وتعهّد وزير المال اللبناني غازي وزني "إعادة هيكلة كاملة للدين العام المقوّم بكلّ من الليرة والدولار"، في إطار خطة إنقاذ اقتصاديّة واسعة. وقال خلال لقاء عبر الإنترنت مع حاملي سندات اليوروبوند: "هدفنا وضع اللمسات الأخيرة على جدول الأعمال الطموح هذا قبل نهاية عام 2020".
فما هو واقع الاقتصاد اللبناني؟ وما هي تفاصيل المفاوضات؟
يرزح لبنان تحت عبء دين عام يُعادل أكثر من 170% من ناتجه المحلّي، وبذلك يُعدّ من أكثر الدول مديونيّة في العالم. وأعلنت الحكومة اللبنانيّة الاثنين أنّها ستتوقّف عن سداد كلّ مستحقّات سندات اليوروبوند بالدولار الأميركي. وجاء هذا بعد تعليق لبنان سداد سندات دوليّة بقيمة 1,2 مليار دولار كانت تستحقّ في 9 آذار/ مارس، للمرّة الأولى في تاريخ البلاد.
ويعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصاديّة منذ الحرب الأهليّة (1975-1990)، تفاقمت الآن أكثر مع انتشار فيروس كورونا الجديد. وفي محاولة لوقف انتشار الفيروس، أعلنت الحكومة التعبئة العامة حتى 12 نيسان/ إبريل، وأمرت بوقف كلّ الأعمال غير الملحّة. وحذّر المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني، من أنّ الوباء سيؤدّي "إلى مفاقمة تدهور الأوضاع الاجتماعيّة".
وقال إنّ 45% من اللبنانيين هم في حالة فقر، و22% يعانون فقراً مدقعاً. وتوقّع أن يزيد الانكماش الاقتصادي بنحو 12% هذا العام، وأن يصل التضخم إلى 25%. وحتى قبل انتشار الفيروس، ارتفعت الأسعار واضطرّت شركات عدّة إلى خفض رواتب موظّفيها أو فصلهم، أو حتّى الإغلاق.
تفاصيل التفاوض
رأى وزير المالية غازي وزني، في تبيان لحاملي الـ"يوروباوند"، أن "خطة الإنقاذ الشاملة الخاصة في لبنان تحتاج إلى إصلاح متعمق للقطاع المصرفي، وخطة إصلاح مالي وإصلاحات هيكلية لتنمية الاقتصاد وإعادة هيكلة كاملة للدين العام".
وأضاف: "لقد تولت الحكومة اللبنانية التي أمثلها السلطة منذ نحو شهر، وسط أزمة غير مسبوقة في لبنان. وفي 7 آذار/ مارس 2020، توجه رئيس الوزراء حسان دياب إلى الشعب اللبناني، مؤكداً التزام هذه الحكومة إخراج لبنان واللبنانيين من هذه الأزمة للتوجه نحو نموذج اقتصادي واجتماعي جديد سليم وقوي وعادل. ولتحقيق هذه الغاية، تعهدت الحكومة بتطوير خطة إنقاذ شاملة، والمباشرة بالإصلاحات الهيكلية المطلوبة". وتابع: "نظراً للمستوى الحرج للعملة الأجنبية المتوافرة في مصرف لبنان، قررت الحكومة اتخاذ تدبير وقائي صعب ولكن ضروري، ألا وهو تعليق دفع كل من فوائد سندات اليوروباوند وأصولها المستحقة في 9 آذار/ مارس 2020. يعزى هذا القرار والقرار اللاحق له، الذي اتخذ في بداية الأسبوع بتعليق جميع عمليات الدفع المتعلقة بسندات اليوروباوند، إلى ضرورة تخصيص جميع العملات الأجنبية المتوافرة لتمويل استيراد السلع الأساسية".
