اللوم والمسؤولية عن بناء (وتعزيز) عقد اجتماعي، يمثل إجماعا سياسياً وثقافياً للناس، ولا يمكن أيضاً تجاهل أن الفشل التنموي والاقتصادي يقود إلى الصراع والتطرّف! فمشكلة الديمقراطية في الشرق الأوسط أن الفائز يستحوذ على كل شيء، وهذا يشمل الإسلاميين وغيرهم.