31 مارس 2019
محاولة لتفسير انسحاب ترامب من الاتفاق النووي
مثلما كان متوقعاً، نفّذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديده بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وتجر هذه الخطوة إلى إعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران ويمس القرار جميع المؤسسات الصناعية والمالية التي تتعامل مع طهران.
هكذا يكون ترمب قد جسد وعده الانتخابي وموقفه الرافض للاتفاق النووي، مبررات الرفض حسب الرجل المثير للجدل في البيت الأبيض أن الاتفاق لم يتناول كبح إيران عن تطوير منظومتها الصاروخية ولم يلجم أطماعها الإقليمية التوسعية في المنطقة.
يسأل بعض المراقبين هل كانت تلك الحجج كافية للانسحاب أم هي تداعيات عودة المحافظون الجدد إلى السلطة، وبالتالي إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد، ما هي انعكاسات هذا القرار على الأرض بين الأطراف الإقليمية؟ ما هي الترتيبات المستقبلية التي سيخلفها هذا الانسحاب؟
يصعب التكهن في التطورات المستقبلية لقرار الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي فمواقف الشركاء في الاتفاق ضد الخطوة الأميركية. فقد دعت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني المجتمع الدولي إلى الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران وشددت بريطانيا وألمانيا وفرنسا على عدم اتخاذ خطوات تعرقل تنفيذ الدول الأخرى للاتفاق النووي المبرم مع إيران.
وقال زعماء بريطانيا وألمانيا وفرنسا في بيان مشترك أصدره مكتب رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي "نحث الولايات المتحدة على عدم المساس بهيكل الاتفاق النووي وتجنب اتخاذ إجراءات تعرقل تنفيذه بالكامل من قبل الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق".
نفس الموقف عبرت عنه كل من روسيا والصين وتركيا ودعا الأمين العام الأمم المتحدة جميع الأطراف للالتزام بتعهداتها تجاه الاتفاق، مبررات الجانب الأوروبي والروسي والتركي هي الحرص على عدم إثارة المزيد من التوتر والانزلاقات في المنطقة وخلق بؤر التوتر في الشرق الأوسط الملتهب أصلا، فتداعيات الفوضى في الشرق الاوسط انعكست سلبا على دول المنطقة حتى الأوروبية منها التي شهدت عمليات إرهابية على أراضيها وتوافد الآلاف من المهاجرين عليها في أكبر نزوح تعرفه أوروبا في التاريخ الحديث.
الموقف الأوربي تجاه طهران يتجه نحو تبني خطوة سياسة الاحتواء، الكفيلة بإخضاع إيران للمجموعة الدولية بدل سياسة المصادمة والتصعيد، في المقابل يعتقد الجانب الخليجي والإسرائيلي أن الاتفاق ترك المبادرة لإيران ما أمدها بالمزيد من القوة والتغول والطموح التوسعي في المنطقة وباتت إيران تسيطر على المشهد السياسي في العراق ولبنان وتوظف البعد الطائفي في الصراع مع البحرين واليمن وسورية.
فحسب موقع "إيران نيوز" بلغ حجم التمويل الإيراني في الشرق الأوسط مائة مليار دولار ورفع العقوبات يزيد من حجم التمويل والإنفاق العسكري الإيراني.
في سياق مرتبط تؤكد مصادر إعلامية أميركية وخليجية أن خيار المواجهة العسكرية المباشر غير وارد ولا توجد رغبة لدى الجانب الخليجي في إسقاط نظام الملالي، بل تحرّض الإدارة الأميركية على ترهيب طهران قصد تقويض نفوذها في المنطقة عبر إضعافها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وعبر محاولة توجيه الرأي العام الإيراني كي يدرك مساوئ السياسة الخارجية الايرانية والاعتماد على التصعيد الداخلي قصد المطالبة بالتراجع من حجم الإنفاق العسكري، فالتجربة العراقية أبانت عن محدودية إسقاط الأنظمة عبر التدخلات العسكرية، فالوضع الإيراني أعقد من المشهد العراقي من حيث تنوع العرقيات والمكونات الإثنية..
في سياق آخر، هناك قناعة لدى الجانب الأوروبي بأن الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على إيران أبان عن محدودية النتائج في إعادة رسم السياسة الخارجية الإيرانية، بل تعاظم حجم التلاحم الشعبي حول قيادته السياسية والدينية برغم الاحتجاجات الاجتماعية التي لم ترتق إلى المطالب السياسية، فالديمقراطية الشكلية في إيران وحرية الصحافة النسبية والحراك الشبابي في الجامعات أعطت دفعا في وجود معارضة داخلية منتظمة وفق الأطر الثقافية والمرجعية الدينية المحلية..
