وقد حظي هذا القانون في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بتصويت مجلس الشيوخ، الذي تتحكم فيه أغلبية يمينية معارضة، وهو ما يعقد الأمور.
وأدخلت الحكومة تعديلاتها على القانون، عن طريق تضمينه إجراءات جديدة تَحظُر على مثيري الشغب المشاركة في التظاهرات، وأيضًا تشدد العقوبات في حقهم، وهو ما تؤيده الأغلبية الرئاسية، لكنها، في المقابل، تُعارض منحَ وُلاة الأمن، كما ينص النص الحكومي، الإذن بإرساء نطاق أمني "أثناء الساعات الست التي تَسبق التظاهرة وإلى حين فضّها".
ويرى بعض نواب حركة الرئيس "الجمهورية إلى الأمام"، من ذوي التوجهات اليسارية، أن إقرار هذا الإجراء الأخير سيدفع كثيرًا من الفرنسيين إلى عدم المشاركة في التظاهرات. وفي المقابل لا يمانعون في إقدام رجال الأمن على تفتيش المتظاهرين.
وللوصول إلى إقرار القانون، يتوجب اتفاق الحكومة مع بعض نوابها المتمردين على التفاهمات والتوازنات. ولا يقتصر الأمر على هذا الإجراء، بل يتعداه إلى اقتراح منح وُلاة الأمن صلاحية حظر تظاهرات.
وفي محاولة لتخفيف حمولة النص الجديد، الذي كان يتضمن إنشاء ملحق خاص بالمتظاهرين العنيفين، على شاكلة ما هو معمول به فيما يخص مثيري الشغب في الملاعب، اقترح نواب الأغلبية الرئاسية إنشاء ملحق خاص مرتبط بملف الأشخاص محل المتابعة، وهو الموجود من قبل. وألصقت به آلية لمراقبة وتقييم الإجراءات وتصحيح جنحة التخفي، التي تستوجب سنة سجنًا و15 ألف يورو غرامة.
وإذا كان بعض التقدميين من نواب حركة ماكرون، القادمين من اليسار، وهم في حدود ثلاثين نائبًا، يعارضون البنود المتشددة في مشروع القانون، فإن نواب اليسار المعارضين للحكومة، سيستغلون النقاشات ويتخذون منها واجهة ومنبرًا لانتقاد حكومة ماكرون وسياساتها الأمنية، وخاصة ما يتعلق بـ"قاذف رصاصات الدفاع"، الذي أسفر استخدامه عن فقء عيون سبعة عشر متظاهرًا، منذ بدء حراك السترات الصفراء، حسب إحصاءات تجمع "لننزع أسلحتهم"، وهي أرقام يعارضها وزير الداخلية الذي يتحدث عن أربع حالات خطيرة فقط.
كما أن المعارضة اليسارية تعيب تسرع الحكومة في فرض هذا القانون، وترى فيه مساساً بحرية التظاهر، في الوقت الذي تغض فيه الطَرفَ عن مظاهر العنف البوليسي. كما ترى فيها مختلف أطياف المعارضة البرلمانية، مظاهرَ تخبّط وفزَع من الحراك الاجتماعي، الذي لم يخمد رغم مضيّ أكثر من شهرين على انطلاقته.
أما المعارضة اليمينية صاحبة مشروع القانون، والتي أخرجت طبعته في مجلس الشيوخ، وتريد ألا ترى أي تعديل في بنوده، فلم تُخْفِ انتقاداتِها للتعديلات التي ينوي نواب الأغلبية تضمينها للقانون، وهو ما سيحرفه، في نظرها، ويقلّم تشدده، ويجعله، بالتالي، هجينًا وغير فعّال.
ولا يحتاج الأمر إلى كثير من التكهن، ولا إلى كثير من القلق، فالحكومة، بسبب أغلبيتها النيابية الساحقة، ستُخرِج طبعتها للوجود، رغم المعارَضة وتعديلاتها الكثيرة. وسيكون على مجلس النواب أن يناقش في غضون يومين، 200 تعديل على مشروع القانون.
ومحاولةً من الحكومة لإرضاء نوابها الرافضين لبنود متشددة في مشروع القانون، ومحاولة من الحكومة، أيضًا، للظهور بمظهر التوفيق بين تشدد المعارضة اليمينية وتساهُل المعارضة اليسارية، شدد وزير الداخلية، كريستوف كاستانير، اليوم الثلاثاء، أثناء الرد على أسئلة النواب، على أن القانون ضد مثيري الشغب ليس "قانون مناسَبات"، بل هو نابعٌ من "الحس السليم"، وهو يرمي إلى "منح الوسائل للسلطات الإدارية"، وإتاحة المجال أمام الفرنسيين للتظاهر دون أن "يتعرضوا لعنف أشخاص شرسين". وأكد كاستانير على أن "هذا القانون ليس قانوناً ضد السترات الصفراء، بأية حال من الأحوال"، بل هو "قانون يحافظ على حرية التظاهر".
شكوى لدى مجلس الدولة
وغير بعيد عن هذا القانون الجديد وسجالاته، ستدرس محكمة "مجلس الدولة"، غداً الأربعاء، 30 يناير /كانون الثاني، شكوى استعجالية تقدمت بها نقابة "سي جي تي" العمالية ورابطة حقوق الإنسان، من أجل حظر استخدام الشرطة لـ"قاذف قنابل الدفاع". وتأتي هذا الشكوى بعد أن توصَّلا برفض من طرف المحكمة الإدارية في باريس، يوم الخميس 25 يناير/كانون الثاني.
ويشتد منذ أسابيع سجال حاد في فرنسا حول هذا السلاح "الدفاعي"، وتفاقَمَ مع إصابة جيروم رودريغيز، وهو وجه من وجوه السترات الصفراء يوم السبت الماضي، في عينه اليمنى، بهذا السلاح، حسب روايته، وهو ما يكذبه سكرتير الدولة للداخلية، لوران نونيز، الذي يتحدث عن مقذوف آخر. وهو موقف قريب من تصريح للرئيس إيمانويل ماكرون، في القاهرة، يمتدح فيه قوى الأمن، ويبرئها من موت 11 متظاهراً من السترات الصفراء، لحد الآن.