محطات في حياة رفسنجاني: أب النظام "المشاغب"

طهران

فرح الزمان شوقي

avata
فرح الزمان شوقي
10 يناير 2017
72FDE6A3-7756-43F4-B46D-C18F30D55487
+ الخط -
ترك الرئيس الإيراني الأسبق، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، والذي توفي أول من أمس الأحد إثر نوبة قلبية، وصية لم يعلن عن تفاصيلها، لكن ما تركه في مذكرات طبعت مرات عدة يشهد على تفاصيل خفية في تاريخ إيران الإسلامية وحتى ما قبل ذلك. سيرة حياة رفسنجاني مرّت بمحطات مفصلية عديدة، أفصح عنها رفسنجاني نفسه، وأنكرها بعض من ارتبطوا بأحداثها، وانتقدها كثر، حتى وإن أكد البعض على صحتها أحياناً وعلى عدم ذلك في أحيان أخرى. من تفاصيل العمل السياسي والثوري إلى العلاقات مع الساسة في الداخل والخارج، وحتى بعض الحكايات التي تعني عائلته، لم يهمل رفسنجاني أياً منها. أبصر النور في عائلة ثرية تقطن رفسنجان في كرمان جنوب شرقي إيران، درس العلوم الدينية في قم، وتأثرت كل مراحل حياته بتلك التجربة. حياة تعرض فيها للاعتقال ولمحاولات اغتيال وإقصاء.



تزوج السياسي المحنك من ابنة عائلة ثرية كعائلته، فارتبط بعفت مرعشي ابنة رجل الدين محمد صادق مرعشي، وحفيدة آية الله محمد كاظم طباطبائي يزدي، صاحب كتاب العروة الوثقى أحد أبرز مراجع الحوزة الدينية. وبعد منحها قطعة أرض مزروعة بالفستق الرفسنجاني قدمت لها كمهر، أدت مرعشي دوراً في حياة الرجل، حتى وإن لم تظهر كثيراً على العلن. وهي رافقته مرة للاقتراع في الانتخابات الرئاسية عام 2009 في حسينية جماران، ذات المكان الذي وضع فيه جثمانه لوداعه قبل دفنه. كما أن عام 2009 هو ذات العام الذي أشعلت فيه الانتخابات نفسها، احتجاجات الحركة الخضراء التي أيدها رفسنجاني بداية.

شهدت مرعشي على كل مراحل العمل السياسي حتى إن التاريخ يؤكد أنها أنقذته من محاولة اغتيال كانت ستنتهي بموت محتم، فوقفت بوجه رجلين من جماعة الفرقان قدما إلى منزلهما ليل 25 مايو/أيار عام 1979، حين هاجما زوجها وأطلقا عليه عياراً نارياً كان سيصيبه برأسه لولا أن دفعته أرضاً فأصاب بطنه. 
أثرت كل العوامل على شخصية رفسنجاني ودوره السياسي، وقد تقرب من أفكار قائد الثورة الإسلامية الإيرانية روح الله الخميني المعارضة لحكم الشاه محمد رضا بهلوي تدريجياً. ومع نفي قائد الثورة للخارج أدى رفسنجاني دور تحريك الثوار في الداخل، واعتقل سبع مرات لفترات متقطعة تزيد عن أربع سنوات. كان هذا الأمر عاملاً مؤثراً جعله من أبرز مؤسسي الجمهورية الإسلامية ومن أصحاب المشروعية في تولي مناصب هامة فيها. تحدث رفسنجاني عن "سافاك" السجن الواقع في طهران والتابع لمؤسسة الاستخبارات والأمن في زمن الشاه مرات عدة. وبعد الإعلان عن وفاته، أفصح رئيس تحرير صحيفة كيهان، حسين شريعتمداري، وهو المعروف بتوجهاته المتشددة، والذي لطالما كان منتقداً لرفسنجاني، عن ذكرى مرا بها سوياً في الزنازين هناك. وبحسب شريعتمداري فقد تعرضا لتعذيب مبرّح، وطلب الجلاد من رفسنجاني أن يقلع عن تحركاته الثورية، ليجيبه الأخير بوضوح أنه لن يتوقف عما يفعله. ووفقاً لشريعتمداري فقد كان لهذه الجملة وقع كبير في نفسه وفي نفس كثر شاركوا في الثورة التي انتهت بتأسيس الجمهورية الإسلامية.
لا يغيب عن مذكرات رفسنجاني، ولا عن خواطر من يعرفه، العلاقة التي تجمعه بالرجل الأول في إيران المرشد علي خامنئي. فقد كتب رفسنجاني إنهما زارا مرة أحد رجال الدين، وهو الذي أبلغهما أن النضال ضد الشاه حرام، فتسبب هذا الموقف بخلاف وقطيعة مع رجل الدين لما يزيد عن عشر سنوات. لم يخف رفسنجاني أنه كان السبب في تعيين خامنئي المرشد والولي الفقيه عقب وفاة الخميني في عام 1989. وكتب أن الخبراء من رجال الدين اقترحوا اسم آية الله سيد محمد رضا غلبايغاني أولاً، فقد لاح القلق بعد عزل حسين علي منتظري من قبل الخميني نفسه وهو من كان الوريث المحتوم لهذا المنصب، لكن الكفة رجحت لصالح خامنئي بعد جهود بذلها رفسنجاني بحسب ما جاء على لسانه.

