قبيل أيام من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره حول الاتفاق النووي مع إيران، بين استمرار الالتزام به أو الانسحاب منه، تشهد الساحة الدولية محاولات أوروبية أخيرة لإنقاذ الاتفاق، بالحديث عن عدم وجود بديل له والتحذير من أن إلغاءه يعني إزالة قيود مفروضة على طهران ما يُشكّل بالتالي انتصاراً لها. أما إيران، فتواصل التشديد على أنها جاهزة لكل الاحتمالات، ولن تخضع لأي ضغوط للحد من نفوذها في الشرق الأوسط، فيما وجّهت رسالة لافتة، أمس، بالإشارة إلى استعدادها للاستمرار في الاتفاق مع الأوروبيين حتى لو انسحبت واشنطن منه، بشرط ضمان مصالحها.
وينشغل المسؤولون الأوروبيون في مسعى أخير لإقناع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي، في إعلانه المقرر في 12 مايو/ أيار الحالي، على الرغم من أن تسريبات قبل أيام أشارت إلى أنه اتخذ قراره في هذا الشأن. غير أن ذلك لم يمنع المحاولات الأوروبية، والتي كان أبرزها، أمس، المناشدة البريطانية للرئيس الأميركي بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي، والتشديد على عدم وجود بديل أفضل منه، فضلاً عن التطمينات الألمانية الفرنسية.
وفي موقف بدا كتطمين لطهران، شددت باريس على التزامها بالاتفاق حتى لو انسحبت واشنطن منه. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أمس الإثنين، في مؤتمر صحافي مع نظيره الألماني هايكو ماس في برلين، إن فرنسا وبريطانيا وألمانيا ستبقي على الاتفاق بغض النظر عن قرار الولايات المتحدة، لأنه أفضل سبيل لمنع إيران من تطوير سلاح نووي. وأضاف "لا نعتقد أن هناك ما يبرر الانسحاب من هذا الاتفاق، وسنظل نحاول إقناع أصدقائنا الأميركيين به"، مؤكداً "أننا مصممون على إنقاذ هذا الاتفاق، لأنه يقينا من الانتشار النووي ويشكّل الوسيلة الجيدة لتفادي حصول إيران على السلاح النووي".
من جهته، قال ماس إن بلاده لا ترى أي سبب لإلغاء الاتفاق وستفعل كل ما هو ممكن في سبيل الإبقاء عليه. وأضاف "ما زلنا نرى أن هذا الاتفاق يجعل العالم أكثر أمناً ومن دونه سيكون العالم أقل أمناً". وأوضح أنه تم تقديم "مقترحات جيدة" خلال الأسابيع القليلة الماضية لتصحيح الاتفاق، من دون تقديم أي إيضاحات بشأنها، معرباً عن خشيته من "أن يؤدي الفشل إلى تصعيد" في الشرق الأوسط.
وفي مقالة نشرها في صحيفة "نيويورك تايمز" قبل اجتماعه مع مسؤولين أميركيين في واشنطن، أمس، كتب وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون "عند هذا المنعطف الدقيق، سيكون من الخطأ التخلي عن الاتفاق النووي وإزالة القيود التي وضعها على إيران". وأضاف أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مُنحوا صلاحيات إضافية لمراقبة المنشآت النووية الإيرانية، الأمر الذي "يزيد من احتمال رصدهم أي محاولة لصنع سلاح" من هذا النوع. وأضاف جونسون "الآن، بعد وضع هذه الأصفاد في مكانها، لا أرى أي ميزة محتملة في وضعها جانباً. إيران ستكون الرابح الوحيد من التخلي عن القيود المفروضة على برنامجها النووي، وأعتقد أن إبقاء القيود التي وضعها الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني سيساعد أيضاً في التصدي لسلوك إيران العدواني الإقليمي"، متابعاً "هناك أمر واحد أنا واثق منه: كل بديل متاح أسوأ (من الاتفاق). المسار الأكثر حكمة يتمثّل في تحسين الأصفاد بدلاً من كسرها".