وأشار إلى أن "هذا التبيان الخاص بالدائنين يهدف إلى إعطائهم صورة مفصلة عن عمق الأزمة التي يواجهها لبنان، وتزويدهم بنظرة عامة عن خطة الإنقاذ التي وضعتها الحكومة، وإطلاعهم على أهداف إعادة هيكلة الدين العام المنوي اعتمادها".
الوضع الراهن
وقال: "خلال السنوات الأخيرة، كان النموذج الاقتصادي اللبناني يتألف من تمويل عدم توازن ميزان المدفوعات الخارجي والمزمن لاقتصادنا (فلنأخذ مثلاً قطاع الطاقة)، وذلك عبر جذب تدفقات الدولار بتكلفة عالية جداً على الميزانيات العمومية للمصارف التجارية ومصرف لبنان".
وقد أدى ذلك، وفق وزني، إلى تحفيز نمو القطاع المصرفي بحجم تجاوز بسرعة كبيرة ومتزايدة ما هو مطلوب لدعم الاقتصاد الحقيقي، ما أدى بدوره إلى ممارسة ضغوط متزايدة على موازنة الحكومة مع ارتفاع الدين العام بشكل كبير، والتركيز أساساً على تمويل احتياجات اقتصادنا المستمرة لتدفقات الدولار الداخلة.
وفي نهاية المطاف، تفاقم هذا الاندفاع المتهور وتزعزعت الثقة الآن مع جفاف تدفقات رأس المال الخارجي، ما أدى إلى هذه الأزمة المتعددة الأوجه وغير المسبوقة التي يواجهها لبنان:
- أزمة سيولة على صعيد العملات الأجنبية وزيادة انخفاض سعر الصرف الموازي وارتفاع التضخم وانكماش النمو، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية وازدياد الضغوط الناجمة عن عدم استدامة المستويات الحالية للدين العام، وإلى قطاع مصرفي متضخم الحجم (الذي أصبح في الواقع متعسراً).
- لقد أصبح إذاً النموذج الاقتصادي اللبناني مكسوراً، ويتطلب عملية إصلاح طارئة وشاملة، مع خطة انقاذ تمكن لبنان من البدء من جديد.
خطة الحكومة للإنقاذ
أضاف وزني: "تحتاج خطة الإنقاذ الشاملة الخاصة بلبنان إلى معالجة جميع الاختلالات التي ذكرتها، وهي تتضمن أربع ركائز رئيسية:
- إصلاح متعمق للقطاع المصرفي يشمل المصارف التجارية ومصرف لبنان، وموجه نحو إعادة تشكيل القطاع بما يتماشى مع الدعم المطلوب لتنمية اقتصاد منتج.
- خطة إصلاح مالي تهدف إلى تحقيق فائض أولي معقول على المدى المتوسط والطويل.
- إصلاحات هيكلية طموحة تهدف إلى تعزيز النمو، ولا سيما من خلال تنمية الاقتصاد المنتج والاستثمارات لإعادة بناء البنى التحتية.
- وبالطبع، إعادة هيكلة كاملة للدين العام، المقوم بكل من الليرة اللبنانية والدولار الأميركي، تهدف إلى تخفيف عبئه بشكل مستدام على الموازنة واستعادة القدرة الطبيعية على الاقتراض.
الجدول الزمني
وختم: "كما تتخيلون، لهذه الحكومة برنامج عمل كامل للأشهر المقبلة يتمحور حول تصميم خطة الإنقاذ الشاملة وتنفيذها، بالإضافة إلى القيام بإعادة هيكلة الدين العام. هدفنا وضع اللمسات الأخيرة على جدول الأعمال الطموح هذا قبل نهاية عام 2020. ولتحقيق ذلك، تتعهد هذه الحكومة بالمشاركة في مناقشات حسن نية شفافة مع الجهات الدائنة للبنان لإيجاد حل معقول ومستدام لمشكلة هيكلية الدين العام في لبنان".