حذّر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، آوك لوتسما، من أن الوضع الإنساني في البلاد على حافة الانهيار التام، إن لم تقدم المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وتتوقف الحرب. وجاءت تصريحات لوتسما خلال مؤتمر صحافي عقده عبر تقنية الفيديو مع المراسلين والصحافيين الدائمين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وقال لوتسما إنه "من الواضح، وبعد دخول الصراع في اليمن عامه الثالث، أن الحل الوحيد هو سياسي. وفي الوقت ذاته فإن الشعب اليمني يعاني صعوبات جمّة". وتحدث عن تصدّر اليمن عناوين الأخبار مجدداً بسبب المجاعة وانعدام الأمن الغذائي الذي يهدده، إضافة إلى تفشي الكوليرا.
وأضاف في هذا السياق: "يحتل اليمن المرتبة الأولى عالمياً من ناحية عدد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، إذ إن سبعين بالمائة من سكانه، أي قرابة 20 مليون يمني، لا يعلمون من أين سيحصلون على وجبتهم المقبلة، من بينهم سبعة ملايين يمني مهددون بالانزلاق لخطر المجاعة ونحو مليوني طفل يعانون من نقص حاد في التغذية، فضلاً عن انعدام الأمن الغذائي. وإذا ربطنا الأمر بالكوليرا فإن سوء التغذية أو النقص الغذائي يجعل الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالمرض. وهذا يعني أننا أمام خليط قاتل". وأكّد أن الأمم المتحدة سجلت نحو 400 ألف إصابة في اليمن، تسببت بـ1900 حالة وفاة. وتوقّع المسؤول الأممي أن يرتفع عدد الإصابات.
وتطرّق لوتسما إلى الصعوبات التي كانت تواجه اليمنيين قبل اندلاع الحرب الأخيرة، ومن بينها الفقر والبنية التحتية المتواضعة والفساد وغيرها، إلا أن الأوضاع ازدادت تدهوراً بعد نشوب الحرب. وأشار في هذا السياق كذلك إلى قضية الألغام التي كان اليمن، بسبب حروبه السابقة، قد عانى منها وأوشك في عام 2012 على الإعلان عن الخلو منها ونزع أغلبها قبل نشوب الحرب الأخيرة.
وقال إن تدهور الوضع الإنساني، وخاصة نقص الأمن الغذائي، سببه وبشكل رئيسي الحرب واستراتيجيات التجويع التي تستخدمها الأطراف المختلفة للنزاع. وتحدّث عن أن اليمن يحصل على أغلب غذائه، أي نحو تسعين بالمائة، من الاستيراد. وعلى الرغم من توفر المواد الغذائية في جزء من الأسواق والمناطق، لكن الوضع الاقتصادي المتردي والفقر زادا لدرجة لا يمكن فيها لكثير من العائلات اليمنية شراء الغذاء، فهو بعيد المنال بسبب أسعاره المرتفعة جداً.
وفي ما يخص الكوليرا فقد أكد أن الأسباب الرئيسية وراء انتشارها بهذا الشكل يعود لانهيار النظام الصحي وشبكة المجاري والمياه وانهيار البنية التحتية وغياب كثير من العاملين في تلك المجالات. وأشار إلى أن عدم دفع رواتب الأطباء والممرضين والعاملين في القطاعات الصحية والنظافة والقطاعات العامة المختلفة أدى إلى خروجهم للبحث عن مصادر رزق أخرى لتأمين قوت لعائلاتهم، الأمر الذي زاد من تفاقم الوضع.
وتحدث كذلك عن عدم السماح لكثير من العاملين في المجال الإنساني بدخول اليمن وعدم إعطائهم التصاريح الخاصة بذلك. ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" في نيويورك حول الجهات المسؤولة عن تلك التصاريح وانعكاسات ذلك على عمل الأمم المتحدة، قال "نحتاج من كل الجهات الشريكة في الصراع الحصول على تصاريح للعاملين في القطاع الإنساني وليس فقط من جهة واحدة، حتى نتمكن من الوصول لمناطق حيوية لعملنا وتحتاج لعملنا ومساعداتنا الإنسانية".
وأضاف: "إذا أخذنا مثلاً قضية الوقود للطيارات، حالياً توجد طائرتان لنقل المساعدات من الأردن وأخرى من جيبوتي إلى صنعاء. ولكن لا يوجد عندنا وقود للطائرات لتتزود به في صنعاء، وعلينا أن نحضره من عدن. وتواجهنا صعوبة بالحصول على موافقة قوات التحالف والحكومة اليمنية للسماح لنا بنقل الوقود من عدن وتزويد الطائرات به. وهذا مثال بسيط على تلك التحديات". وأكد أن قوات التحالف والحكومة اليمنية لم تعطيا أسباباً واضحة لعدم موافقتهما على منح الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تراخيص بنقل الوقود من عدن إلى صنعاء للطائرات المذكورة، المعنية بنقل المساعدات الإنسانية.
وفي ما يخص التعليم أكّد لوتسما لـ"العربي الجديد": "نشعر بالقلق، خاصة في ظل استمرار عدم دفع الرواتب، إذ إن كثيراً من المدارس ستظل مغلقة كما أن كثيراً من المدارس دمرت بسبب الحرب. والآن نواجه مشكلة الإضراب في السنة الدراسية الجديدة، إذ يُهدد المدرسون بالإضراب، فضلاً عن أن كثيراً منهم تركوا البلاد".
وتحدث عن برامج عديدة مشتركة مع البنك الدولي، تهدف إلى محاولة زيادة إنتاج الغذاء المحلي وبرامج أخرى لتحسين صرف المياه في مناطق عديدة من اليمن، على الرغم من الحرب الدائرة. وأكد لوتسما أن الدول المانحة، والتي تعهدت بتقديم 2.1 مليار دولار أميركي من المساعدات المادية لدعم المساعدات الإنسانية الطارئة للعام الجاري لم تقدم حتى الآن أكثر من 45 بالمائة من المبلغ.
وناشد كذلك بدفع الرواتب للعاملين في القطاع العام، خاصة التعليم والصحة. وربط دفع تلك الرواتب بنجاعة وإمكانية تقديم المساعدات الإنسانية، إذ يحتاج توفيرها وتقديمها إلى وجود الحد الأدنى من البنية التحتية، كي لا ينهار البلد بشكل تام. وشدّد لوتسما على أن إنهاء الحرب والتوصل إلى حل سياسي هو المفتاح لمعالجة الوضع المأساوي في اليمن قبل أن يفوت الأوان.