وكان الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، في طليعة مطالبي نواب "الاتحاد من أجل حركة شعبيّة"، في جلسة مغلقة قبل يومين، بالتصويت ضدّ القرار، لكنّ ذلك لم يمنع عدداً من نواب اليمين من التصويت لمصلحته، وعلى رأسهم رئيس لجنة الشؤون الخارجيّة، جان بيار رافاران، في وقت تغيّب فيه رئيس المجلس اليميني، جيرار لارشيه، عن الجلسة، الأمر الذي أوحى بعدم استعداده للتصويت ضد القرار. وتُظهر نتائج التصويت أنّ كلّ نواب اليسار صوتوا لمصلحة القرار، كما أيّدته بعض الأصوات اليمينيّة، من الوسط ومن حزب الاتحاد الديمقراطي المستقل، التي غردت خارج سربها.
وتبنّى مجلس الشيوخ اقتراح نص، "يدعو الحكومة الفرنسيّة إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وجعلها آليّة لمفاوضات التسوية النهائية للصراع وإقامة سلام دائم". وجاء القرار مشابهاً في مضمونه القرار الصادر عن البرلمان، لكنّ مجلس الشيوخ حاول الربط بين مسألة الاعتراف وتحريك مفاوضات السلام.
وفي انتظار بلورة موقفها النهائي، أعطت الحكومة الفرنسيّة، التي يبدو أنّها غير مستعدّة لاتخاذ هذه الخطوة قريباً، نفسها مدة عامين لعقد مؤتمر دولي، وفقاً لما أعلنه سابقاً وزير الخارجية، لوران فابيوس، موضحاً في الوقت ذاته بأنّ مسألة الاعتراف آتية عاجلاً أم آجلاً، وإذا لم يتمّ التوصّل إلى حلّ خلال عامين، فإنّ فرنسا ستعترف بالدولة.
وفي سياق قراءة خطوة مجلس الشيوخ وأهميّتها، يقول رافارن في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إنّ "نتيجة التصويت على القرار كانت متقاربة جدّاً، فالكلّ يوافق على جوهر القضيّة، لكنّنا نفترق حول الطرق للوصول إلى الهدف"، مؤكداً أنّ "ما نريده هو السلام، وهذا السلام يتطلب الاعتراف بالدولتين، والاعتراف المتبادل".
ويرى رافاران أنّه "يعود للحكومة الفرنسية أن تستخدم هذا التصويت وتجعل منه أداة للتقدّم على طريق السلام، ولإعطاء جدول زمني من أجل التوصّل إليه خلال عامين"، معتبراً أنّ "الدولتين بحاجة الى أمن وسلام، وعلينا أن نساعد على حلّ هذه الأزمة".
وتصف النائب عن حزب الخضر، أستير بنباسّا، والتي شاركت في صياغة النص، التصويت بأنّه "تاريخي"، موضحة لـ"العربي الجديد"، أنّه "كان من المهم أن يمرّ القرار لأنه مؤشر قوي". وتتوقّع أن "يساهم في تهدئة النفوس بين المسلمين واليهود في فرنسا، ويمنح الشجاعة للفلسطينيين من أجل التقدّم، كما يتيح للإسرائيليين، الجلوس على طاولة واحدة مع الفلسطينيين من أجل التقدّم والتفاوض جديّاً".
وكان مجلس الشيوخ قد شهد في الأيّام الأخيرة جولة من النقاشات المحتدمة، ولم تنجح المساعي في التوصّل إلى توافق عريض بين مختلف التيارات السياسية، حتى لا يبدو الأمر استغلالاً حزبيّاً ضيقاً، في قضيّة تهمّ فرنسا، داخليّاً وخارجيّاً. وفي موازاة تصريحات يمينيّة رافضة بالمطلق الاعتراف، لم يغب تصريح ساركوزي الأخير لصحيفة "لوفيغارو"، والرافض للاعتراف بالدولة الفلسطينية، عن قرار عدد من نواب اليمين.
