مع التعثّر الكبير الذي يمر به مسار التسوية في سورية، وحالة التخلي العالمي والإقليمي عن السوريين، تبرز العديد من المبادرات المحلية السورية وكذلك الإقليمية والدولية التي تحاول شق طريقها، محاولة تحريك المياه الراكدة، بعد المآلات التي وصلت إليها الاتفاقات وأبرزها مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سورية، وليس آخرها ما يجري في إدلب من تغول روسيا ونظام بشار الأسد على المدنيين وتهجير مئات آلاف منهم. وبعدما بدا أن آفاق الحل السياسي مسدودة، في ظل عدم الجدية الأميركية، والاستهداف الروسي، وغياب البُعد العربي الفاعل، التفت مجموعة من المثقفين والسياسيين والكتّاب والناشطين حول مبادرة سمّاها الكاتب إبراهيم الجبين مبادرة "سورية الاتحادية"، التي تحاول أن تجد حلاً محلياً سورياً للعقم السياسي الذي وصلت إليه أوضاع السوريين. وترتكز هذه المبادرة على أساسيات سياسية قانونية إدارية تقطع كلياً مع حالة المركزية في الحكم، التي لطالما تمترس حولها نظام بشار الأسد، ومن قبله والده حافظ الأسد، والتي يعتقد أهل المبادرة أنها السبب في الخراب الوطني الذي آلت إليه أحوال السوريين.
عن أسباب طرح هذه المبادرة في الفترة الراهنة، يقول عضو الهيئة العامة للمبادرة إبراهيم الجبين، لـ"العربي الجديد"، إن "اللحظة التي نعيشها اليوم تشكو شح التفكير السوري الذاتي وتعجز عن تقديم حلول أمام تقدّم قوات النظام المدعومة من الروس والإيرانيين، تحت أعين العالم من دون أن يتم طرح أي حلول سورية، ووجدنا أن الخيار الوحيد هو تقديم ورقة للتفكير في حلول خارج الصندوق، تستهدف المستقبل انطلاقاً من حاجة اللحظة". ويضيف: "نحن نفكر في حماية الأربعة ملايين مدني في الشمال السوري أولاً، وتخليصهم من إرهابَين اثنين يطبقان عليهما، إرهاب الأسد وإرهاب تنظيم القاعدة الذي يهيمن على أجزاء من المنطقة". ويستدرك بالقول: "لكننا لا نطرح حلاً فقط للشمال السوري، بل هو حل لسورية التي اضمحلت بفعل زج الأسد لها في معادلات دولية وإقليمية تجعل من الصعب الاستمرار بشكلها القديم الذي نرى أنه بني أساساً بشكل لم يصنع منها دولة حديثة، وربما كان هذا هو سبب ولادة ونمو هذا النظام الشيطاني الذي يعاني السوريون منه ويحاربون لاقتلاعه".
وعن اختيار العاصمة المؤقتة في إدلب والعاصمة المركزية الدائمة دمشق، يقول الجبين إنها "دعوة للسوريين جميعاً وللمجتمع الدولي لحمايتها (إدلب) ومنع إعادة احتلالها أو تركها نهباً للتطرف، ما قد يشكّل منقذاً للوضع الذي يتفرج عليه الجميع منتظرين مصيراً مجهولاً لملايين الأبرياء والمدنيين"، مشدداً على أن "واجب النخب السورية أن تُقدّم الرؤية المستقبلية، ولا تستند في طروحاتها فقط إلى واقع سرعان ما يتبدّل بتبدل الظروف، ونحن على قناعة أن الواقع السوري الحالي هو واقع عابر مؤقت"، مضيفاً "أكدنا عدم انتظار السقوط الحتمي للأسد قبل أن نطرح مشاريعنا، وحين نقول حتمياً فهذا يعني أننا نعتبره أمراً صار من الماضي، فلماذا ننتظر؟".
من جهتها، توضح عضو الهيئة العامة للمبادرة سميرة مبيض، لـ"العربي الجديد"، أن "طرح مبادرة سورية الاتحادية اليوم يأتي سعياً لإيجاد مسار يُغلّب المصلحة السورية المغيّبة منذ تسع سنوات عن المشهد السياسي والقرارات المتعلقة به بعد تدويل القضية السورية وهيمنة المسارات العسكرية أو الإيديولوجيات الضيّقة على كافة الصعد"، مشيرة إلى أنه "في ظل العجز الدولي عن تحقيق مسار عادل يضمن تحقيق مطالب السوريين المحقة، باتت استعادة زمام المبادرة بيد السوريين ضرورة تجسدها المبادرة المطروحة وفق قراءة دقيقة للساحة الدولية والإقليمية والمحلية بما يسعى لضمان وتحقيق مصالح السوريين". وتلفت إلى أن "سورية كوحدة حياة متكاملة غير قابلة للتقسيم والتفتيت، وأي جزء منها غير قابل للاستمرارية بمعزل عن بقية القطاعات الجغرافية، لذلك فإن المبادرة تطرح بوضوح التوزع الجغرافي وفق النظام الاتحادي القائم على وجود التنوّع السوري كسمة عامة على كامل الأراضي السورية بعيداً عن أي تمييز قومي أو مذهبي وبما يضمن تحقيق الحريات المنشودة وإنهاء حقبة نظام استبدادي قمعي".
هذه المبادرة لاقت صدى كبيراً وقبولاً إيجابياً لدى البعض، وسلبياً لدى البعض الآخر، ويبدو أن الأكراد بمختلف تلاوينهم السياسية لاقت المبادرة رواجاً لديهم. ويرى الكاتب السوري علاء الدين حسو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المبادرة جيدة حين طُرحت، ولكن أصابتها العقدة السورية وهي البناء الافتراضي، وهذا لا يخدم القضية السورية"، مضيفاً أن "النقاشات حول المبادرة مستمرة، وأعتقد أن الحل السوري بعد كل هذا الدم الذي فجره النظام وجعل الوطن حلبة للنفوذ الأجنبي، يجب أن يكون على هذا الشكل"، لافتاً إلى أن "الفكرة المطروحة هي الحل الأمثل حالياً، ولكن تحتاج لتطبيقها قوة إجبارية أو قوة مجتمعية، والقوة الإجبارية مستحيلة كون التدخّلات كبيرة، لذلك لا بد من الشغل عليها وبسرعة، ومع كافة الشرائح للخروج بصياغة تناسب واقعنا وثقافتنا ومناخنا، سورية متعددة متنوعة".