22 فبراير 2016
محاكمة عسكرية لسيدنا النبي!
ما الذي يحدث لو عاد نبيٌّ إلى الحياة، ورأى ما يفعله أتباعه بالديانة التي دعا إليها؟ سؤال يطرحه الأستاذ عباس محمود العقاد، في كتابه البديع "عبقرية المسيح"، مستشهداً برواية الكاتب الروسي العظيم، فيودور ديستويفسكي (الإخوة كارامازوف)، والتي تخيل أحد أبطالها أن السيد المسيح عاد إلى الأرض، ونزل بإشبيلية في عز سطوة محاكم التفتيش التي سادت الأندلس، فوعظ الناس وصنع المعجزات، وأقبل عليه الضعفاء والمرضى والمحزونون، يسألونه العون، ويبسطون له شكاواهم، ليرى ذلك الحبر الجليل، رئيس ديوان التفتيش، فيأمر باعتقال المسيح فوراً، وإيداعه السجن.
في المساء، يذهب الحبر الطاعن في السن إلى المسيح، ليقول له "إنني أعرفك، ولا أجهلك ولهذا حبستك، لماذا جئت إلى هنا؟ لماذا تعوقنا، وتلقي العثرات والعقبات في سبيلنا. إنك كلّفت الناس ما ليس لهم به طاقة، كلفتهم حرية الضمير، كلفتهم أن يعرفوا الخير والشر لأنفسهم، كلفتهم أوعر المسالك، فلم يطيقوا ما كلفتهم. والآن، وقد عرفنا نحن داءهم، وأعفيناهم من ذلك التكليف، فليس أثقل على الإنسان من حمل الحرية، وليس أسعد منه حين يخف عنه حملها، فينقاد طائعاً لمن يسلبه الحرية، ويوهمه، في الوقت نفسه، بأنه قد أطلقها له، وفوض إليه الأمر في اعتقاده وعمله، فلماذا تكلف الإنسان، من جديد، أن يفتح عينيه، وأن يتطلع إلى المعرفة، وأن يختار لنفسه ما يشاء، وهو لا يعلم ما يشاء. إنك منحتنا السلطان قديماً، وليس لك أن تسترده، وليس في عزمنا أن ننزل عنه، فدع هذا الإنسان لنا وارجع من حيث أتيت، وإلا أسلمناك لهذا الإنسان غداً، وسلّطناه عليك، وحاسبناك بآياتك، وأخذناك بمعجزاتك، ولترين غداً هذا الشعب الذي لثم قدميك، اليوم، مقبلاً علينا، مبتهلاً لنا أن نخلصه منك، وأن ندينك، كما ندين الضحايا من المعذبين والمنحرفين". ويتخيل ديستويفسكي، في نهاية هذه المواجهة، أن المسيح لم ينبس بكلمة، ولم يقابل هذا الوعيد حتى بالعبوس، بل تقدم إلى رئيس ديوان التفتيش، وقبّله، ثم خرج إلى ظلام المدينة، وغاب عن الأنظار.
كثيراً ما كان خطباء المساجد يقولون لنا، في خطبهم الغاضبة، عما كان يمكن أن يحدث لو كان سيدنا النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، حياً بيننا هذه الأيام، وما الذي كان سيقوله لو رأى أحوالنا التي لم تعد تسر عدواً ولا حبيباً. وجرياً على ذلك كما يقول أهل التراث، تخيلت، بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية، أن سيدنا النبي، لو كان حياً بيننا الآن، لكان سيضطر حتماً إلى الهجرة، لكي لا يتعرض للمحاكمة العسكرية، إذا طالب بمحاكمة القيادات العسكرية والأمنية، لمسؤوليتها عن سفك دماء المصريين، أو لكي لا يجد نفسه مسجوناً بتهمة السعي إلى إسقاط الدولة، إذا اعترض على ما يراه من ظلم وفساد يحيط به من كل حدب وصوب، أو لكي لا يتم استهدافه بالرصاص الحي، لو خرج في مظاهرة تضامناً مع طلبة الجامعات الغاضبين، لأن ضباط الشرطة يتشطرون على زملائهم العُزّل، ويفشلون في القبض على الإرهابيين.
ما سيحزنك أكثر أن سيدنا النبي لو كان بيننا، وفكّر حقاً في الهجرة، كما هاجر أصحابه قديماً إلى الحبشة، لما وجد دولة مسلمةً يأمن على نفسه فيها من البطش والقمع، وحتى لو وجد دولة مسلمةً غنيةً، تستضيفه كأي دولة من دول الخليج، فلن يتمكن فيها من نقد ما يراه حوله من بذخ وفساد وتفرقة طبقية وانتهاك لحقوق الإنسان. ولو حاول فعل ذلك، سيُقبض عليه بتهمة التدخل في شؤون الدولة الداخلية، وربما توسط أولاد الحلال لترحيله من دون أذى، ولوجد من يكرر له ما يقال لمن يهاجرون إلى تلك الدول "خليك في حالك، واحمد ربنا، فغيرك يتمنى ما أنت فيه".
حتى دولة داعش التي تدعي، الآن، رفع لواء شريعته، سينتهي به الحال مقتولاً على يدها بالتأكيد، لو اعترض على ما يرتكب فيها من ممارسات إجرامية، تصد الناس عن دين الله الذي دعا إليه، ولن يجد، في نهاية المطاف، سوى الاختيار بين كندا والدنمارك والسويد والنرويج وغيرها من الدول التي ستتيح له، كمهاجر، حرية التعبير عن معتقده، والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، بالضبط، كما تبيح حرية التعبير لمعارضيه، وحتى كارهيه، لكنها ستطبق القانون، بصرامة، على كل من يفكر أن يتعرض له بأذى، وستكفل له حقوقه الإنسانية كاملة، ليرى صلى الله عليه وسلم كم كان الشيخ محمد عبده محقاً، حين قال عبارته التي لا يضع مسلم قدمه في تلك البلاد، إلا وتذكّرها، بما فيهم الذين يعتبرونها كلاماً مبتذلاً: "رأيت هنا إسلاماً بلا مسلمين، وتركت هناك مسلمين بلا إسلام".
