لا تُفارق الابتسامة وجهه. ورغم الصعوبات التي اختبرها، ما زال ينتظر فرصته في الحياة. لديه إعاقة منذ وقت طويل لم تؤثر عليه أو تحط من عزيمته، وربما كانت دافعاً بالنسبة إليه ليتمكن من النجاح في الحياة، ويعمل في التخصص الذي اختاره.
لطالما أحب الصحافة، علماً بأن أهله طلبوا منه عدم الالتحاق بكلية الإعلام ودراسة الصحافة كونها مهنة المتاعب، عدا عن كونه فلسطينيّاً، وبالتالي لن يتمكن من إيجاد عمل بسهولة. هو محمد أبو الخير، فلسطيني ولد في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا في جنوب لبنان عام 1990. رغم مرور ثلاث سنوات على تخرجه وحصوله على شهادة في الصحافة، إلا أنه لم يتمكن من إيجاد وظيفة. بعد تخرجه، تدرب في مؤسسات صحافية عدة لبنانية وفلسطينية، من دون أن يحالفه الحظ في البقاء في أي منها. ويعزو السبب في ذلك إلى إعاقته، أو جنسيته، أو "الوساطة"، كما أخبره عدد من الذين التقى بهم، والذين يعملون في هذا المجال.
التقارير الطبيّة أثبتت كلام الداية (القابلة) التي تولّت عمليّة الولادة، وقد علمت منذ البداية أنه يعاني من مشكلة ما. كان كلامها صحيحاً، وتبين لاحقاً أنه معوّق حركياً. بعد عام من ولادته، خضع لعملية ساعدته على تحريك يديه ورجليه. ثم التحق في روضة في المخيم لمدة عامين. وبعدما صار في الصف الأول، كان عليه الانتقال إلى المدرسة، إلا أن ذلك لم يكن ممكناً في المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" كونها غير مجهزة. فلم يكن منه إلا أن التحق بجمعية "لنا المستقبل"، التي تهتم بالأشخاص المعوقين.
يقول محمد: "بقيت فيها حتى الصف الخامس أساسي، وكنت أحظى بعناية كبيرة. وبسبب تفوقي، أخبرني المدير أنه يتوجب علي الانتقال إلى المدرسة، فتكلم مع مسؤول الدمج. عندما أخبرني بذلك، شعرت بالحزن لأنني وجدت الحنان والرعاية في الجمعية". وبالفعل، "التحقت بمدرسة جدين في منطقة صيدا. في البداية، لم يتقبلني المدير في المدرسة، لأنه لا يوجد من يساعدني للوصول إلى الصف الذي كان في الطبقة الثانية من المبنى. لكن بعدما شهد تفوقي، تغيرت نظرته".
في البداية، شعر التلاميذ بالخوف منه. "هذا الأمر أزعجني كثيراً، لكنني تجاوزته، وقلت في نفسي إنهم أطفال ليس لديهم الوعي الكافي. أما المدرسون، فلم يشعروني بأنني مختلف عن بقية التلاميذ. وكان أحد زملائي في الصف يساعدني على حمل حقيبتي والصعود إلى الصف. حتى في امتحانات الشهادة المتوسطة، طلب المدير شخصاً يساعدني في عملية الكتابة. وبعد نجاحي في الشهادة الرسمية، لم أرغب في الالتحاق بمدرسة بيسان في مخيم عين الحلوة، وتوجهت إلى ثانوية الدكتور نزيه البزري، لكنني رسبت. في السنة التالية، تركت ثانوية البزري والتحقت بمدرسة بيسان، حتى أنهيت الدراسة الثانوية".
يتابع: "درست الصحافة بسبب حبّي لها ومتابعتي الدائمة للأخبار. في إحدى المرات، حين كنت في الصف، كتبت خبراً عن مشاغبات زملائي، ثم حملت قنينة بلاستيكية وبدأت بإذاعة الخبر. من هنا بدأت رحلتي. بعد نجاحي في الشهادة، رغبت في الالتحاق بإحدى الجامعات الخاصة. تقدمت بطلب إلا أن الإدارة اشترطت علي كتابة نص أؤكد فيه تحملي مسؤولية وصولي إلى قاعة المحاضرات من دون مساعد، وبالفعل درست الصحافة وتخرجت من الجامعة، لتبدأ رحلة العذاب والبحث عن عمل." حتى اللحظة، لم يوفق، علماً بأنه لم يترك باب أية مؤسسة إعلامية إلا وطرقه. في الوقت الحالي، يفكر في الهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية. برأيه، وحدها هذه الدول تحفظ كرامة الإنسان. وإلى أن يتحقق حلمه، يأمل أن ينظر المعنيون إلى كفاءات وقدرات الناس.
