13 نوفمبر 2024
ما بعد داعش: نهاية النظام في سورية
جادلت المعارضة والفصائل العسكرية السورية طويلاً: إنّ النظام وإيران هما من أنتج تنظيم داعش وجبهة النصرة والجهاديات، وهناك من يقول إن هذه التشكيلات "شركاتٌ أمنية" لأكثر من دولةٍ، للإجهاز على الثورة السورية. وطبعاً هناك من رحّب من السوريين بجبهة انصرة والجهاديات باستثناء "داعش"، إيماناً ساذجاً منهم بأن الأخيرات سيقاتلن النظام، وأن المهمة الراهنة دحره.
انتهى الجدل ذاك برفضٍ كامل من الدول "أصدقاء الشعب السوري" وأميركا وروسيا، وبأن المهمة الآن محاربة الإرهاب، ومن ثم الحوار مع النظام، وأن النقاش يجب أن يتركز على كيفية إجراء هذا الحوار فقط. حُوصرت المعارضة من الدول العالمية والإقليمية، وقِيل لها إن أمامها خيارا وحيدا، وهو التحالف مع بقية المنصات "موسكو، القاهرة، حميميم، والإذعان للرؤية الروسية، وتشكيل حكومة "وطنية" بقيادة الرئيس الأسد.
في هذه الأثناء، عزّزت روسيا من علاقتها بتركيا، وأجبرت الفصائل على الخروج من حلب، والدخول في مسار أستانة، والمخصّص للحوار بين الفصائل والنظام، وبإشراف روسي، وبالتعاون مع تركيا وإيران. أصبح مسار أستانة هذا بديلاً حقيقياً عن مسار جنيف، وعن المعارضة نفسها، ويعدّ الحديث عن علاقة الفصائل بالهيئة العليا للمفاوضات المشكلة في
الرياض، وأنّها المرجعية، متهافتاً؛ فالفصائل مع الدول "الضامنة" هي من وافق على مناطق خفض التوتر، والتي تتحكّم بها تلك الفصائل نفسها، وتُنصب مجالسها المحلية. وبعد تطبيق مذكرات التخفيض، بدأ الروس يتكلمون عن اجتماعٍ يضم ممثلين عن المجالس المحلية ومناطق المصالحات، بل وحتى "الإداراة الذاتية" لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، في حميميم أو مطار دمشق الدولي، وبالتالي هناك مسار خاص يترافق مع الحديث عن التطورات السورية الأخيرة، واسمه العلاقة الروسية المباشرة مع الأطراف السورية "المعارضة". ونتائجها ستُفرَض على النظام، وسيفضي إلى اجتماع مباشر مع النظام، وبإشرافٍ روسيٍّ، وفي إطار خطة لإدارة كل مدن سورية ومناطقها، بما فيها الواقعة تحت سيطرة الاحتلالين، الأميركي والتركي، ومناطق النظام.
اللوحة الجديدة الآن هي دخول تركيا إلى إدلب، وفق مسار أستانة، وبالتالي بداية نهاية جبهة النصرة، و"تحرير" القوات المتحالفة مع الأميركان مدينة الرقة، وكذلك القوات الروسية وحلفاؤها في دير الزور. بتحقق ذلك، وهو يتحقق تباعاً، سيكون المسار الروسي على طاولة الحل، وستكون نتائج خفض التوتر و"التحرير للشرق السوري" أمام العالم، للبحث في الخطوة المقبلة، أي ما بعد "داعش" وجبهة النصرة؛ وتنطلق هذه الخطوة من مذكرات التخفيض، وكذلك من إجبار النظام على التفاوض مباشرةً على مستقبله ومستقبل الدولة السورية.
رفضَ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في استراتيجيته الجديدة مسألة الوجود الإيراني في الدول العربية، واعتبر إيران دولة إرهابية، كما حرسها الثوري وحزب الله، وهناك حديث مستجد عن حربٍ قد تشنها إسرائيل على حزب الله في لبنان. وبالتالي، على روسيا أن تلتقط ما تريده أميركا في سورية، وتدعم ذلك إسرائيل والسعودية، ويفيد الأمر تركيا بالضرورة، ولا يتناقض مع مصلحة الشعب السوري "معارضين وموالين" في إخراج إيران من سورية. وترافقت التطورات الدوليّة والإقليميّة هذه مع تصريحات أميركية واضحة ضد الطموح الكردي، فليس مسموحاً لرئيس إقليم كردستان العراق، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، أو زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، في سورية، صالح مسلم، تغيير حدود الدول الحالية، أو التفكير بدولةٍ مستقلة، وأن دور المتعاونين مع الأميركان يكمن فقط في محاربة الإرهاب، والحصول على مقدار جيد من الحقوق القومية "حكم ذاتي في العراق، وحقوق مواطنة في سورية"، وليس أكثر من ذلك؛ هذا يتوافق مع السياسة الروسية في عدم تغيير "سيادة" الدول، وإضعافها في آن واحد.
