لماذا ننسى، أو لماذا نتذكر؟ بل لماذا نريد أن ننسى، ولماذا نريد أن نتذكر؟ وهل في الإمكان أن ننسى فعلاً؟ عجيبة الذاكرة... تلك الآلية الدماغية المرتبطة عضوياً بالخلايا العصبية فيه. وعجيب ذلك الذهن القادر على تشكيل عوالم كاملة في شكل ذكريات حقيقية، وأخرى يمعن في تعديلها كما يشتهي، قبل أن تخرج فجأة ذكريات لطالما حاول أن يخفيها ويدفنها في أعماق أعماقه، أو يركلها بعيداً مثل كرة.
تخرج تلك الذكريات بالرغم من محاولات التعديل الكثيرة ومحاولات النسيان المستميتة، أشبه ما تكون بأغنية أم كلثوم "فكروني" (1966، كلمات عبد الوهاب محمد، وألحان محمد عبد الوهاب). تلك الكلمات التي لها في صوت أم كلثوم موعد مع الذاكرة يضرب جدران القلب بقوة ويمعن في هدمها بالكامل لحظة تمكّنه من اختراقها ولو بشرخ بسيط.
الأغنية تتحدث عن حبّ سعت صاحبته إلى نسيانه بالكامل، وما إن يذكر الحبيب في حديث ما حتى تعود الذاكرة بالكامل إلى كلّ تلك الأيام التي أمضياها معاً بفرحها وحزنها، وبمتعتها وألمها. تبقي الأغنية في مقطعها ما قبل الأخير احتمال النهاية السعيدة قائماً في لقاء الحبيبين... تلك الخاتمة الملحمية التي منها كثير في السينما التجارية.
لكنّ المقطع الأخير أكثر صدقاً واقتراناً بالواقع. فالذهن إذ يعلن عجزه عن إخفاء الذكريات بفرحها وألمها وتعديلها بما يتيح التحرر من الماضي في هذه اللحظة بالذات والانطلاق نحو المستقبل أكثر خفة، يستسلم لتدفق الذكريات وجرفها كلّ السدود والمحاولات اللاحقة لها، والسابقة لهذه اللحظة بالذات.
يستنكر ذلك المقطع الأخير النسيان من أصله: "فكروني ازاي؟ هو أنا نسيتك!؟" ويصل إلى التوصيف النهائي: "إنت أَقرب مِني لِيَّا يا هَنايا... حتى وانت بعيد عَليّا أَو معايا" ثم إلى الحكم المبرم المتحالف مع ذكريات لا تمحى واقتران أثيري ضوئي قد يقال إنّه روحي، لكن لا ضرورة لارتباطه بالوصال الجسدي... ارتباط قد يدوم الحبّ فيه مشتعلاً كما كان في الذاكرة وحال عودته لحظة التذكر، وفي المستقبل مع التسليم الكامل هذه المرة بالتخفف من محاولات النسيان الفاشلة، تلك المحاولات التي تصنع قيوداً متعبة للقلب ونبضه وللبال وراحته وللذهن وفيضه: "تنتهي الأَيام وتطوي العُمر منّا... وانتَ حبّكْ لِلأَبَدْ ما لوش نهاية... حبّكْ انتَ ما لوش نهاية".
ما أكثرهم من يفشلون في النسيان، أكان نسيان شخص أم حالة. وما أكثرهم من يتأذون إذ يحاولون مرة بعد مرة أن ينسوا. لعلّها الذكريات في فيضها الحرّ أقلّ إيلاماً لهم. ولعلّ ذلك الحبّ النابع من الذاكرة الممتنع على الواقع لكن الذي "ما لوش نهاية" هو الحقيقة الوحيدة الباقية فعلاً.
اقــرأ أيضاً
تخرج تلك الذكريات بالرغم من محاولات التعديل الكثيرة ومحاولات النسيان المستميتة، أشبه ما تكون بأغنية أم كلثوم "فكروني" (1966، كلمات عبد الوهاب محمد، وألحان محمد عبد الوهاب). تلك الكلمات التي لها في صوت أم كلثوم موعد مع الذاكرة يضرب جدران القلب بقوة ويمعن في هدمها بالكامل لحظة تمكّنه من اختراقها ولو بشرخ بسيط.
الأغنية تتحدث عن حبّ سعت صاحبته إلى نسيانه بالكامل، وما إن يذكر الحبيب في حديث ما حتى تعود الذاكرة بالكامل إلى كلّ تلك الأيام التي أمضياها معاً بفرحها وحزنها، وبمتعتها وألمها. تبقي الأغنية في مقطعها ما قبل الأخير احتمال النهاية السعيدة قائماً في لقاء الحبيبين... تلك الخاتمة الملحمية التي منها كثير في السينما التجارية.
لكنّ المقطع الأخير أكثر صدقاً واقتراناً بالواقع. فالذهن إذ يعلن عجزه عن إخفاء الذكريات بفرحها وألمها وتعديلها بما يتيح التحرر من الماضي في هذه اللحظة بالذات والانطلاق نحو المستقبل أكثر خفة، يستسلم لتدفق الذكريات وجرفها كلّ السدود والمحاولات اللاحقة لها، والسابقة لهذه اللحظة بالذات.
يستنكر ذلك المقطع الأخير النسيان من أصله: "فكروني ازاي؟ هو أنا نسيتك!؟" ويصل إلى التوصيف النهائي: "إنت أَقرب مِني لِيَّا يا هَنايا... حتى وانت بعيد عَليّا أَو معايا" ثم إلى الحكم المبرم المتحالف مع ذكريات لا تمحى واقتران أثيري ضوئي قد يقال إنّه روحي، لكن لا ضرورة لارتباطه بالوصال الجسدي... ارتباط قد يدوم الحبّ فيه مشتعلاً كما كان في الذاكرة وحال عودته لحظة التذكر، وفي المستقبل مع التسليم الكامل هذه المرة بالتخفف من محاولات النسيان الفاشلة، تلك المحاولات التي تصنع قيوداً متعبة للقلب ونبضه وللبال وراحته وللذهن وفيضه: "تنتهي الأَيام وتطوي العُمر منّا... وانتَ حبّكْ لِلأَبَدْ ما لوش نهاية... حبّكْ انتَ ما لوش نهاية".
ما أكثرهم من يفشلون في النسيان، أكان نسيان شخص أم حالة. وما أكثرهم من يتأذون إذ يحاولون مرة بعد مرة أن ينسوا. لعلّها الذكريات في فيضها الحرّ أقلّ إيلاماً لهم. ولعلّ ذلك الحبّ النابع من الذاكرة الممتنع على الواقع لكن الذي "ما لوش نهاية" هو الحقيقة الوحيدة الباقية فعلاً.