حين كان طفلاً، أخبر بعض الأطباء أمه أنه لن يعيش طويلاً، وأنه سيموت بعد فترة، لكن محمد ما زال حياً، ويبحث عن فرصة عمل جيدة. وحتى اليوم، ما زال ينتظر أي بارقة أمل.
اقــرأ أيضاً
لطالما أحب الصحافة، علماً بأن أهله طلبوا منه عدم الالتحاق بكلية الإعلام ودراسة الصحافة كونها مهنة المتاعب، عدا عن كونه فلسطينيّاً، وبالتالي لن يتمكن من إيجاد عمل بسهولة. هو محمد أبو الخير، فلسطيني ولد في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا في جنوب لبنان عام 1990. رغم مرور ثلاث سنوات على تخرجه وحصوله على شهادة في الصحافة، إلا أنه لم يتمكن من إيجاد وظيفة. بعد تخرجه، تدرب في مؤسسات صحافية عدة لبنانية وفلسطينية، من دون أن يحالفه الحظ في البقاء في أي منها. ويعزو السبب في ذلك إلى إعاقته، أو جنسيته، أو "الوساطة"، كما أخبره عدد من الذين التقى بهم، والذين يعملون في هذا المجال.
التقارير الطبيّة أثبتت كلام الداية (القابلة) التي تولّت عمليّة الولادة، وقد علمت منذ البداية أنه يعاني من مشكلة ما. كان كلامها صحيحاً، وتبين لاحقاً أنه معوّق حركياً. بعد عام من ولادته، خضع لعملية ساعدته على تحريك يديه ورجليه. ثم التحق في روضة في المخيم لمدة عامين. وبعدما صار في الصف الأول، كان عليه الانتقال إلى المدرسة، إلا أن ذلك لم يكن ممكناً في المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" كونها غير مجهزة. فلم يكن منه إلا أن التحق بجمعية "لنا المستقبل"، التي تهتم بالأشخاص المعوقين.
يقول محمد: "بقيت فيها حتى الصف الخامس أساسي، وكنت أحظى بعناية كبيرة. وبسبب تفوقي، أخبرني المدير أنه يتوجب علي الانتقال إلى المدرسة، فتكلم مع مسؤول الدمج. عندما أخبرني بذلك، شعرت بالحزن لأنني وجدت الحنان والرعاية في الجمعية". وبالفعل، "التحقت بمدرسة جدين في منطقة صيدا. في البداية، لم يتقبلني المدير في المدرسة، لأنه لا يوجد من يساعدني للوصول إلى الصف الذي كان في الطبقة الثانية من المبنى. لكن بعدما شهد تفوقي، تغيرت نظرته".
في البداية، شعر التلاميذ بالخوف منه. "هذا الأمر أزعجني كثيراً، لكنني تجاوزته، وقلت في نفسي إنهم أطفال ليس لديهم الوعي الكافي. أما المدرسون، فلم يشعروني بأنني مختلف عن بقية التلاميذ. وكان أحد زملائي في الصف يساعدني على حمل حقيبتي والصعود إلى الصف. حتى في امتحانات الشهادة المتوسطة، طلب المدير شخصاً يساعدني في عملية الكتابة. وبعد نجاحي في الشهادة الرسمية، لم أرغب في الالتحاق بمدرسة بيسان في مخيم عين الحلوة، وتوجهت إلى ثانوية الدكتور نزيه البزري، لكنني رسبت. في السنة التالية، تركت ثانوية البزري والتحقت بمدرسة بيسان، حتى أنهيت الدراسة الثانوية".
يتابع: "درست الصحافة بسبب حبّي لها ومتابعتي الدائمة للأخبار. في إحدى المرات، حين كنت في الصف، كتبت خبراً عن مشاغبات زملائي، ثم حملت قنينة بلاستيكية وبدأت بإذاعة الخبر. من هنا بدأت رحلتي. بعد نجاحي في الشهادة، رغبت في الالتحاق بإحدى الجامعات الخاصة. تقدمت بطلب إلا أن الإدارة اشترطت علي كتابة نص أؤكد فيه تحملي مسؤولية وصولي إلى قاعة المحاضرات من دون مساعد، وبالفعل درست الصحافة وتخرجت من الجامعة، لتبدأ رحلة العذاب والبحث عن عمل." حتى اللحظة، لم يوفق، علماً بأنه لم يترك باب أية مؤسسة إعلامية إلا وطرقه. في الوقت الحالي، يفكر في الهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية. برأيه، وحدها هذه الدول تحفظ كرامة الإنسان. وإلى أن يتحقق حلمه، يأمل أن ينظر المعنيون إلى كفاءات وقدرات الناس.
حين كان طفلاً، أخبر بعض الأطباء أمه أنه لن يعيش طويلاً، وأنه سيموت بعد فترة، لكن محمد ما زال حياً، ويبحث عن فرصة عمل جيدة. وحتى اليوم، ما زال ينتظر أي بارقة أمل.