ما وراء الحقد الداعشيّ على حماس!

14 مايو 2015
+ الخط -
قبل أسابيع، من دون مقدمات ولا سابق إنذارٍ، تصاعدت أخبار سيطرة "داعش" على مخيم اليرموك للاجئين في دمشق، واشتباكها حصراً مع مجموعات "أكناف بيت المقدس" الفلسطينية، قليلة العدد والعتاد، محدودة القدرات، والتي تتشكل في معظمها من كوادر سابقة في حماس، عمل بعضهم مرافقاً لقياداتها الكبيرة.

كانت وسائل إعلام داعش والنظام تتفقان اتفاقاً غريباً على إنهاء المعركة إعلاميًا لصالح داعش، بغضّ النظر عمّا يجري على الأرض، وكانت جماهيرُ "الممانعة" وأنصار "داعش" تترقّبُ بدورها سكاكين الخليفة، وهي تحتزُّ رقاب أبناء حماس بشوقٍ وانفعالٍ كبيرين!

أما جماهيرُ الممانعة، فكانوا يرون في سكاكين داعش عقابًا إلهيًا لأبناء حماس السابقين، لتعاطفهم مع الشعب السوريّ، ووقوفهم ضدّ "آلهة المقاومة" وكفرهم بها، بينما كان موقفُ أنصار داعش أكثر عمقًا وتعقيدًا!

تمثل حماس عُقدةً حقيقيّةً لأنصار داعش، فمجرّد وجودها، والنموذج الذي تُقدّمه مزايدةٌ كبيرةٌ على التنظيم، وشرعيته، وأسلوبه، وأفعاله! 

يقومُ جزءٌ كبيرٌ من شرعية التنظيم، والتنظيمات السلفية الجهادية عمومًا، على نقد الإخوان المسلمين ومسارهم السلميّ في مواجهة الأنظمة البوليسية، ويتخذُ شكل الانتقاد عادةً نوعًا من الاتهام بالجُبن والخور، والخوف من حمل السلاح، فتأتي حماس بانتمائها الإخوانيّ لتقطع الطريق على التنظيم، بكونها تحملُ السلاح وتُهرّبه وتصنعه أيضًا، وتقاتل به على أحسن وجه وأكرمه.

كما تراه جماهيرُ التنظيم نوعًا غريبًا من العصمة والتقديس، منشأه انتسابُ أهله لاسم "الجهاد"، واحتكارُهم النظريّ له، وهذا يظهرُ في أي خصومةٍ لأحدهم مع التنظيم، إذ سُرعان ما يوصمُ فورًا بوصمة "عدوّ المجاهدين"، ولا يصلحُ بحالٍ هذا الدفاعُ الهجوميّ مع حماس، بجهادها الطويل، وكفاحها المشهود، ضدّ أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا، بنصّ الكتاب الكريم.

وتمتدّ مزايدة النموذج الحماسيّ، بتقديمها صورة جهادٍ حقيقيّ، بدونِ مشاهد ذبحٍ مريعة، أو حرقٍ للأعداء أحياء أمام الكاميرات، أو مفخخات تطالُ كلّ مخالفٍ من أبناء الملة، أو استهداف صحافيين، وناشطين إنسانيين، جاءوا لنقل معاناة الشعوب المظلومة وتخفيفها، ويحسدُ أنصارُ "داعش" حماس على صورتها الناصعة، ورضا الأمّة العام عنها، وإشادتهم بها، في مقابل العداوات الكثيرة، والغضب الجماهيريّ العام، و"التشويه" المزعوم الذي يلاحقها. 

لذلك كان أنصارُ داعش، وخصوصاً في مصر، أكثر حماسةً وشوقًا لمشاهد ذبح "مرتدّي حماس" في مخيم اليرموك، فقد كانوا يريدون من فريقهم المفضّل، إن صحّ التعبير، أن "يحُطّ" على الفريق المنافس، المُزعج والمُربك، ولو في معركةٍ صغيرة إذ أنهكتهم المنافسة الحقيقة الكبيرة!

