تحت وطأة مستقبل غامض يلف مستقبل الوجود المسيحي التاريخي في الشرق، بفعل الأوضاع غير المستقرة التي تعيشها المنطقة التي شكلت تهديداً للوجود المسيحي تمثل بنزيف الهجرة والتهجير القَسريّ، انطلقت في العاصمة الأردنية عمّان الجمعية العامة الـ11 لمجلس كنائس الشرق الأوسط الثلاثاء الماضي، والمقرر أن تختتم أعمالها في وقت لاحق اليوم الخميس.
ويرى عضو اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمي عودة قواس، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الأوضاع الإقليمية ومستقبل الوجود المسيحي فرض نفسه على أعمال الجمعية لما يشكل من قضية باتت تقلق جميع كنائس الشرق الأوسط".
والهدف الأساسي للاجتماع الدوري الذي تعقده الجمعية العامة للمجلس كل أربع سنوات يتمثل بانتخاب لجنة تنفيذية جديدة وأمين عام جديد، ووضع سياسيات وخطط عمل للأربع سنوات القادمة، بعد مناقشة التقرير المالي والإداري للجنة التنفيذية المنتهية ولايتها.
وأفرد الاجتماع مساحة كبيرة على جدول أعماله لبحث سبل تثبيت الوجود المسيحي في الشرق الأوسط، ووضع آليات عملية لضمان وقف نزيف التهجير القَسريّ للمسيحيين الذي أكد غالبية رؤساء الكنائس أنهم الضحايا الأكبر لحالة عدم الاستقرار الإقليمي. وهو ما أكده رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر، القس أندريا زكي، حين قال في جلسة الافتتاح "الجمعية العامة تأتي في ظرف حاسم في منطقتنا العربية، وفي وسط الأوضاع غير المستقرة ينال المسيحيون النصيب الأكبر من عدم الاستقرار".
ورغم توافق رؤساء الكنائس على أهمية تعزيز روح الوحدة المسيحية بين الكنائس المختلفة في المنطقة، إلا أن النداءات التي أطلقوها تباينت. وفيما دعا بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للسريان الكاثوليك، مار أغناطيوس، يوسف الثالث يونان، إلى التعاون مع المسلمين في مواجهة كل محاولات اقتلاع المسيحيين من أرضهم، طالب بطريرك الكنيسة الكلدانية لويس روفائيل بموقف عالمي.
وقال "سأكون قلقاً على مستقبل المسيحيين في الشرق، إذ فيه يتعرض المسيحيون إلى اعتداءات كبيرة وأطالب العالم أجمع والعالم الإسلامي على وجه الخصوص بموقف واضح وموحد لإنقاذ المسيحية المشرقية".
ورغم التحديات الكثيرة التي عبر المشاركون عن تخوفهم منها وأثرها على مستقبل الوجود المسيحي، أكدوا تمسكهم بالبقاء ومشاركة المسلمين التحديات التي تعيشها المنطقة. وقال كاثوليكوس الأرمن الأردثوكس، لبيت كيليكيا أرام الأول "رغم القلق الكبير والتحديات التي تواجه المسيحيين في الشرق الأوسط في حياتهم اليومية... عازمون على البقاء لأنهم ينتمون إلى هذا الشرق ويشاركون إخوانهم المسلمين هذه التحديات".
ودعا بمداخلة في ثاني أيام الجمعية الكنائس إلى تحديد أولوياتها في ظل التحديات التي تواجهها ويواجهها المسيحيون في الشرق الأوسط، وأن تعمل على تنفيذ تلك الأولويات والتي أساسها أن المسيحيين ليسوا مجتمعاً هامشياً في المنطقة، وقال "نحن جزء أصيل من المجتمعات التي نعيش فيها، ويجب عليهم المشاركة في هذه المجتمعات".
أما رئيس مؤسسة "أديان" اللبنانية، الأب فادي ضو، فحث على التوقف عن مطالبة المسلمين بمواقف ترفض الإرهاب والتطرف، مؤكداً أن رفض الإرهاب والتطرف هو واقع المسلمين. وهو ما عبرت عنه المبادرات التي أطلقتها القيادات السياسية الإسلامية، داعياً إلى إطلاق مبادرات مشتركة بين المسلمين والمسيحيين لتطوير الخطاب الديني وبناء خطاب مشترك حول الدولة المدنية والمواطنة الحاضنة للتنوع والحرية الدينية.
ولم تخلُ الجمعية العمومية لمجلس الكنائس من التجاذبات السياسية، نتيجة للطروحات التي حاول مشاركون تسويقها، مثل بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك السوري غريغوريوس الثالث لحام، المعروف بتأييده المطلق لنظام بشار الأسد.
وفي هذا الشأن قال عودة قواس "مواقف البطريرك لحام، وخطاباته الداعمة للنظام السوري لا تعمم على المجتمع المسيحي.. تلك المواقف هي مواقف شخصية للبطريرك، حتى أن العديد من خوارنة الروم الملكيين الكاثوليك عارضوا مواقف البطريرك وطالبوه بالاستقالة".
وشارك في الجمعية العامة جميع رؤساء كنائس الشرق الأوسط، وهم 22 رئيساً، من الأردن والعراق وسورية وفلسطين وقبرص ولبنان ومصر وإيران، إلى جانب أعضاء الجمعية العمومية الممثلين للعائلات الأربع وهي: العائلة الأرثوذكسية الشرقية، والعائلة الأرثوذكسية، والعائلة الإنجيلية، والعائلة الكاثوليكية، إضافة لمشاركين من كنائس غربية ومؤسسات عالمية.
وتعتبر هذه المرة الأولى الذي تعقد فيها الجمعية العامة للمجلس في الأردن منذ تأسيسه في العام 1974، ما جعل مراقبين ومشاركين يصفونها بالحدث التاريخي، خاصة أن جميع الاجتماعات السابقة عقدت في بيروت مقر الأمانة العامة للمجلس، وقبرص التي دأبت على استضافة الجمعية خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية.