شرارة واحدة ربّما تخرج الرؤوس المتفجّرة من مخابئها، وتشعل أوار حرب نووية ستهدد حيوات كثيرين على هذه الأرض. "لكن إذا كان محتّمًا علينا، نحن أبناء هذا الكوكب، أن نمّحي تمامًا تحت هذا الخراب المحتمل، فإن عزاءنا الوحيد هو حقيقة أن كلّ ذلك كان ناجمًا عن اثنين من أتفه الذين عاشوا على وجه هذه البسيطة عبر تاريخها"، بهذه الكلمات يحاول معلّق صحيفة "إندبندنت" البريطانية، مارك ستيل، رؤية "الجانب المشرق" الوحيد من الحرب النووية التي تدقّ طبولها اليوم في واشنطن وبيونغ يانغ.
ويضيف الكاتب أن قصص الخيال العلمي حول نهاية الأرض تنطوي عادة على دكتاتوريين متوحّشين يمتطون دباباتهم، ويهدرون بملء حناجرهم عن بناء الإمبراطوريّات القويّة. لكن الأمر في عالم دونالد ترامب وكيم جونغ أون أقلّ "مهابة"، إن صحّ التعبير، وأكثر سخرية مما يبدو عليه. أو بتعبير الكاتب، سيكون كما لو أننا "اكتشفنا أن الديناصورات لم تنقرض بسبب نيزك هائل ضرب الأرض، وإنما لأن ستيغوسوروس (اسم ديناصور) الأخرق اصطدم بشجرة وعلق ذيله فيها، ثم تعثّرت باقي الديناصورات وراءه ولم تستطع النهوض مرّة أخرى".
ورغم غموض التهديد "الناري" الذي صدر من ترامب أولًا، لا سيّما أن بعض التحليلات تذهب إلى أنّه لم يستشر جنرالات البنتاغون قبل إطلاقه، فإن فريقه، كما يقول الكاتب، بدا جيّدًا هو الآخر في اللحاق بهذه التهديدات، وعلى هذا النحو، صرّح وزير دفاعه، جيمس ماتيس، أنّ كوريا الشماليّة ستواجه "نهاية نظامها ودمار شعبها" إذا لم تستجب للتهديدات الأميركية.
لذا، فإن القادة الأميركيين الغاضبين، كما يعلّق الكاتب ساخرًا، "لن يقتلوا جميع السكان فحسب، بل سيقضون على النظام أيضًا، حتّى لو حاول الكوريّون الشماليّون المخفيّون الإبقاء على النظام قائمًا بدون أي شعب، عبر وضع السناجب في مواقع المسؤولية".
ويعقّب الكاتب على تحذير ترامب بـ"النار والغضب"، وبـ"هجمة مدمرة كما لم يشهد العالم من قبل"، قائلًا إن هذا ليس صراعًا سياسيًّا؛ "هو مؤتمر صحافي لمقاتلي الحلبات الحديدية يعلنون فيه شعار قتالهم".
لكن على الأغلب، كما يواصل الكاتب تندّره، سيجلس ترامب وكيم جونغ الأسبوع المقبل وراء مكتب معتم، وسيصرخ الأول: "سأضرب مؤخرتك الكورية الشمالية اللعينة، أيها الولد السمين، طرفك الشمالي الخاصّ لن يلتقي طرفك الجنوبي مرة أخرى، ستكون موزّعًا على طول الخط 38 (الحد الفاصل بين الكوريتين)، أيها الجبان".
وسيصرخ كيم جونغ، بدوره، في جواب الرد: "حينما ننصب وحدة التفجير (دي) حتّى تنتشر الإشعاعات لتدمير ألاسكا، حينها ستنمحي الابتسامات أيها الوجه البرتقالي".
حينذاك سيمنعهما حرّاس الأمن، وسيتمّ تذكيرنا جميعًا أنه سيكون بوسعنا مشاهدة العرض كلّه لاحقًا، والمعروف باسم "يوم القيامة"، كما يتابع الكاتب ساخرًا.
ويضيف أنّه في وزارة دفاع ترامب، كثيرون تذمّروا من أنّه لم يتصرّف كما ينبغي كرئيس أميركي لائق، لكن عبر تهديده بشنّ حرب، بالتزامن تمامًا مع هبوط شعبيّته، فإنه يفعل بالضبط ما يفعله الآخرون. إنه يتعلّم الخدعة الرئاسية حول انتقاء معارك عالمية مع أشخاص يصفهم اليوم بأنهم "أشرار"، ولم يكن منزعجّا من وجودهم قبل أشهر قليلة خلت؛ إذ سبق له أن أبدى قلّة اهتمامه بكوريا الشمالية، قبل انتخابه، وكان منزعجًا من أن الولايات المتّحدة كانت تدفع لقواعد عسكريّة في كوريا الجنوبية "ولا تحصل على شيء في المقابل".
ترامب نفسه قال أيضًا في إبريل/نيسان الماضي: "نحن نرسل أسطولًا، أسطولًا قويًا للغاية". غير أن هذا الأسطول، كما يستدرك الكاتب، تحوّل بعيدًا عن كوريا الشمالية، والتي لا تحمل التهديد ذاته. ربّما سيفعل الأمر ذاته مع الصواريخ النووية، كما يضيف الكاتب ساخرًا: "سيضعها وينشر تغريدة تقول: هؤلاء الدكتاتوريون السيئون، سيئون جدًّا، لقد أطلقنا صواريخ ضخمة، انفجارات كبيرة. رائع! رائع حقًّا"!
حينما أصبح رئيسًا، قال ترامب ذات مرّة: "سأكون مستعدًّا للحديث وجهًا لوجه مع كيم جونغ أون"، والأمل الرئيسي هو أن يفعل الرئيسان ذلك بحقّ، وأن يتّفقا على مبادلة، كما يقترح الكاتب: "كلّ ستّة أشهر، نحصل نحن في الغرب على القائد الكوري العظيم، وهم يحصلون على ترامب. لا أحد سيلاحظ الفرق، وسنعيش بسعادة في سلام".