المحاولة الإيرانية في تقديم خدماتٍ لمصلحة أميركا في العراق، ومساعدة رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، في استعادة كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها، لا تساهم في تغيير الاستراتيجية الأميركية، وبالتالي دعم إيران، فالقراءة الأميركية للسياسة الإيرانية تقول إنّها تحاول الهيمنة الكاملة على العراق، ما يتناقض مع سياسة ترامب في العودة إلى العراق، وتحجيم إيران، وإجبارها على العودة إلى حدودها السيادية، ودعم العبادي، والتخلص من إرث باراك أوباما.
تفيد الملاحظة الأخيرة بأنّه لن يُسمح لروسيا باستمرار تحالفها مع إيران في أي حل سياسي في سورية، وإذا كانت روسيا تفهم ذلك، وتُبقي سلاح الفصائل في مناطق خفض التوتر، وتعقد المصالحات معهم لاستخدامها عصاً للتخويف، وربما في معارك مستقبلية ضد الوجود الإيراني في سورية، فإن "تحرير" الرقة ودير الزور والسيطرة على إدلب يُحاصر روسيا، ويُجبرها على التسريع في فك العلاقة مع إيران، وطرح مبادرات سياسية قوية تُبقيها مُشرفةً على الحل في سورية، وتعزّز من التوافقات مع أميركا بخصوص دول أخرى، كالعراق مثلاً.
روسيا وأميركا تعملان على تصنيع معارضة تتوافق مع مصالحهما في سورية، وفي الوقت عينه، سيتم تحديد موعد لإخراج إيران من سورية. هذا الوضع الجديد، أي انتهاء المعارك في
سورية والضغط على المعارضة، سيفرضان بالتأكيد خطوة جديدة، وهي مصير النظام السوري، فالمعارضة يُحدّد مصيرها، وكذلك الفصائل، فما هو مستقبل النظام، وكيف سيتم إعمار سورية، أي نهبها عبر شركاتٍ خارجية؛ هذا هو السؤال ما بعد "داعش"؟
هناك إجابات متكرّرة هنا وهناك، وتقول ليس من سوريٍّ منتصرٍ في معركةٍ إقليمية ودولية تُفرض على الأرض السوريّة، إذاً لا بد من تحجيم مؤسسات النظام، وتحديداً العسكرية والأمنية؛ يتم ذلك حالياً عبر تدخلٍ روسيٍّ واسع فيهما، لكن ذلك غير كاف في المنظار الأميركي، أو لإحداث نقلة في الشأن السوري. أقصد أن الموافقة على إبقاء الرئيس الحالي، ولمدةٍ زمنية محدّدة لا تعني إبقاء المؤسسات الأمنية والعسكرية على حالها، بل سيطاولها التغيير لا محالة.
خسر السوريون ثورةً شعبيّة من أجل نظامٍ أفضل، وخسر النظام دولةً كاملة، وتحوَل إلى أداةٍ لخدمة الاحتلالات، ولا سيما الروسي؛ ليس النظام فقط، بل وكذلك فصائل عسكرية مناهضة له. لن تبدأ إعادة الإعمار كنتيجة للحل السياسي، قبل إجراء تغييرات كبيرة في النظام، هذه مسألة أكيدة. إذاً نهاية النظام أصبحت مسألةً مطروحة على طاولة المفاوضات. وبالتالي، ليس الخلاص من "داعش" خبراً سعيداً للنظام، فبنهاية هذا التنظيم الإرهابي ينتهي هو بالضرورة.
انتهى الجدل ذاك برفضٍ كامل من الدول "أصدقاء الشعب السوري" وأميركا وروسيا، وبأن المهمة الآن محاربة الإرهاب، ومن ثم الحوار مع النظام، وأن النقاش يجب أن يتركز على كيفية إجراء هذا الحوار فقط. حُوصرت المعارضة من الدول العالمية والإقليمية، وقِيل لها إن أمامها خيارا وحيدا، وهو التحالف مع بقية المنصات "موسكو، القاهرة، حميميم، والإذعان للرؤية الروسية، وتشكيل حكومة "وطنية" بقيادة الرئيس الأسد.
في هذه الأثناء، عزّزت روسيا من علاقتها بتركيا، وأجبرت الفصائل على الخروج من حلب، والدخول في مسار أستانة، والمخصّص للحوار بين الفصائل والنظام، وبإشراف روسي، وبالتعاون مع تركيا وإيران. أصبح مسار أستانة هذا بديلاً حقيقياً عن مسار جنيف، وعن المعارضة نفسها، ويعدّ الحديث عن علاقة الفصائل بالهيئة العليا للمفاوضات المشكلة في
اللوحة الجديدة الآن هي دخول تركيا إلى إدلب، وفق مسار أستانة، وبالتالي بداية نهاية جبهة النصرة، و"تحرير" القوات المتحالفة مع الأميركان مدينة الرقة، وكذلك القوات الروسية وحلفاؤها في دير الزور. بتحقق ذلك، وهو يتحقق تباعاً، سيكون المسار الروسي على طاولة الحل، وستكون نتائج خفض التوتر و"التحرير للشرق السوري" أمام العالم، للبحث في الخطوة المقبلة، أي ما بعد "داعش" وجبهة النصرة؛ وتنطلق هذه الخطوة من مذكرات التخفيض، وكذلك من إجبار النظام على التفاوض مباشرةً على مستقبله ومستقبل الدولة السورية.
