لا نعرف بالضبط متى فقدت الثقافة المصرية تأثيرها أو متى أرغمت على التخلّي عن دورها في الثقافة العربية المعاصرة، وكيف تحوّلت "الثقافة القومية" إلى مجرد ثقافة محلية تستهلكها صراعات "الدولة العميقة"؟
الأصابع تشير إلى زمن كامب ديفيد و"الانفتاح" الساداتي الذي أسس لارتكاس ثقافي تبعته عمليات إفساد وتجريف محكمة في زمن مبارك. لكن المسألة لا يمكن اختصارها بهذه الفترة، إذ لا يمكن لثلاثة عقود وحدها أن تصنع ما هو ماثل أمامنا الآن.
ما نعرفه أن الثقافة العربية عرفت مركزية مصرية في آدابها وفنونها وصحافتها، لكنها، الآن، باتت من الماضي. وليست المسألة اليوم أن تستعيد الثقافة المصرية مركزيتها، بل إن ما نحتاج إليه، عربياً، لحظة تأسيس جديدة وعلاقة جديدة معها ودور ثقافي عربي مستقل لأجل الثقافة المصرية، بحيث لا تُترك لعبث الفاشية العسكرية أو لتجاذبات رعاتها وخصومهم.
الثقافة المصرية في زمن الثورة المضادة تشهد عودة للشمولية لكن بلا أيٍّ من مزايا الزمن الشمولي، وعودة للاستبداد لكن ممسوخاً بل وهزلياً إلى حد بعيد.
وعلى غرار وقوف جلال أمين عند سؤال "ماذا حدث للمصريين؟" أواخر التسعينيات، و"ماذا حدث للثقافة المصرية؟" - بشكل مقتضب في 3 مقالات نشرها في ديسمبر/ كانون الأول 2014 ويناير/ كانون الثاني 2015؛ ننتظر من يتتبع السؤال إلى آخر علّته.