اقــرأ أيضاً
على الجهة المقابلة، كانت إيران ترفع السقف، مع توجيه رسائل إيجابية للأوروبيين. ولمّح الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أن بلاده يمكنها الالتزام بالاتفاق النووي حتى إذا انسحبت الولايات المتحدة منه، لكنها ستقاوم بضراوة الضغوط الأميركية الرامية إلى الحد من نفوذ طهران في الشرق الأوسط، معتبراً أن أميركا ستكون المتضرر الأول من إنهاء الاتفاق النووي. وقال روحاني في كلمة له أمس بثها التلفزيون الرسمي، إن إيران كانت تعدّ نفسها لكل الاحتمالات بما في ذلك الاستمرار في الاتفاق من دون الولايات المتحدة، ليظل يشمل الموقّعين الأوروبيين بالإضافة إلى الصين وروسيا، أو إلغاء الاتفاق برمته. وأضاف "لسنا قلقين بشأن قرارات أميركا المجحفة... نحن مستعدون لكل الاحتمالات ولن يحدث أي تغيير في حياتنا في الأسبوع المقبل". وتابع "إذا تمكّنا من الحصول على ما نريد من الاتفاق من دون أميركا، فإن إيران ستظل ملتزمة بالاتفاق. ما تريده إيران هو أن يضمن الموقّعون غير الأميركيين مصالحنا... في هذه الحالة فإن التخلص من الوجود الأميركي المؤذي سيكون مناسباً لإيران". روحاني، الذي أشرف على الاتفاق النووي، قال "إذا أرادوا التأكد من أننا لا نسعى لامتلاك قنبلة نووية فقد قلنا لهم مراراً وتكراراً إننا لا نسعى ولن نسعى... لكن إذا ما أرادوا إضعاف إيران والحد من نفوذها سواء في المنطقة أو العالم فستقاوم إيران بضراوة".
في السياق نفسه، حذر وزير الخارجية محمد جواد ظريف من أن "الرد القاسي على انتهاك الاتفاق النووي مع القوى العالمية لن يسر أميركا". وذكرت وكالة "مهر" أن ظريف الذي اجتمع مع نواب في البرلمان الإيراني، شدد على أن طهران ستخرج من الاتفاق إذا ما قررت واشنطن ذلك من جهتها. كما قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي في مؤتمر صحافي، إنه "ليست هناك اتفاقات جديدة بين إيران والأوروبيين بشأن الاتفاق". وشدد على أن خروج واشنطن من الاتفاق سيؤدي لتبعات مؤلمة وثقيلة ستدفعها الولايات المتحدة التي ستندم على فعلتها. وعن الخيارات التي تتحدث عنها إيران، أوضح قاسمي أن الخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية سيكون واحداً منها.
وعلى الرغم من النبرة الإيرانية العالية، إلا أن طهران تفضّل أن يبقى الاتفاق النووي قائماً، كما نقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسيين لم تسمهم، أشاروا إلى أن طهران تتخوف من تجدد الاضطرابات المحلية بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت على مدى سنوات بسبب العقوبات. في المقابل، وحتى إذا رفض ترامب الحل المحتمل الذي يعمل عليه مسؤولون أميركيون وأوروبيون "لتصحيح" الاتفاق، وقرر إعادة فرض العقوبات على إيران، فإن الإجراءات الأميركية الأكثر قسوة التي تستهدف مبيعات النفط الإيرانية لن تستأنف على الفور. وبحسب وكالة "رويترز"، هناك طريقان على الأقل يوفران مزيداً من الوقت لإجراء محادثات بعد 12 مايو. إذ يتضمن الاتفاق فقرة تتعلق بحل الخلافات تعطي مهلة 35 يوماً على الأقل لدراسة أي زعم بأن أحد أطرافه قد انتهك شروطه. ويمكن تمديد المهلة بموافقة كل الأطراف. بينما إذا أعاد ترامب فرض العقوبات الأساسية يتعين عليه الانتظار 180 يوماً على الأقل قبل فرض عقوبات على بنوك الدول التي لم تخفض مشترياتها من النفط الإيراني.
(فرانس برس، رويترز)
وينشغل المسؤولون الأوروبيون في مسعى أخير لإقناع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي، في إعلانه المقرر في 12 مايو/ أيار الحالي، على الرغم من أن تسريبات قبل أيام أشارت إلى أنه اتخذ قراره في هذا الشأن. غير أن ذلك لم يمنع المحاولات الأوروبية، والتي كان أبرزها، أمس، المناشدة البريطانية للرئيس الأميركي بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي، والتشديد على عدم وجود بديل أفضل منه، فضلاً عن التطمينات الألمانية الفرنسية.
من جهته، قال ماس إن بلاده لا ترى أي سبب لإلغاء الاتفاق وستفعل كل ما هو ممكن في سبيل الإبقاء عليه. وأضاف "ما زلنا نرى أن هذا الاتفاق يجعل العالم أكثر أمناً ومن دونه سيكون العالم أقل أمناً". وأوضح أنه تم تقديم "مقترحات جيدة" خلال الأسابيع القليلة الماضية لتصحيح الاتفاق، من دون تقديم أي إيضاحات بشأنها، معرباً عن خشيته من "أن يؤدي الفشل إلى تصعيد" في الشرق الأوسط.