وبالتالي فالمقاربة الاحتوائية هي القادرة على التغيير في بيئة أكثر استقرارا والاعتماد على الرخاء الاجتماعي والتنمية الاقتصادية في إيران عبر الانفتاح الاقتصادي والسوق الحرة أمام الشركات العالمية سيكون له الأثر الايجابي في الانفتاح السياسي الإيراني والتحرر الاجتماعي، أما التغول الإيراني في المنطقة فهو سبب فشل في الاستشراف السياسي وعدم قدرة الأنظمة العربية في إدارة الحركات الاحتجاجية والربيع العربي.
لقد شكل العراق بقيادة صدام حسين، ورغم مساوئ النظام، محور وعامل توازن قوى في المنطقة ضد التوسع العقائدي الإيراني، فالعراق كان يمتلك مؤسسات عسكرية وهياكل مدنية وتأطيرا إيديولوجيا قوميا جعل منه عنصرا فعالا في كبح الأطماع الإيرانية في المنطقة، وانهيار النظام البعثي ترك فراغا كان على إيران ملؤه في ظل عجز الأنظمة العربية في احتواء المتغيرات.
أخيراً، إن عودة الدوائر الصناعية البترولية والمجمعات العسكرية إلى الهيمنة على السياسة الخارجية الأميركية يعيد المنطقة إلى نقطة الصراع والمزيد من الاشتعال والتوتر والفوضى، لكن في مرحلة مختلفة تماما عن مرحلة انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، اليوم نشاهد صعود دول متنامية أكثر وعودة التحالفات والاستقطابات غير الأيديولوجية بل وفق المصالح الاقتصادية التي تعمل على إعادة رسم معادلات جيوسياسية في خلق توازن في أحادية القطبية والعولمة والتعولم حسب الرؤية الأميركية المسيطرة على الثالوث المقدس: صندوق النقد الدولي - البنك العالمي - منظمة التجارة العالمية، إضافة إلى التداول العالمي للدولار.
هناك شعور متقاسم بين الدول أن السيطرة الأميركية لم تصنع السلم العالمي بقدر ما كانت وراء إشعال فتيل الحروب والاقتتال في المنطقة، هناك حرص دولي على التوسع التشاركي في رسم منظومة عالمية موحدة يضم العالم الفارسي والعربي والأوروبي والآسيوي والأفريقي هو الوحيد الكفيل بتحقيق الاستقرار العالمي ودفع الأنظمة إلى المزيد من الدمقرطة واحترام حقوق الإنسان.
هكذا يكون ترمب قد جسد وعده الانتخابي وموقفه الرافض للاتفاق النووي، مبررات الرفض حسب الرجل المثير للجدل في البيت الأبيض أن الاتفاق لم يتناول كبح إيران عن تطوير منظومتها الصاروخية ولم يلجم أطماعها الإقليمية التوسعية في المنطقة.
يسأل بعض المراقبين هل كانت تلك الحجج كافية للانسحاب أم هي تداعيات عودة المحافظون الجدد إلى السلطة، وبالتالي إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد، ما هي انعكاسات هذا القرار على الأرض بين الأطراف الإقليمية؟ ما هي الترتيبات المستقبلية التي سيخلفها هذا الانسحاب؟
يصعب التكهن في التطورات المستقبلية لقرار الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي فمواقف الشركاء في الاتفاق ضد الخطوة الأميركية. فقد دعت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني المجتمع الدولي إلى الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران وشددت بريطانيا وألمانيا وفرنسا على عدم اتخاذ خطوات تعرقل تنفيذ الدول الأخرى للاتفاق النووي المبرم مع إيران.
وقال زعماء بريطانيا وألمانيا وفرنسا في بيان مشترك أصدره مكتب رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي "نحث الولايات المتحدة على عدم المساس بهيكل الاتفاق النووي وتجنب اتخاذ إجراءات تعرقل تنفيذه بالكامل من قبل الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق".
نفس الموقف عبرت عنه كل من روسيا والصين وتركيا ودعا الأمين العام الأمم المتحدة جميع الأطراف للالتزام بتعهداتها تجاه الاتفاق، مبررات الجانب الأوروبي والروسي والتركي هي الحرص على عدم إثارة المزيد من التوتر والانزلاقات في المنطقة وخلق بؤر التوتر في الشرق الأوسط الملتهب أصلا، فتداعيات الفوضى في الشرق الاوسط انعكست سلبا على دول المنطقة حتى الأوروبية منها التي شهدت عمليات إرهابية على أراضيها وتوافد الآلاف من المهاجرين عليها في أكبر نزوح تعرفه أوروبا في التاريخ الحديث.
