مع حلول جائحة كوفيد - 19 منذ عدّة اشهر، جرت العديد من الاستعادات لتعامل العلماء في التاريخ الإسلامي مع الأوبئة، التي انتقل تدوينها إلى مرحلة متطوّرة منذ العصر العباسي مع ظهور مؤلّفات أكثر دقة في وصف الأمراض وأعراضها وكيفية وقوعها وما تركته من ضحايا.
"الوباء والاحتراز في الفكر الإسلامي: تأملات في كتاب الترياقي التميمي" عنوان المحاضرة التي تلقيها الباحثة والأكاديمية القطرية عائشة يوسف المناعي، مدير "مركز محمد بن حمد آل ثاني لإسهامات المسلمين في الحضارة"، عند الثانية عشرة من ظهر بعد غدٍ الثلاثاء افتراضياً، بتنظيم من كلية الدراسات الإسلامية بالدوحة.
يناقش الصيدلي وعالم الأحياء المسلم جودة الهواء وتلوثّه قبل أكثر من ألف عام
يشير تقديم المنظّمين إلى أنه "في مثل هذه الأجواء التي نعيشها خوفاً من فيروس "كورونا" عاش أجداد لنا حالات شبيهة من الخوف من الأوبئة والطواعين، وأدرك العلماء والأطباء قديما أيضا أهمية العزلة عند انتشار الأوبئة وقاموا بدورهم تجاه مجتمعهم في مكافحة هذه الأوبئة، كلٌّ في مجال تخصصه؛ والأطباء – كما هو الحال اليوم - كانوا يعالجون المرضى ويصفون الأدوية النافعة وكيفية الاحتراز من المصابين بالأوبئة".
ويوضّح التقديم ذاته أن "الطواعين التي مرت بالعالم كثيرة، وقد ذُكرت تفاصيلها بدقة في كتب التاريخ خاصة في العصور الأولى، من حيث مبدؤها ومنتهاها، وضحاياها، ومعاناة الناس منها، وسلوكياتهم معها، ثم كشفها بإذن الله تعالى".
تتحدّث المناعي في محاضرتها عن كتاب أُلّف في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) للصيدلي وعالم الأحياء محمد بن أحمد التميمي المقدسي بعنوان "مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء" الذي يناقش جودة الهواء وتلوثّه قبل أكثر من ألف عام، وكيفية التعامل مع "فساد الهواء" كأحد متطلبات الحياة الصحية السليمة.
يمثّل الكتاب، الذي صدرت نسخة منه بتحقيق الباحث بحيى شعار عام 1999، أول الأعمال العلمية المتعلقة بالأوبئة، بعد أن كان الأطباء يكتفون قبل ذلك بوصف الأدوية والأغذية والترياقات، إلا أن المقدسي التميمي ربط للمرة الأولى بين الأمراض وبين الظروف الطبيعية التي يعيشها البشر، وبين علاقة المرض بنوعية الماء الذي يشربه المريض، والهواء الذي يتنفسه.
ويوضح الكتاب كيفية معالجة فساد الهواء عن طريق إيقاد النيران وإحراق المواد ذات الروائح العطرية، فالنار توّلد تياراً هوائياً يسمح بتبديل الهواء، يصحبه طرد الهواء الملوث وإيصال هواء جديد، وأن النار بدرجة الحرارة العالية التي تسببها في الجو كفيلة بقتل الجراثيم الموجودة في هذا الجو المحيط بها، كما يرى أن من طرق الوقاية إعطاء الأصحاء بعض الأدوية التي تقوي المناعة لمنع إصابتهم بالأمراض، واتخاذ تدابير خاصة بمراقبة أماكن انتقاـل العدوى كالحمامات العامة.