ويستند القرار، الذي تبنّاه مجلس الشيوخ في مناقشات، أمس الخميس، إلى اقتراح توصّل إليه منذ بضعة أيام، الحزب الاشتراكي والشيوعي وحزب الخضر، من خلال دمج 3 اقتراحات، حتى يأتي التصويت أكثر شموليّة ما أمكن، وخصوصاً أنّ مقترحاتهم لا تختلف كثيراً، من حيث الجوهر، وتتمثّل في مطالبة الحكومة الفرنسيّة، صاحبة القرار السيادي، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلّة، ومسايرة ديناميّة الاعترافات الأوروبيّة المتلاحقة، في انتظار تصويت البرلمان الأوروبي، في الثامن عشر من الشهر الحالي.
وركّز عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من ممثلي الأحزاب الثلاثة، في مداخلاتهم، وكمبادرة حسن نيّة في اتجاه النواب المقربين من وجهة النظر الإسرائيليّة، على أنّ "هذا الاعتراف ليس موجهاً ضدّ إسرائيل، التي يعتبر أمنها فوق أي اعتبار، ولا ضدّ اليهود الفرنسيين الذين يتعرضون لأعمال معادية للسامية في فرنسا".
وتميّزت مداخلة النائب، باريزا خياري، بإشارتها إلى عملية اغتيال الوزير الفلسطيني، زياد أبو عين، على أيدي الشرطة الإسرائيلية، في مظاهرة سلميّة، معتبرة أنّ ذلك يجعل من مسألة الاعتراف أولوية، وكذلك معاودة المفاوضات من دون أيّ تأخير. وإذ نددت بالأعمال المعادية للسامية، التي شهدتها الضاحية الباريسية قبل أيام، فقد كانت الوحيدة التي ركّزت، أيضاً، على وجوب محاربة كلّ الأعمال التي تدرج في إطار "الإسلاموفوبيا" في فرنسا.
وليس بعيداً عن هذا الموقف، جاءت مداخلة النائب جان جيرمان، من الوسط، الذي رأى أن مبادرة الاعتراف "متوازنة جداً".
وفي حين أعلن نواب اليمين، وتحديداً أيميري دي مونتسكيو، من حزب "الاتحاد الديمقراطي المستقل"، وكل من هيرفي مارساي وروجي كاروتشي، وهو من أصول يهوديّة مغربيّة، من حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبيّة"، رفضهم التصويت على الاقتراح، تميّزت النائبة، جويل غاريود ــ مايلام، من حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبيّة"، في مناقشتها بآراء تختلف عن زملائها، وإن أكدت أنّها لن تصوت على الاعتراف بفلسطين، لأنها "مبادرة ناقصة وغير مناسبة"، معتبرة أنّ "الحل في ممارسة الضغوط الاقتصادية والعلمية على إسرائيل، ومراقبة حركة حماس ومحاصرتها".
من جهته، أكّد سكرتير الدولة للعلاقات الأوروبية، هارليم ديزير، نيابة عن وزير الخارجية لوران فابيوس، المتواجد في الخارج، ثوابت الحكومة الفرنسية الحالية، والدبلوماسية الفرنسية، عموماً، في ما يخصّ حقّ الفلسطينيين في دولة مستقلة، مع رغبة فرنسا بأن يأتي الأمر تتويجاً لمفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفرنسي. وأعرب عن رغبة بلاده في عقد مؤتمر دولي في باريس، تحضره أوروبا والجامعة العربية والدول الأعضاء في مجلس الأمن، لتسهيل المفاوضات بين الطرفين المعنيين، وفق جدول زمني لا يتعدى السنتين. وقال: "إذا فشلنا، سنعترف حينها بالدولة الفلسطينية". وأعاد تأكيد، أن الموقف الفرنسي كان ولا يزال موقفاً متوازناً، من حيث تركيزه على أمن إسرائيل والاعتراف بالحقوق الشرعيّة للفلسطينيين ووقف الصراع ومحاربة كل أشكال معاداة السامية والعنصرية".