الموقف الأوربي تجاه طهران يتجه نحو تبني خطوة سياسة الاحتواء، الكفيلة بإخضاع إيران للمجموعة الدولية بدل سياسة المصادمة والتصعيد، في المقابل يعتقد الجانب الخليجي والإسرائيلي أن الاتفاق ترك المبادرة لإيران ما أمدها بالمزيد من القوة والتغول والطموح التوسعي في المنطقة وباتت إيران تسيطر على المشهد السياسي في العراق ولبنان وتوظف البعد الطائفي في الصراع مع البحرين واليمن وسورية.
فحسب موقع "إيران نيوز" بلغ حجم التمويل الإيراني في الشرق الأوسط مائة مليار دولار ورفع العقوبات يزيد من حجم التمويل والإنفاق العسكري الإيراني.
في سياق مرتبط تؤكد مصادر إعلامية أميركية وخليجية أن خيار المواجهة العسكرية المباشر غير وارد ولا توجد رغبة لدى الجانب الخليجي في إسقاط نظام الملالي، بل تحرّض الإدارة الأميركية على ترهيب طهران قصد تقويض نفوذها في المنطقة عبر إضعافها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وعبر محاولة توجيه الرأي العام الإيراني كي يدرك مساوئ السياسة الخارجية الايرانية والاعتماد على التصعيد الداخلي قصد المطالبة بالتراجع من حجم الإنفاق العسكري، فالتجربة العراقية أبانت عن محدودية إسقاط الأنظمة عبر التدخلات العسكرية، فالوضع الإيراني أعقد من المشهد العراقي من حيث تنوع العرقيات والمكونات الإثنية..
في سياق آخر، هناك قناعة لدى الجانب الأوروبي بأن الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على إيران أبان عن محدودية النتائج في إعادة رسم السياسة الخارجية الإيرانية، بل تعاظم حجم التلاحم الشعبي حول قيادته السياسية والدينية برغم الاحتجاجات الاجتماعية التي لم ترتق إلى المطالب السياسية، فالديمقراطية الشكلية في إيران وحرية الصحافة النسبية والحراك الشبابي في الجامعات أعطت دفعا في وجود معارضة داخلية منتظمة وفق الأطر الثقافية والمرجعية الدينية المحلية..
وبالتالي فالمقاربة الاحتوائية هي القادرة على التغيير في بيئة أكثر استقرارا والاعتماد على الرخاء الاجتماعي والتنمية الاقتصادية في إيران عبر الانفتاح الاقتصادي والسوق الحرة أمام الشركات العالمية سيكون له الأثر الايجابي في الانفتاح السياسي الإيراني والتحرر الاجتماعي، أما التغول الإيراني في المنطقة فهو سبب فشل في الاستشراف السياسي وعدم قدرة الأنظمة العربية في إدارة الحركات الاحتجاجية والربيع العربي.
لقد شكل العراق بقيادة صدام حسين، ورغم مساوئ النظام، محور وعامل توازن قوى في المنطقة ضد التوسع العقائدي الإيراني، فالعراق كان يمتلك مؤسسات عسكرية وهياكل مدنية وتأطيرا إيديولوجيا قوميا جعل منه عنصرا فعالا في كبح الأطماع الإيرانية في المنطقة، وانهيار النظام البعثي ترك فراغا كان على إيران ملؤه في ظل عجز الأنظمة العربية في احتواء المتغيرات.
أخيراً، إن عودة الدوائر الصناعية البترولية والمجمعات العسكرية إلى الهيمنة على السياسة الخارجية الأميركية يعيد المنطقة إلى نقطة الصراع والمزيد من الاشتعال والتوتر والفوضى، لكن في مرحلة مختلفة تماما عن مرحلة انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، اليوم نشاهد صعود دول متنامية أكثر وعودة التحالفات والاستقطابات غير الأيديولوجية بل وفق المصالح الاقتصادية التي تعمل على إعادة رسم معادلات جيوسياسية في خلق توازن في أحادية القطبية والعولمة والتعولم حسب الرؤية الأميركية المسيطرة على الثالوث المقدس: صندوق النقد الدولي - البنك العالمي - منظمة التجارة العالمية، إضافة إلى التداول العالمي للدولار.
هناك شعور متقاسم بين الدول أن السيطرة الأميركية لم تصنع السلم العالمي بقدر ما كانت وراء إشعال فتيل الحروب والاقتتال في المنطقة، هناك حرص دولي على التوسع التشاركي في رسم منظومة عالمية موحدة يضم العالم الفارسي والعربي والأوروبي والآسيوي والأفريقي هو الوحيد الكفيل بتحقيق الاستقرار العالمي ودفع الأنظمة إلى المزيد من الدمقرطة واحترام حقوق الإنسان.