وفي مقالة نشرها في صحيفة "نيويورك تايمز" قبل اجتماعه مع مسؤولين أميركيين في واشنطن، أمس، كتب وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون "عند هذا المنعطف الدقيق، سيكون من الخطأ التخلي عن الاتفاق النووي وإزالة القيود التي وضعها على إيران". وأضاف أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مُنحوا صلاحيات إضافية لمراقبة المنشآت النووية الإيرانية، الأمر الذي "يزيد من احتمال رصدهم أي محاولة لصنع سلاح" من هذا النوع. وأضاف جونسون "الآن، بعد وضع هذه الأصفاد في مكانها، لا أرى أي ميزة محتملة في وضعها جانباً. إيران ستكون الرابح الوحيد من التخلي عن القيود المفروضة على برنامجها النووي، وأعتقد أن إبقاء القيود التي وضعها الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني سيساعد أيضاً في التصدي لسلوك إيران العدواني الإقليمي"، متابعاً "هناك أمر واحد أنا واثق منه: كل بديل متاح أسوأ (من الاتفاق). المسار الأكثر حكمة يتمثّل في تحسين الأصفاد بدلاً من كسرها".
على الجهة المقابلة، كانت إيران ترفع السقف، مع توجيه رسائل إيجابية للأوروبيين. ولمّح الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أن بلاده يمكنها الالتزام بالاتفاق النووي حتى إذا انسحبت الولايات المتحدة منه، لكنها ستقاوم بضراوة الضغوط الأميركية الرامية إلى الحد من نفوذ طهران في الشرق الأوسط، معتبراً أن أميركا ستكون المتضرر الأول من إنهاء الاتفاق النووي. وقال روحاني في كلمة له أمس بثها التلفزيون الرسمي، إن إيران كانت تعدّ نفسها لكل الاحتمالات بما في ذلك الاستمرار في الاتفاق من دون الولايات المتحدة، ليظل يشمل الموقّعين الأوروبيين بالإضافة إلى الصين وروسيا، أو إلغاء الاتفاق برمته. وأضاف "لسنا قلقين بشأن قرارات أميركا المجحفة... نحن مستعدون لكل الاحتمالات ولن يحدث أي تغيير في حياتنا في الأسبوع المقبل". وتابع "إذا تمكّنا من الحصول على ما نريد من الاتفاق من دون أميركا، فإن إيران ستظل ملتزمة بالاتفاق. ما تريده إيران هو أن يضمن الموقّعون غير الأميركيين مصالحنا... في هذه الحالة فإن التخلص من الوجود الأميركي المؤذي سيكون مناسباً لإيران". روحاني، الذي أشرف على الاتفاق النووي، قال "إذا أرادوا التأكد من أننا لا نسعى لامتلاك قنبلة نووية فقد قلنا لهم مراراً وتكراراً إننا لا نسعى ولن نسعى... لكن إذا ما أرادوا إضعاف إيران والحد من نفوذها سواء في المنطقة أو العالم فستقاوم إيران بضراوة".
وعلى الرغم من النبرة الإيرانية العالية، إلا أن طهران تفضّل أن يبقى الاتفاق النووي قائماً، كما نقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسيين لم تسمهم، أشاروا إلى أن طهران تتخوف من تجدد الاضطرابات المحلية بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت على مدى سنوات بسبب العقوبات. في المقابل، وحتى إذا رفض ترامب الحل المحتمل الذي يعمل عليه مسؤولون أميركيون وأوروبيون "لتصحيح" الاتفاق، وقرر إعادة فرض العقوبات على إيران، فإن الإجراءات الأميركية الأكثر قسوة التي تستهدف مبيعات النفط الإيرانية لن تستأنف على الفور. وبحسب وكالة "رويترز"، هناك طريقان على الأقل يوفران مزيداً من الوقت لإجراء محادثات بعد 12 مايو. إذ يتضمن الاتفاق فقرة تتعلق بحل الخلافات تعطي مهلة 35 يوماً على الأقل لدراسة أي زعم بأن أحد أطرافه قد انتهك شروطه. ويمكن تمديد المهلة بموافقة كل الأطراف. بينما إذا أعاد ترامب فرض العقوبات الأساسية يتعين عليه الانتظار 180 يوماً على الأقل قبل فرض عقوبات على بنوك الدول التي لم تخفض مشترياتها من النفط الإيراني.
(فرانس برس، رويترز)