في المساء، يذهب الحبر الطاعن في السن إلى المسيح، ليقول له "إنني أعرفك، ولا أجهلك ولهذا حبستك، لماذا جئت إلى هنا؟ لماذا تعوقنا، وتلقي العثرات والعقبات في سبيلنا. إنك كلّفت الناس ما ليس لهم به طاقة، كلفتهم حرية الضمير، كلفتهم أن يعرفوا الخير والشر لأنفسهم، كلفتهم أوعر المسالك، فلم يطيقوا ما كلفتهم. والآن، وقد عرفنا نحن داءهم، وأعفيناهم من ذلك التكليف، فليس أثقل على الإنسان من حمل الحرية، وليس أسعد منه حين يخف عنه حملها، فينقاد طائعاً لمن يسلبه الحرية، ويوهمه، في الوقت نفسه، بأنه قد أطلقها له، وفوض إليه الأمر في اعتقاده وعمله، فلماذا تكلف الإنسان، من جديد، أن يفتح عينيه، وأن يتطلع إلى المعرفة، وأن يختار لنفسه ما يشاء، وهو لا يعلم ما يشاء. إنك منحتنا السلطان قديماً، وليس لك أن تسترده، وليس في عزمنا أن ننزل عنه، فدع هذا الإنسان لنا وارجع من حيث أتيت، وإلا أسلمناك لهذا الإنسان غداً، وسلّطناه عليك، وحاسبناك بآياتك، وأخذناك بمعجزاتك، ولترين غداً هذا الشعب الذي لثم قدميك، اليوم، مقبلاً علينا، مبتهلاً لنا أن نخلصه منك، وأن ندينك، كما ندين الضحايا من المعذبين والمنحرفين". ويتخيل ديستويفسكي، في نهاية هذه المواجهة، أن المسيح لم ينبس بكلمة، ولم يقابل هذا الوعيد حتى بالعبوس، بل تقدم إلى رئيس ديوان التفتيش، وقبّله، ثم خرج إلى ظلام المدينة، وغاب عن الأنظار.
كثيراً ما كان خطباء المساجد يقولون لنا، في خطبهم الغاضبة، عما كان يمكن أن يحدث لو كان سيدنا النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، حياً بيننا هذه الأيام، وما الذي كان سيقوله لو رأى أحوالنا التي لم تعد تسر عدواً ولا حبيباً. وجرياً على ذلك كما يقول أهل التراث، تخيلت، بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية، أن سيدنا النبي، لو كان حياً بيننا الآن، لكان سيضطر حتماً إلى الهجرة، لكي لا يتعرض للمحاكمة العسكرية، إذا طالب بمحاكمة القيادات العسكرية والأمنية، لمسؤوليتها عن سفك دماء المصريين، أو لكي لا يجد نفسه مسجوناً بتهمة السعي إلى إسقاط الدولة، إذا اعترض على ما يراه من ظلم وفساد يحيط به من كل حدب وصوب، أو لكي لا يتم استهدافه بالرصاص الحي، لو خرج في مظاهرة تضامناً مع طلبة الجامعات الغاضبين، لأن ضباط الشرطة يتشطرون على زملائهم العُزّل، ويفشلون في القبض على الإرهابيين.
ما سيحزنك أكثر أن سيدنا النبي لو كان بيننا، وفكّر حقاً في الهجرة، كما هاجر أصحابه قديماً إلى الحبشة، لما وجد دولة مسلمةً يأمن على نفسه فيها من البطش والقمع، وحتى لو وجد دولة مسلمةً غنيةً، تستضيفه كأي دولة من دول الخليج، فلن يتمكن فيها من نقد ما يراه حوله من بذخ وفساد وتفرقة طبقية وانتهاك لحقوق الإنسان. ولو حاول فعل ذلك، سيُقبض عليه بتهمة التدخل في شؤون الدولة الداخلية، وربما توسط أولاد الحلال لترحيله من دون أذى، ولوجد من يكرر له ما يقال لمن يهاجرون إلى تلك الدول "خليك في حالك، واحمد ربنا، فغيرك يتمنى ما أنت فيه".
حتى دولة داعش التي تدعي، الآن، رفع لواء شريعته، سينتهي به الحال مقتولاً على يدها بالتأكيد، لو اعترض على ما يرتكب فيها من ممارسات إجرامية، تصد الناس عن دين الله الذي دعا إليه، ولن يجد، في نهاية المطاف، سوى الاختيار بين كندا والدنمارك والسويد والنرويج وغيرها من الدول التي ستتيح له، كمهاجر، حرية التعبير عن معتقده، والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، بالضبط، كما تبيح حرية التعبير لمعارضيه، وحتى كارهيه، لكنها ستطبق القانون، بصرامة، على كل من يفكر أن يتعرض له بأذى، وستكفل له حقوقه الإنسانية كاملة، ليرى صلى الله عليه وسلم كم كان الشيخ محمد عبده محقاً، حين قال عبارته التي لا يضع مسلم قدمه في تلك البلاد، إلا وتذكّرها، بما فيهم الذين يعتبرونها كلاماً مبتذلاً: "رأيت هنا إسلاماً بلا مسلمين، وتركت هناك مسلمين بلا إسلام".