رفضَ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في استراتيجيته الجديدة مسألة الوجود الإيراني في الدول العربية، واعتبر إيران دولة إرهابية، كما حرسها الثوري وحزب الله، وهناك حديث مستجد عن حربٍ قد تشنها إسرائيل على حزب الله في لبنان. وبالتالي، على روسيا أن تلتقط ما تريده أميركا في سورية، وتدعم ذلك إسرائيل والسعودية، ويفيد الأمر تركيا بالضرورة، ولا يتناقض مع مصلحة الشعب السوري "معارضين وموالين" في إخراج إيران من سورية. وترافقت التطورات الدوليّة والإقليميّة هذه مع تصريحات أميركية واضحة ضد الطموح الكردي، فليس مسموحاً لرئيس إقليم كردستان العراق، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، أو زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، في سورية، صالح مسلم، تغيير حدود الدول الحالية، أو التفكير بدولةٍ مستقلة، وأن دور المتعاونين مع الأميركان يكمن فقط في محاربة الإرهاب، والحصول على مقدار جيد من الحقوق القومية "حكم ذاتي في العراق، وحقوق مواطنة في سورية"، وليس أكثر من ذلك؛ هذا يتوافق مع السياسة الروسية في عدم تغيير "سيادة" الدول، وإضعافها في آن واحد.
المحاولة الإيرانية في تقديم خدماتٍ لمصلحة أميركا في العراق، ومساعدة رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، في استعادة كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها، لا تساهم في تغيير الاستراتيجية الأميركية، وبالتالي دعم إيران، فالقراءة الأميركية للسياسة الإيرانية تقول إنّها تحاول الهيمنة الكاملة على العراق، ما يتناقض مع سياسة ترامب في العودة إلى العراق، وتحجيم إيران، وإجبارها على العودة إلى حدودها السيادية، ودعم العبادي، والتخلص من إرث باراك أوباما.
تفيد الملاحظة الأخيرة بأنّه لن يُسمح لروسيا باستمرار تحالفها مع إيران في أي حل سياسي في سورية، وإذا كانت روسيا تفهم ذلك، وتُبقي سلاح الفصائل في مناطق خفض التوتر، وتعقد المصالحات معهم لاستخدامها عصاً للتخويف، وربما في معارك مستقبلية ضد الوجود الإيراني في سورية، فإن "تحرير" الرقة ودير الزور والسيطرة على إدلب يُحاصر روسيا، ويُجبرها على التسريع في فك العلاقة مع إيران، وطرح مبادرات سياسية قوية تُبقيها مُشرفةً على الحل في سورية، وتعزّز من التوافقات مع أميركا بخصوص دول أخرى، كالعراق مثلاً.
روسيا وأميركا تعملان على تصنيع معارضة تتوافق مع مصالحهما في سورية، وفي الوقت عينه، سيتم تحديد موعد لإخراج إيران من سورية. هذا الوضع الجديد، أي انتهاء المعارك في
هناك إجابات متكرّرة هنا وهناك، وتقول ليس من سوريٍّ منتصرٍ في معركةٍ إقليمية ودولية تُفرض على الأرض السوريّة، إذاً لا بد من تحجيم مؤسسات النظام، وتحديداً العسكرية والأمنية؛ يتم ذلك حالياً عبر تدخلٍ روسيٍّ واسع فيهما، لكن ذلك غير كاف في المنظار الأميركي، أو لإحداث نقلة في الشأن السوري. أقصد أن الموافقة على إبقاء الرئيس الحالي، ولمدةٍ زمنية محدّدة لا تعني إبقاء المؤسسات الأمنية والعسكرية على حالها، بل سيطاولها التغيير لا محالة.
خسر السوريون ثورةً شعبيّة من أجل نظامٍ أفضل، وخسر النظام دولةً كاملة، وتحوَل إلى أداةٍ لخدمة الاحتلالات، ولا سيما الروسي؛ ليس النظام فقط، بل وكذلك فصائل عسكرية مناهضة له. لن تبدأ إعادة الإعمار كنتيجة للحل السياسي، قبل إجراء تغييرات كبيرة في النظام، هذه مسألة أكيدة. إذاً نهاية النظام أصبحت مسألةً مطروحة على طاولة المفاوضات. وبالتالي، ليس الخلاص من "داعش" خبراً سعيداً للنظام، فبنهاية هذا التنظيم الإرهابي ينتهي هو بالضرورة.