وقد أشار ترامب مراراً وتكراراً، وفق تقرير نشرته "الغارديان" البريطانية اليوم الثلاثاء، إلى أهمية مبيعات الأسلحة السعودية للاقتصاد الأميركي، كسبب لعدم قطع إمدادات الأسلحة رداً على مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي. إلا أن تقريراً صدر عن "مركز الدراسات الدولية" في واشنطن، للباحث وليام هارتينغ، نسف كافة ادعاءات ترامب انطلاقاً من حجم صفقة الأسلحة، وصولاً إلى تأثيراتها على اقتصاد الولايات المتحدة، وتحديداً في توليد الوظائف.
تضخيم ومصالح خاصة
يقول التقرير إن ترامب قدّر القيمة الإجمالية لمبيعات الأسلحة الأميركية للنظام السعودي 110 مليارات دولار، وقال إن ذلك سيولد 450 ألف وظيفة، ومن ثم قال إنها هذه الصفقة ستنتج 500 ألف وظيفة، وصولاً إلى 600 ألف ومن ثم مليون وظيفة.
لكن هذه الأرقام مبالغ فيها بشكل كبير. تؤكد "الغادريان"، أن السعودية تحتاج إلى أميركا لا
العكس، خصوصاً من ناحية الدعم العسكري والحرب في اليمن، وأن الإدارة تعمل بأقل من اللازم، إذا أرادت كبح جماح الرياض في اليمن، أو معاقبة المملكة على قتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
يجادل مراقبون من البيت الأبيض، وفق الصحيفة البريطانية، بأن هناك عوامل أخرى وراء دفاع ترامب القوي عن السعودية، وولي العهد محمد بن سلمان على وجه الخصوص، إذ إن الدعم المقدم للسعودية مهم كأولوية الإدارة في الشرق الأوسط، وسط الضغوط على إيران في أعقاب إلغاء ترامب الاتفاق النووي عام 2015 مع طهران.
ولكن، يوجد أيضا دافع مالي شخصي لدى ترامب، وفق "الغادريان". لقد ساعدت الحجوزات السعودية على زيادة الإيرادات في فندق ترامب في نيويورك.
تكذيب ترامب
يشدد تقرير "مركز الدراسات الدولية" على أن القيمة الفعلية لمبيعات الأسلحة الأميركية
للرياض منذ تسلم ترامب منصبه هي 14.5 مليار دولار فقط، وإذا أضيفت الإخطارات فتصبح أكثر بقليل من 20 مليار دولار.
إذ إن هذا الرقم خاضع لـ"خطابات العرض والقبول" في ما يتعلق بالأسلحة الجديدة ومعدات الدعم، وهو ما لا يعدو كونه خطوة واحدة في عملية أطول تتعلق بصفقات الأسلحة، بحيث لا تمثل العقود الفعلية الموقعة.
ويلفت التقرير إلى أن إدارة أوباما هي التي حضّرت جميع المبيعات الرئيسية للأسلحة التي كانت تسعى إلى تهدئة السعودية، بعد الصفقة النووية مع إيران.
ويشرح مؤلف التقرير، وليام هارتونغ، أنه من الصعب تحديد عدد محدد من الوظائف في السوق الأميركية لهذا الحجم من المبيعات للسعودية.
واعتبر أنه "إذا اتخذنا نهجا سخيا وأدرجنا جميع الوظائف التي تم إنشاؤها في التجميع المباشر وإنتاج المكونات الدفاعية، جنبا إلى جنب مع الوظائف للعمال المستخدمين في التجميع أو إنتاج المكونات، فإن 2.5 مليار دولار من شحنات الأسلحة الأميركية إلى المملكة العربية السعودية، منذ بداية ولاية ترامب، خلقت 17،500 وظيفة سنوياً، بما يمثل أقل بكثير من 1% من القوى العاملة في الولايات المتحدة التي تضم 160 مليون عامل.
يضيف التقرير الذي ترجمه "العربي الجديد"، أن قتل جمال خاشقجي واستمرار قتل المدنيين في اليمن أثارا تدقيقًا غير مسبوق للعلاقة العسكرية الأميركية - السعودية.
ويلفت إلى أن "إعلان الرئيس ترامب أن مبيعات الأسلحة للمملكة لن تتوقف حتى لو كانت مسؤولة عن قتل خاشقجي، يشير بشكل مخيف إلى أن أرباح بعض المقاولين وتوليد عدد قليل من الوظائف لهما الأسبقية على ضرورة محاسبة النظام القاتل".
ويتابع التقرير: "بغض النظر كم ستكون الفوائد الاقتصادية، إذ لا يمكن تبرير الاستمرار في تسليح نظام لم يقتل الصحافي بطريقة وحشية لا يمكن تخيلها، فقط ولكنه قتل الآلاف من المدنيين في القصف العشوائي ضمن الهجمات في اليمن. وكثير منهم قتلوا بالقنابل والطائرات التي توفرها الولايات المتحدة".
