تشهد أروقة المنظمات الإنسانية والأوساط الحقوقية، حراكاً بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، قُبيل انعقاد الدورة الجديدة الـ36 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المقرر انعقادها في سبتمبر/أيلول المقبل، في ظل تصاعد الدعوات إلى تشكيل لجنة دولية مستقلة بالانتهاكات، مع تكرار الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات وانتهاكات الانقلابيين، والتي راح ضحيتها العشرات من المدنيين أخيراً.
في هذا السياق، أفادت مصادر حقوقية يمنية قريبة من الحكومة الشرعية، لـ"العربي الجديد"، بأن "تحضيرات تجري من منظمات وهيئات حقوقية مدعومة من الشرعية والتحالف، للمشاركة بتقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، بالتزامن مع الدورة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان المقررة بين 11 سبتمبر وحتى 29 منه، ومن المتوقع أن تركز على الأزمة الإنسانية في اليمن والانتهاكات التي تتُهم فيها مختلف الأطراف".
ووصل إلى العاصمة اليمنية صنعاء، أخيراً، مسؤول أممي رفيع، وهو رضوان نويصر، مستشار الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، للشؤون الإنسانية، فعقد مجموعة لقاءات مع مسؤولين في الحكومة التي تألفت بالمناصفة بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائهم من حزب "المؤتمر" بقيادة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. واستمع المسؤول الأممي إلى شرح حول الوضع الإنساني في البلاد، كما زار ميناء الحديدة، الشريان الرئيسي، للواردات التجارية والمساعدات الإنسانية المقبلة إلى اليمن.
وخلال الأيام الأخيرة، كانت المطالبة التي رفعتها 62 منظمة محلية ودولية معنية بحقوق الإنسان، بما فيها منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أبرز مؤشر على تصاعد الضغوط بتسليط الأضواء على الانتهاكات والمأساة الإنسانية، فطالبت المنظمات بـ"فتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات التي يرتكبها جميع أطراف النزاع".
وأعلن مدير مكتب "هيومن رايتس ووتش" في جنيف، جون فيشر، في البيان الذي تضمن مطالبة 62 منظمة بالتحقيق، أن "الدعم الثابت لتحقيق دولي في انتهاكات اليمن أصبح الآن أقوى بكثير". وأضاف أن "على الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان أن ترتقي إلى مستوى تفويضها ومراعاة هذه الدعوات، وإنشاء فريق يبدأ بإنهاء غياب المساءلة، الذي شكّل حتى الآن الوجه الأبرز لحرب اليمن". وذكر بيان المنظمات الإنسانية، أن "التحالف بقيادة السعودية منذ بدء عملياته في اليمن في 26 مارس/آذار 2015، شنّ عشرات الضربات الجوية غير القانونية التي قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب. كما استخدمت قوات الحوثي وصالح الأسلحة عشوائياً في المناطق المأهولة وفي المدن مثل تعز وعدن، ما قد يرقى أيضاً إلى جرائم حرب".
من جانبها، كثّفت الحكومة التي شكّلها شريكا الانقلاب في العاصمة صنعاء، من دعواتها إلى تحقيق دولي في الأسابيع الأخيرة، فأعلنت وزارة حقوق الإنسان في صنعاء، أن "10 آلاف و373 يمنياً قتلوا جراء القصف المباشر للتحالف، فيما بلغ عدد الذين توفوا جراء الحرب والحصار 247 ألف مواطن، نتيجة انعدام الأدوية وانتشار الأوبئة وسوء التغذية وأمراض الفشل الكلوي".
وجاءت هذه التطورات، في ظل أنباء عن توجه الأمين العام للأمم المتحدة، للمطالبة بإدراج التحالف الذي تقوده السعودية ضمن "القائمة السوداء" للمنظمات والدول، التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق النزاعات، بعد أن كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، أدرج التحالف بالفعل، بالعام الماضي، إلا أن الرياض مارست ضغوطاً على المنظمة الدولية بما فيها التهديد بوقف المساعدات المقدمة لمنظماتها، ما اضطر الأمم المتحدة لشطبها من القائمة في وقت لاحق.
وليست المرة الأولى التي تتصاعد فيها المطالبات بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة بانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، إذ إن المطالبات سبق أن ارتفعت أكثر من مرة، عبر المنظمات الدولية خلال العامين الماضيين، غير أنها هذه المرة، تأتي في ظروف، تبدو مهيئة أكثر، لإثارة القضية على مستوى أكبر، بعد أن وصلت الأزمة الإنسانية في اليمن، إلى وصفها بـ"الأسوأ في العالم"، ومع تكرار الانتهاكات التي يتم ارتكابها من قبل مقاتلات التحالف وكذلك من الحوثيين وحلفائهم من القوات الموالية لصالح.
وكان التحالف والحكومة اليمنية الشرعية، نجحا العام الماضي، بوقف مشروع قرار في مجلس حقوق الإنسان، تقدمت به هولندا بدعم من دول أوروبية أخرى، يطالب بإرسال بعثة لمراقبة الانتهاكات في اليمن، إلا أن التحالف والحكومة نجحا بوقف مشروع القرار، وعوضاً عن ذلك، منح المجلس الثقة، لما يُسمى بـ"اللجنة الوطنية (اليمنية) للتحقيق بادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان"، وهي لجنة حكومية، تصدر تقاريرها بصورة شبه شهرية، حول الانتهاكات التي يُتهم فيها جميع الأطراف، لكنها متهمة بالانحياز للحكومة ويرفض الانقلابيون في صنعاء الاعتراف بتقاريرها المرفوعة.
وبين الآمال والتحركات التي ارتفعت وتيرتها أخيراً للمطالبة بتشكيل "لجنة تحقيق دولية" بالانتهاكات في اليمن، في ظل الوضع الإنساني الذي يتفاقم كل يوم، تقف الأمم المتحدة والأطراف المعنية دولياً أمام اختبار حقيقي، في الدورة المرتقبة لمجلس حقوق الإنسان، والتي ستبين ما إذا كان الوقت قد حان لاتخاذ مثل هذه الخطوة، أو أنها ستلقى مصير سابقاتها من الدعوات والمطالبات.