لم تُفلح حملة داعش على اليرموك في النهاية، وكان في تلك المعركة إشاراتٌ ورموز إلى الصراع الأخلاقي الأصلي الكبير!

في غزة تبدو الأمور مختلفةً تمامًا، حماس قوةٌ عسكريّة كبيرة، وسلطة حقيقية على الأرض، بينما أنصار داعش مجموعات صغيرة منبوذة، أو أفراد معدودون لا حول لهم ولا قوة، أكثرهم اعتنق الفكر السلفيّ الجهاديّ كراهيةً لحماس أو نكايةً فيها، فبعضهم متحدرٌ من تنظيمات معادية لحماس أصلًا، ثمّ بدا له أن يتديّن أو يحمل السلاح، فلم يجد تفريغًا لكراهيته التاريخية لحماس أفضل من الانتساب لمن يكفّرها، وبعضهم ترك حماس لخلافات لا علاقة لها بالأيديولوجيا، أو حتى طُرد منها عقوبةً على بعض المخالفات، فوجد طريق النكاية والانتقام في الانتماء لهذه المجموعات، كما توجد ثمة حالات اختراق لكوادر بعض التنظيمات المعروفة، من خلال التواصل عبر الإنترنت.

علّمت التجربة حماس وأجهزتها الأمنية كيفيّة التعامل مع هذه المجموعات، وصار لها منهجيّة شبه واضحة في التعامل معها، إذ كانت سابقًا تغضّ الطرف عنها ما لم تُباشر العُدوان على الآخرين، بحكم كفرهم، أو تخرّب الهدن المنعقدة بين المقاومة والاحتلال، بحكم بُطلانها الأصلي، إلى أن حدثت مأساة مسجد "ابن تيمية" الشهيرة في رفح، وحينها صارت أجهزة الأمن تتسامحُ مع وجود أفرادٍ يؤيدون داعش أو يعتنقون فكرها، لكن دون أن تتوانى لحظةً في ملاحقة أي مجموعةٍ منظّمة تعتنقُ هذا الفكر، وإن لم تباشر نشاطاتها المؤذية بعد!

وهذه السياسة هي انعكاسٌ لفكر الحركة المنتمية إلى الإسلام من جهة، والمحتكمة إلى نظامٍ قضائيّ من جهةٍ أخرى، ففي التراث الإسلاميّ لا يُلاحق هؤلاء على مجرّد تكفيرهم لغيرهم، كما فعل الإمام عليّ مع الخوارج الذين يكفرونه، إذ لم يلاحقهم بمجرّد التكفير، لكنه قاتلهم بحزم حين شكّلوا قوة عدوان، وقانونيًا لا يُعقلُ محاسبتهم على أفكارهم وآرائهم حتى تتحوّل إلى واقع تطبيقي، ولذلك لا يمكن تركهم ليشكلوا مجموعات تنظيميّة تكون جاهزةً للتخريب متى عنّ لها، أو متى التقطت الإشارة التي لا يُعرف مصدرها على وجه الدقة!

تبدو هذه السياسة ناجعةً جدًا حتى اللحظة، وبرغم محاولات بعض مؤيدي داعش للتخريب في القطاع أخيرًا، فقد مُني معظمها بالفشل، ولم تكن تلك التحركات إلا محفزًا جديدًا لأجهزة الأمن لتجديد ملاحقة هذه المجموعات، لكننا نلاحظ ومثل حالة اليرموك بالضبط، تتفق أطرافٌ كثيرةٌ على تضخيم نشاطات أنصار داعش بغزة، والنفخ فيها، ولكلّ مآربه!

ولعلّه ينبغي لحماس أن تنظر بشيءٍ من الريبة والحذر، لتحركات داعش الأخيرة ضدّها، سواءً معركتها الغريبة والمفاجئة ضدّ المجموعات القريبة منها في اليرموك، أو تحركاتها التخريبية المريبة في القطاع، فهذه المجموعات بهُلاميتها ولامركزيتها وقابليتها للاختراق، تصلحُ مطيةً لأي طرفٍ، يخلطُ بها الأوراق، ويشاغلُ بها أعداءه، ويربكهم!

 
(فلسطين)

المساهمون