ويقول تقرير "مركز الدراسات الدولية": "ولكن إذا ما أردنا تبرير استمرار تسليح المملكة بالحجج الاقتصادية، فيجب أن تكون دقيقة على الأقل. لكن الأمر لم يكن كذلك. فقد ادعى ترامب أن مجموعة واسعة من الوظائف ستتدفق إلى بلده من صفقة أسلحة مزعومة مع السعودية بقيمة 110 مليارات دولار وستؤمن 40 ألف وظيفة، ومن ثم رفع ترامب العدد إلى "أكثر من مليون" وظيفة.
العيب الأكبر في تقديرات ترامب، وفق التقرير، يرتبط أصلاً بحجم الصفقة المزعومة، إذ إنه في بعض الحالات يشار إليها كما لو أنها معاملة واحدة. فقد أصدر مجلس النواب قائمة صفقات تصل قيمتها إلى 110 مليارات دولار، لكن معظمها إما إخطار للكونغرس من قبل إدارة أوباما، أو توقعات بعيدة في المستقبل من المبيعات المحتملة التي من غير المرجح أن تحدث.
وبالأرقام، تشير تقديرات وزارة الخارجية إلى أن النظام السعودي وقع على 14.5 مليار دولار في خطابات العرض والقبول (LOA's) للأسلحة الجديدة ومعدات الدعم منذ تولى الرئيس ترامب منصبه. هذا كل شيء، وهو مبلغ أكثر بقليل من 10% من الرقم البالغ 110 مليارات دولار.
حتى الوظائف خارجية!
تستند جميع مبيعات الأسلحة للسعودية إلى الترتيبات التي اتخذت خلال عهد أوباما، عندما أخطرت تلك الإدارة الكونغرس بمبيعات أسلحة قياسية بقيمة 117 مليار دولار عبارة عن عروض على مدى ثماني سنوات من حكم أوباما. خلال تلك السنوات، كان هناك 65 مليار دولار من الاتفاقيات الرسمية الموقعة مع السعودية و18 مليار دولار تقريبا أسلحة معدة للتسليم.
لم تقم إدارة ترامب بإبرام "صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار" مع المملكة العربية السعودية. الصفقات الفعلية المنفذة منذ تولي الرئيس ترامب منصبه مجموعها 14.5 مليار دولار فقط وهي ستحقق عشرات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة، لا مئات أو "مليوناً" ، كما ادعى ترامب.
ويؤكد التقرير أن الكثير من العمال الذين يشاركون الآن في إنتاج الأسلحة للمملكة العربية السعودية، سيتم تحويلهم إلى مشاريع أخرى من قبل الشركات التي لديها تراكمات للعقود القائمة مع البنتاغون.
تعتبر بوينغ ورايثيون ومؤسسة لوكهيد مارتن وشركة جنرال دايناميكس من أكبر المستفيدين من صفقات الأسلحة مع السعودية. ويشرح التقرير أن عدد الوظائف المرتبطة بمبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية يتقلص إلى حد كبير، إذ سيتم إنشاء العديد من الوظائف في السعودية كجزء من خطتها الاقتصادية الجديدة التي تدعو إلى ذلك، حيث إن 50% من مشتريات الأسلحة السعودية سيتم إنتاجها في المملكة بحلول عام 2030.
وتعهدت شركات أميركية بهذا الهدف، عبر إنشاء شركات تابعة في المملكة، كما فعلت شركة رايثيون التي وافقت على تجميع طائرات هليكوبتر في الرياض، وهكذا فعلت شركة لوكهيد.
آخر الدفعات
وبشكل عام ، قدمت الولايات المتحدة 138.9 مليار دولار من عروض الأسلحة للسعودية في
السنوات العشر الماضية، 20.1 مليار دولار خلال العامين الأولين من إدارة ترامب و118.8 مليار دولار خلال السنوات الثماني لإدارة أوباما. ما يقرب من نصف العروض (60 مليار دولار) كانت معقودة في عام 2010.
ما يشير إلى بطء هذا النوع من الصفقات، وبالتالي حتى الوظائف القليلة التي ستنبثق عنها ستسير بالبطء ذاته.
وفي دفاعه عن دعمه الرياض، يطرح ترامب مخاوف من أن تقوم شركات توريد الأسلحة في روسيا أو الصين، بالأعمال التي رفضتها الولايات المتحدة. لكن هارتونغ يؤكد أن القوات المسلحة السعودية تعتمد إلى حد كبير على الأجهزة الأميركية، لذا سيكون من الصعب عليها تغيير الموردين الذين يبيعون معدات غير متوافقة تمامًا مع مطالبها.
ويضيف: "سيستغرق الأمر عقوداً لكي تتمكن المملكة من عدم الاعتماد على المعدات الأميركية والتدريب والدعم الدفاعي، وقد لا تكون المعدات الجديدة من دول أخرى قابلة للتشغيل بسهولة مع الأنظمة التي توفرها الولايات المتحدة".