محاولة لتفسير ظاهرة ترامب
ميشال نوفل
مواليد 1945، دبلوم دراسات عليا من جامعة السوربون في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر. مشارك في هيئة تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية وباحث في شؤون الشرق الأوسط، خصوصاً الصراع العربي الاسرائيلي والعلاقات العربية التركية والعربية الإيرانية.
أظهر وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، محملا بخطاب عنصري وانعزالي، انقساماً عميقاً داخل المجتمع الأميركي، وانهياراً في المنظومة الليبرالية، بينما أثارت مواقف الرئيس الأميركي الجديد إزاء الاتحاد الأوروبي والصين والعالم الإسلامي، ردود فعل غاضبة وشاجبة على المستويين الرسمي والشعبي. هنا، محاولة لتفسير الظاهرة الترامبية على خلفية تفكيك النظام الأميركي وأزمة المنظومة العالمية.
الفكرة الأساسية للمقاربة يمكن عرضها كالآتي:
العالم يكشف عن أنه يمكن أن يختار بين منظومة تراتبية توفر امتيازاتٍ حسب الموقع في السلم الهرمي ومنظومة أخرى ديموقراطية تعدّدية تبدي فيها الأمم والشعوب استعداداً أكبر للصراع من أجل حقوقها، وتحفظاً أكبر على سردية الأقوياء. في المقابل، تكتشف أميركا احتمال التخلي عن دورها المحوري، لعجزها عن التصرّف بمسؤولية وعقلانية في إدارة الأزمات الكبرى، التي تهدّد مصير البشرية (بدليل انسحابها من الجهد الدولي لمكافحة الكارثة البيئية، وانحيازها إلى إسرائيل ضد الإجماع الدولي على إزالة الاحتلال والاستيطان). وقد تدرك أن الحمائية تحت شعار أميركا أولاً لا تنفع في علاج مشكلة التبعية الاقتصادية إزاء العالم الأوروآسيوي.
إذن، تواجه الكرة الأرضيّة في هذه الحالة المفارقة، انقلاباً مزدوجاً: انقلاب علاقة التبعية بين العالم والولايات المتحدة؛ وانقلاباً في الدينامية الديموقراطية التي صارت سلبية في أميركا، وإيجابية في أوراسيا.
وفي ضوء هذا التحول التاريخي، يمكن أن نفهم الغرابة الظاهرة لمواقف إدارة ترامب وتدابيرها، إذ لم يعد الهدف السامي للولايات المتحدة الدفاع عن منظومة عالمية ليبرالية تفقد مكوناتها سريعاً في أميركا نفسها، وباتت الأولوية للاستحواذ على السلع المتنوعة والرساميل، حيث صار الهدف الاستراتيجي الرئيسي لأميركا السيطرة على الموارد العالمية وتفكيك الموانع التي تحول دون ذلك، ولا سيما منطقة اليورو والصين. إلا أن القوة المتراجعة للولايات المتحدة، اقتصادياً وعسكرياً وأيديولوجياً، لم تعد تسمح لها بالتحكّم فعلاً بعالم جيوسياسي واسع جداً ومليء بالحيوية، ويموج بالتيارات المناهضة للعولمة الرأسمالية وحركات الحقوق المدنية.
تصطدم إزاحة المعوقات الحقيقية أمام إحياء "عظمة أميركا" بلاعبين استراتيجيين، تتقدمهم الصين وأوروبا وروسيا، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف، في أي حال، لأنه يتجاوز القدرة الأميركية. ولذلك يتعين على أميركا أن تعتمد التفاوض مع هؤلاء اللاعبين والتنازل، كما عليها، في الوقت نفسه، إيجاد حل حقيقي لمعضلة التبعية الاقتصادية، الأمر الذي لا يمنع الأوليغارشية الأميركية من محاولة التمترس والتشبث للبقاء على الأقل رمزياً "مركز العالم"، والعمل لهذه الغاية على مسرحة "قوتها الكلية" في وجه الأوروبيين والصينيين والمسلمين، عبر التركيز على قوىً لا تمثل تهديداً للولايات المتحدة، مثل "داعش" وكوريا وإيران؛ وفضيلة هذه القوى أنها تتيح لها البقاء في قلب العالم، بعيداً عن الإجهاد الناتج من محاولات تأخير ظهور أقطاب رئيسيين مدعوين إلى مشاركة الولايات المتحدة في بناء منظومة عالميه جديدة: الصين وأوروبا وروسيا والهند واليابان.
