ما الذي يجعل مكانة نتنياهو مُستحكمة؟
يتبيّن من قائمة "الـ100 شخصية ومؤسسة المؤثرة في إسرائيل 2020"، التي نشرتها مجلة "ذي ماركر" الاقتصادية الشهرية (من مجموعة صحيفة هآرتس) في سبتمبر/ أيلول الحالي، أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ما زال مُتصدّرًا لها من دون منافس، ما يعني، في قراءتها، أن نهاية عهده، المستمر منذ أكثر من عقد، لا تلوح، على الأقل في الأفق المنظور. وكادت أن تجزم أنه حتى في حال ظهور بوادر ترجّح تلك النهاية آجلًا، فهي لن تعني وضع حدّ لحُكم اليمين في دولة الاحتلال.
تنبغي الإشارة في هذا الشأن إلى أن التعويل على إمكان وجود بوادر كهذه ينطلق، في الوقت الحالي، من الرهان على تداعيات الأزمة الاقتصادية الحادّة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، وما تسببت به من ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل، وازدياد نسبة العجز في الميزانية العامة، وعلى نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، وما إذا ستسفر عن إطاحة الرئيس دونالد ترامب الذي يعتبر أحد عوامل تعاظم مكانة نتنياهو.
وحاولت المجلة، بواسطة كبار معلقيها، الغوص في الأسباب وراء الواقع الناشئ، فخلصت إلى مجموعة عوامل، يبدو، من دون خشية الوقوع في المبالغة، أن أبرزها ليس فقط ما يحظى به نتنياهو من مشروعية في أوساط الرأي العام الإسرائيلي، بل أيضًا تضاؤل قوة المعارضة الإسرائيلية لليمين، وتراجع دورها السياسي والجماهيري، فضلًا عن افتقارها إلى مقاربة بديلة لرؤيته العامة، سواء على مستوى السياسة الخارجية أو الداخلية.
وأضيفت إلى هذا إجراءات حكومية لمحاصرة المعارضة وتقييدها من خلال قوانين خاصة، بادرت حكومات نتنياهو إلى تشريعها، ابتداء من قانون رفع نسبة الحسم، مرورا بقانون الحدّ من اقتراحات نزع الثقة عن الحكومة، وانتهاء بقانون الأغلبية الاستثنائية اللازمة لإسقاط الحكومة (61 عضو كنيست من مجموع 120 ابتداء من عام 1996، بدلًا من الأغلبية العادية "أغلبية الأعضاء المشاركين في التصويت"). كما قلّصت هذه الحكومات من قدرة المعارضة على سنّ قوانين جديدة، من خلال عدم إقرارها في "اللجنة الوزارية لشؤون التشريع"، وفرض الانضباط الائتلافي الملزم على أعضاء الكنيست من الائتلاف الحكومي في التصويت على مشاريع القوانين الجديدة، إلى جانب سلسلة قوانين جديدة تحدّ مبادرات تشريع غير حكومية. وثمّة تضييق على هيئات وتنظيمات مؤيدة للمعارضة، من خلال قوانين حكومية خاصة، ترمي إلى ترهيب هذه الهيئات والتنظيمات، وردعها عن إبداء أي علاقةٍ بالحلبة السياسية والحزبية، أبرزها الحدّ من التبرّعات المسموح بتلقيها من خارج البلد، في الوقت الذي تواصل الجمعيات والتنظيمات اليمينية تلقّي تبرّعات سخية من الخارج.
الهدف من إعادة التذكير بتلك الإجراءات هو توكيد أن نتنياهو لم يكن، طوال أعوام، حكمه مشغولًا بكسب السلطة والمكانة السياسية فقط، إنما أيضًا بتشييد بنى تحتية تضمن استحكام نفوذ اليمين في شتّى المجالات. وبناء على ذلك، فتركيز المعارضة على شعار "إلا نتنياهو" الذي يتطرّق إلى أدائه وشخصيته ومسلكياته، وما يترتب عليها من أضرار للدولة ومصالحها، سببا مركزيا لتغيير السلطة واستبدالها وسط إحجام شبه تام عن مهاجمة أيديولوجيا اليمين، لن يؤدّي إلى استبدال الحُكم.
ثمة أسباب أخرى تقف حائلًا دون إمكان هذا الاستبدال، تتوقف عندها تعليقات المجلة أيضًا. اثنان منها: نجاح نتنياهو وحكوماته في إسقاط مشروعية أي شراكة في الحكم مع الأحزاب العربية إلى حدّ شيطنتها، بغض النظر عن الموقف السائد في أوساط تلك الأحزاب حيال ذلك. انعدام مفاعيل التلويح بالمخاطر المتأتية عن حكم اليمين على قواعد النظام الديمقراطي، وعلى من يُسمّون "حرّاس التخوم"، فالديمقراطية بالنسبة إلى أحزاب اليمين كافة تعني سلطة الأغلبية وقمع الأقليات، وبالنسبة إلى أحزاب المتدينين والحريديم (اليهود الأرثوذكس) تظل أدنى مرتبةً من أحكام الشريعة اليهودية وسلطة الحاخامين. وما زال تحالف جميع هذه الأحزاب يحظى بأغلبيةٍ مستقرّةٍ في أوساط الناخبين، كما أظهرت جولات الانتخابات الثلاث الأخيرة، وكذلك آخر استطلاعات الرأي العام.