ظلت العلاقة بين رفسنجاني وخامنئي مستمرة حتى بوجود خلافات كثيرة شابتها في السنوات الأخيرة، بل وبقي رفسنجاني متصدراً المشهد السياسي في كثير من الأحيان على الرغم من تراجعه عقب أحداث عام 2009. وتولى العديد من المناصب كرئاسة مجلس الخبراء الذي تناط به مهمة اختيار وعزل المرشد، وبقي رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام لست دورات منذ تأسيسه عقب انتصار الثورة حتى وفاته، وهو المؤسسة التي تنظر في الخلافات بين مجلس الشورى الذي يؤدي دور الرقيب والمشرّع من جهة، وبين لجنة صيانة الدستور التي تبت القوانين وتمنح الأهلية وتسحب الثقة من جهة ثانية، وهي اللجنة نفسها التي منعت رفسنجاني من الترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي دعم فيها الرئيس حسن روحاني، وهو ما وضع "تيار الاعتدال" الذي يتزعمه الرجل في الصدارة وأعاد الإصلاحيين للمشهد تدريجياً.

يقول رفسنجاني في مذكراته عن ترشحه للانتخابات عام 2005، والتي خسر فيها أمام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، إن زوجة الخميني، خديجة ثقفي، هي من طلبت منه الترشح للمنصب لحفظ منجزات الثورة الإسلامية. تصريحات لم يصدقها كثر واعتبر عديدون أن رفسنجاني يأتي على ذكر أحداث على لسان أشخاص لم يعودوا على قيد الحياة، لكن منذ ذاك الوقت تعرض رفسنجاني وعائلته لانتكاسات سياسية عديدة تجلت في خلافات مع خصمه أحمدي نجاد. تأخر أحمدي نجاد وهو عضو رسمي معين من المرشد الإيراني في مجمع التشخيص الذي ترأسه رفسنجاني، في تقديم تعازيه لكنه قدمها بحرارة. وكان الأخير قد أثار في 2009 موجة من الانتقادات حين خرج في إحدى المناظرات التلفزيونية مع منافسه الخاضع حالياً للإقامة الجبرية الإصلاحي مير حسين موسوي ليكشف عن ملفات فساد طاولت رفسنجاني وأبناءه. خاطب رفسنجاني يومها خامنئي مشتكياً، وقال خامنئي إن وجهات النظر السياسية لأحمدي نجاد أقرب لوجهات نظره، لكنه رد على رسالة رفسنجاني مدافعاً عنه بالقول إنه يبقى من أبرز المناضلين الذين وقفوا لجانب الخميني وإلى جانب مؤسسة المرشد.

لم تنته الأمور عند هذا الحد، لا سيما أن رفسنجاني قرر التصعيد بعد احتجاجات الحركة الخضراء، خلال صلاة يوم الجمعة 17 يوليو/تموز 2009. طالب يومها بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وبالشفافية وبخضوع الجميع للقانون. ولم يعد لمنبر صلاة الجمعة بعد إلقائه خطبة وصفت بـ"التاريخية" على الرغم من أنه شغل منصب إمام جمعة طهران لعقود، ومع ذلك لم يتخل عن اعتبار الثورة والجمهورية الإسلامية خطاً أحمر. لكن هذا لم ينقذه من اتهامه بدعم ما بات يسمى اصطلاحاً بـ"الفتنة"، وهو ما فتح النار عليه من قبل المحافظين الذين باتوا يعتبرون أن محور رفسنجاني الداعي للانفتاح ولبناء الاقتصاد هو ذاك نفسه الذي يزيد الفروقات الطبقية ويبعد الثورة عن أبرز شعاراتها.
امتدت الخلافات لتصل لتصريحات متبادلة بينه وبين الحرس الثوري، ولم ينس أحد بعد ما قاله قبل مدة عندما أشار إلى أن المستقبل في إيران للحوار وليس للصواريخ. تصريح رد عليه المرشد الإيراني بحزم قائلاً إن "المستقبل للدبلوماسية كما للصواريخ، وإن خرجت هذه التصريحات من دون قصد فهذا يتطلب دراية ووعياً، ولكن إن خرجت عن عمد فهذا يعني خيانة".