الفكرة الأساسية للمقاربة يمكن عرضها كالآتي:
العالم يكشف عن أنه يمكن أن يختار بين منظومة تراتبية توفر امتيازاتٍ حسب الموقع في السلم الهرمي ومنظومة أخرى ديموقراطية تعدّدية تبدي فيها الأمم والشعوب استعداداً أكبر للصراع من أجل حقوقها، وتحفظاً أكبر على سردية الأقوياء. في المقابل، تكتشف أميركا احتمال التخلي عن دورها المحوري، لعجزها عن التصرّف بمسؤولية وعقلانية في إدارة الأزمات الكبرى، التي تهدّد مصير البشرية (بدليل انسحابها من الجهد الدولي لمكافحة الكارثة البيئية، وانحيازها إلى إسرائيل ضد الإجماع الدولي على إزالة الاحتلال والاستيطان). وقد تدرك أن الحمائية تحت شعار أميركا أولاً لا تنفع في علاج مشكلة التبعية الاقتصادية إزاء العالم الأوروآسيوي.
إذن، تواجه الكرة الأرضيّة في هذه الحالة المفارقة، انقلاباً مزدوجاً: انقلاب علاقة التبعية بين العالم والولايات المتحدة؛ وانقلاباً في الدينامية الديموقراطية التي صارت سلبية في أميركا، وإيجابية في أوراسيا.
وفي ضوء هذا التحول التاريخي، يمكن أن نفهم الغرابة الظاهرة لمواقف إدارة ترامب وتدابيرها، إذ لم يعد الهدف السامي للولايات المتحدة الدفاع عن منظومة عالمية ليبرالية تفقد مكوناتها سريعاً في أميركا نفسها، وباتت الأولوية للاستحواذ على السلع المتنوعة والرساميل، حيث صار الهدف الاستراتيجي الرئيسي لأميركا السيطرة على الموارد العالمية وتفكيك الموانع التي تحول دون ذلك، ولا سيما منطقة اليورو والصين. إلا أن القوة المتراجعة للولايات المتحدة، اقتصادياً وعسكرياً وأيديولوجياً، لم تعد تسمح لها بالتحكّم فعلاً بعالم جيوسياسي واسع جداً ومليء بالحيوية، ويموج بالتيارات المناهضة للعولمة الرأسمالية وحركات الحقوق المدنية.
تصطدم إزاحة المعوقات الحقيقية أمام إحياء "عظمة أميركا" بلاعبين استراتيجيين، تتقدمهم الصين وأوروبا وروسيا، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف، في أي حال، لأنه يتجاوز القدرة الأميركية. ولذلك يتعين على أميركا أن تعتمد التفاوض مع هؤلاء اللاعبين والتنازل، كما عليها، في الوقت نفسه، إيجاد حل حقيقي لمعضلة التبعية الاقتصادية، الأمر الذي لا يمنع الأوليغارشية الأميركية من محاولة التمترس والتشبث للبقاء على الأقل رمزياً "مركز العالم"، والعمل لهذه الغاية على مسرحة "قوتها الكلية" في وجه الأوروبيين والصينيين والمسلمين، عبر التركيز على قوىً لا تمثل تهديداً للولايات المتحدة، مثل "داعش" وكوريا وإيران؛ وفضيلة هذه القوى أنها تتيح لها البقاء في قلب العالم، بعيداً عن الإجهاد الناتج من محاولات تأخير ظهور أقطاب رئيسيين مدعوين إلى مشاركة الولايات المتحدة في بناء منظومة عالميه جديدة: الصين وأوروبا وروسيا والهند واليابان.
دلالات
ميشال نوفل
مواليد 1945، دبلوم دراسات عليا من جامعة السوربون في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر. مشارك في هيئة تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية وباحث في شؤون الشرق الأوسط، خصوصاً الصراع العربي الاسرائيلي والعلاقات العربية التركية والعربية الإيرانية.
ميشال نوفل