تزدحم ممرات مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة بجثث الشهداء، معظمها مشوهة المعالم، فيما يجتهد الأطباء في معالجة الجرحى الكُثر الذين وصلوا إلى المجمع بصعوبة بالغة، عقب الاستهداف العشوائي لمنازل المدنيين في حيّ الشجاعية إلى الشرق من مدينة غزة.
وأُجبرت مئات العائلات في حي الشجاعية على الخروج من منازلها بعد القصف العشوائي والمكثف الذي أودى بحياة عشرات الشهداء والجرحى في ظل عدم تمكن طواقم الإسعاف الطبي من الوصول إليهم، رغم الحديث عن "هدنة" إنسانية لساعات.
وأصبحت ممرات المجمع الطبي، والشوارع القريبة منه، مكاناً يزدحم بالمئات من السكان الذين هربوا تحت وابل القصف المدفعي الإسرائيلي، في ظل غياب مراكز الإيواء وتقصير الجهات الدولية المتواجدة في غزة في مساندتهم.
ومنذ مساء أمس السبت، اشتد القصف المدفعي العشوائي على المنازل السكنية بشكل مباشر، ولم تعد التهديدات الإسرائيلية مجرد كلام، وفق دينا فروانة، التي استطاعت بأعجوبة الخروج من منزل عائلتها في الحيّ إلى مكان آمن.
تقول فروانة لـ "العربي الجديد": "خرجنا من البيت صباح اليوم بسيارات الإسعاف نظرا لاستهداف الطائرات الحربية لأي جسم متحرك في الشوارع، وتوجّهنا إلى بيت أحد الأقارب في منطقة تشهد قصفاً أقل كثافة".
تشير إلى أن "رعب الليلة التي عاشها سكان حي الشجاعية على وقع الانفجارات والقذائف العشوائية، يوازي رعب ما تعرض له قطاع غزة في الحربين السابقتين. فالطيران الحربي والمدفعية الإسرائيلية والبحرية شاركت مجتمعة في القصف على حيّ مزدحم بالسكان ومتراص المنازل".
واستذكر سائد مرتجى، خلال مشاهدته آلاف النازحين من بيوتهم إلى وسط المدينة والمستشفيات، صور نكبة العام 1948 ونزوح الفلسطينيين من قراهم، التي تتشابه مع المشهد الجديد في حيّ الشجاعية، حيث لم تتمكن العائلات من أخذ أي شيء إلا ملابسها التي ترتديها.
يؤكد مرتجى وجود عشرات الإصابات والشهداء داخل البيوت وفي الشوارع نظرا للقصف العشوائي الذي طال المنطقة دون تفريق بين صغير أو كبير، فيما المشهد يقترب من مذابح صبرا وشاتيلا في العام 1982.
ويقول لـ"العربي الجديد": "ما حدث في الشجاعية مجزرة وحشية تسببت بها الطائرات الحربية والمدفعية، التي قتلت النساء والأطفال ودمرت البيوت على رؤوس ساكنيها من المدنيين وأبادت عائلات بأكملها. فالقصف استهدف المدنيين بشكل مباشر وفي غرف نومهم".
يضيف: "أثناء خروجنا برفقة 20 فردا من أطفال ونساء العائلة، سقطت قذائف في الشارع الذي نسلكه والمكتظ بالهاربين من بيوتهم، فأصيب العشرات من المواطنين. تقطّعت أجسام أمام أعيننا".
من جانبه، يقول الشاب سعيد الزق من ذات الحيّ، إن "القصف منذ عدة أيام يستهدف الأراضي الزراعية والفارغة، لكن فجأة ودون سابق إنذار تحوّل لاستهداف بيوت المدنيين بشكل مكثف ومتواصل ومباشر".
ويشير الزق، الذي التقاه "العربي الجديد" في منزل أحد أقاربه بحيّ الشيخ رضوان، إلى أن "الاحتلال عجز عن ملاحقة المقاومين في المنطقة، والذين كانوا يتصدّون لتوغّله البري، فأراد الانتقام منهم بقصف منازل المدنيين الأبرياء".
ولا تزال عمليات البحث جارية عن الشهداء والجرحى في الحيّ، رغم صعوبة الأوضاع الأمنية في المكان، ووفق تقديرات أولية لوزارة الصحة في غزة، فإن 60 فلسطينياً استشهدوا، ووأصيب أكثر من 256 بجراح في العدوان على الشجاعية.