وعلى الرغم من الأخذ والرد، إلا أن رفسنجاني بقي حاضراً وبقيت قصصه ومواقفه الجدلية تؤدي دوراً في الداخل والخارج. لم يستطع مسؤول إيراني أن يُرمم العلاقات مع السعودية على سبيل المثال كرفسنجاني، ويقال إن هناك مصاهرة بين العائلة الحاكمة السعودية وحفيدته. وكان رفسنجاني قد قام بزيارات تاريخية لهذا البلد أثرت على العلاقات بين البلدين، واحدة منها حين لبى دعوة العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز للمشاركة في مؤتمر حوار الأديان في مدينة مكة. حينها كان رفسنجاني رئيساً لمجلس الخبراء، وجاءت زيارته للسعودية في الوقت الذي كان فيه الرئيس الإيراني في ذلك الحين، محمود أحمدي نجاد موجوداً في إيطاليا. وسبق أن روى رفسنجاني أنه عاد من السعودية ليتفاجأ بتصريح غير صحيح صادر عن الخارجية الإيرانية يفيد بأن ممثل الولي الفقيه في مؤسسة الحج الإيرانية تعرض للإهانة هناك، وأشار إلى تعرض الوزير السابق منوتشهر متكي لضغوط للخروج بهذه التصريحات. وهو ما لم تؤكد صحته، لكن ملف العلاقات مع السعودية كان جزءاً من الملفات الخلافية في الداخل الإيراني خصوصاً خلال مرحلة رئاسة نجاد التي شهدت توتراً إقليمياً وتشنجاً دولياً بسبب الملف النووي. قال رفسنجاني مرة إنه أوصل للخميني أنه لا يجب الإبقاء على القطيعة مع الولايات المتحدة، مع ضرورة التفاوض المشروط من دون تقديم تنازلات. أمر آخر فتح النار عليه، وحتى وإن لم ينجح بتطبيقه. لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني، المحسوب على تيار رفسنجاني، تفاوض والمسؤولين الأميركيين أخيراً.
وبوجود كل هذه المحطات التي ترسم بشكل أو بآخر صورة الملفات التي تعني السياسة الإيرانية، وحتى بوجود واقع الاختلاف مع رفسنجاني، لا سيما خلال السنوات الأخيرة من حياته، إلا أن وفاته جمعت الكل في إيران مجدداً في صورة تشبه سياسة هذا البلد وتؤكد على أن رفسنجاني كان شخصية محورية.
دلالات

ذات صلة

الصورة
الهجوم الإسرائيلي على إيران 26/10/2024 (صورة متداولة)

سياسة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم السبت، أنه شنّ ضربات دقيقة على أهداف عسكرية في إيران، لكن الأخيرة نفت نجاح إسرائيل في الهجوم.
الصورة
مبنى تعرض للقصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت، 26 سبتمبر 2024 (Getty)

سياسة

أطلق الاحتلال الإسرائيلي اسم "ترتيب جديد" بعد إعلانه اغتيال حسن نصر الله ملوحاً بالتصعيد أكثر في لبنان وموجهاً رسائل لإيران وحركة حماس
الصورة
محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران/13 فبراير 2021(Getty)

سياسة

اغتيل رئيس جهاز المباحث في قضاء خاش، حسين بيري، بعد تعرضه لإطلاق نار من قبل مسلحين، وقد تبنت ذلك جماعة "جيش العدل" البلوشية المعارضة.
الصورة
رد حزب الله وإيران | لافتة وسط بيروت، 6 أغسطس 2024 (Getty)

سياسة

تواصل إسرائيل الوقوف على قدم واحدة في انتظار رد إيران وحزب الله على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، والقيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر في بيروت.
المساهمون