مطالب مشروعة خرج من أجلها مئات المواطنين في مختلف مدن ليبيا ومن بينها العاصمة طرابلس، مقابل وعود خجولة أطلقها رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، في محاولة لتطويق الغضب الشعبي. وعلى الرغم من ذلك يبدو أن المواطن بات في حيرة كبيرة، يرضى بالوضع الراهن أو يواجه المجهول؟
منذ اللحظات الأولى لانطلاق التظاهرات التي نظّمها العشرات من المواطنين، مساء الأحد الماضي، خصصت وسائل إعلام موالية لخليفة حفتر مذيعيها وساعات نشراتها الطويلة لتغطية التظاهرات بانتقائية مريبة، واقتطاعات لفيديوهات، لا مصدر لها سوى صفحات التواصل الاجتماعي، بعضها مفبرك وقديم، إضافة لنقل أنباء عن مصادر مجهولة، لا تفصح عن هويتها تلك الفضائيات والمواقع، تتحدث عن وقوع عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين برصاص "مليشيات السراج". وكان من نافل القول الانتباه لتلك التوصيفات من مثل "المليشيات الإرهابية"، و"أنصار الغزو التركي"، وغيرها التي تشير إلى مآرب لإثارة الفوضى، خصوصاً أن أصواتاً ظهرت بالفعل في اليوم الثالث للتظاهرات تنادي بـ"جيش حفتر"، وأخرى ذهبت إلى أبعد من ذلك بالمناداة بـ"إسقاط المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة". ولكن ما البديل؟
لم يعد خفياً سوء إدارة السراج وفريقه الحكومي للأوضاع في البلاد، وتردي الأوضاع المعيشية لدرجة انقطاع مياه الشرب عن طرابلس التي يقطنها ثلث سكان ليبيا منذ ثلاثة أشهر، علاوة على انقطاع الكهرباء وغلاء الأسعار وغياب السيولة، لكن السؤال ما البديل فيما الخطر لا يزال يحدق بالبلاد؟ فقبل أشهر قليلة تمكن مقاتلو "بركان الغضب" من إفشال مشروع عسكرة الدولة وطرد حفتر ومليشياته التي كانت تقتل العشرات كل أسبوع. ما يزال حفتر متحفزاً عسكرياً، وله أنصار غرب البلاد لم تشفَ جروح الهزيمة فيهم بعد، وما يزال عقيلة صالح يطير من عاصمة لأخرى لإقناع النافذين الدوليين في الملف الليبي بضرورة إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وحصوله على حصة كبيرة فيه، وأنه لا بديل عن "الجيش".
في المقابل، لا يزال وجود السراج في واجهة المشهد السياسي الضامن الوحيد لعدم انجراف البلاد إلى المجهول، خصوصاً أن قوات "بركان الغضب" بحال رحيله لن تجد لها قيادة يمكن أن تنظّم سلاحها، فيما أنصار حفتر سيجدون في الفراغ والفوضى دافعاً لإقناع الأطراف الكبرى بضرورة ملئه الفراغ إلى حين إجراء انتخابات عامة، لن تصل لها البلاد في ظل حكم العسكر.