خاوية طرقها وشوارعها، ذاك حال العاصمة الجزائرية وهي تودّع شهر رمضان وتستقبل عيد الفطر، بطعم "اليُتم" المفروض عليها بسبب هروب سكانها نحو مدنهم الأصلية، حيث يفضلون توديعها لأيام معدودات خلال هذه المناسبة، ففرحة العيد السعيد لا تكتمل بعيدا عن العائلة.
إنها الحقيقة التي تعكسها محطات المسافرين وسيارات الأجرة، ومحطة القطار بـ"آغا"، حيث تكتظ بالمسافرين وطالبي تذاكر العودة إلى الديار، هكذا قال السيد آكلي السعيد لـ"العربي الجديد" الذي كان رفقة أسرته، "فالعيد بعيدا عن العائلة الكبيرة لا طعم له"، مضيفا أنه يفضل قضاء عيد الفطر في قريته بـ"بوغني" بولاية تيزي وزو (110 كيلومترات شرقي العاصمة الجزائرية) ليعود إلى العاصمة بداية الأسبوع المقبل.
وعلى غير العادة، تعجّ محطة "الخروبة" في العاصمة بالمسافرين المتوجهين إلى مختلف ولايات الوطن الداخلية خصوصا، وهي نفس الصورة التي تتكرر في الجزائر عند اقتراب الأعياد والمناسبات الدينية، حيث ينتهز الآلاف من العمال والموظفين والطلبة الفرصة للمغادرة عشية العيد لقضائه رفقة الأهل والأقارب، لكن سرعان ما تبدأ معهم رحلة البحث عن وسيلة نقل تقلّهم إلى بعض الولايات الداخلية.
الاكتظاظ الكبير الذي تشهده وسائل النقل يخلق حالة من الفوضى يذهب ضحيتها المواطن، رغم التبريرات التي يقدمها الناقلون، وهو ما تمت معاينته في محطة "الخروبة"، خاصة على مستوى الخطوط الطويلة، سواء من العاصمة نحو وهران وغرداية وسيدي بلعباس وقسنطينة وتبسة وسوق أهراس، أو غيرها من الخطوط البرية التي تجذب إليها عشية الأعياد الآلاف من الزبائن.
كما اشتكى الكثيرون، في تصريحات متفرقة لـ"العربي الجديد"، من المنطق الذي يفرضه عدد من الناقلين، حيث يرفعون تسعيرة النقل في مثل هذه المناسبات، على حساب المواطن، بل ويقرّون قانونهم ومنطقهم الخاص، في غياب الرقابة، ما يعقّد المهمة أكثر ويعطل الحركة خلال أيام العيد.
أمام التدفق الكبير للمسافرين، تنتعش حركة النقل السري، ويغزو الناقلون المحطات، ويقتنصون الفرصة للحصول على زبائن، "بل إنهم وجدوا ضالتهم خلال هذه الأيام في غياب عيون المراقبة الخاصة بالمحطات، فغاية الزبون هي الوصول إلى بيته، أما الناقل فهدفه الربح ويفرض منطق السعر على زبائنه"، يقول ياسين لـ"العربي الجديد"، الذي كان برفقة ثلاثة آخرين متوجهين نحو مدينة عنابة في أقصى الشرق الجزائري، مضيفا أنهم رضخوا للأمر الواقع، فلا أحلى من العيد رفقة العائلة وتغيير جو ضغط العاصمة الجزائرية.
لكن رغم هذا الضغط، فإن العودة إلى العاصمة الجزائرية حتمية، يقول عديد المسافرين لـ"العربي الجديد"، ممن سكنوها منذ عقود من الزمن لكنهم يحنّون إلى مسقط رأسهم، حيث يتفقون على أن العيد لا يكون له طعم بعيدا عن العائلة الكبيرة، لكن عاصمة البلاد تظل البيت الكبير الذي احتضن كل الجزائريين من مختلف المناطق، طلبا للدراسة أو الرزق.