قال وزير الشؤون الاجتماعية التونسي، محمد الطرابلسي، لـ"العربي الجديد" إنّ تونس تخطط عبر برنامج الأمان الاجتماعي للهبوط بمعدل الفقر من 15.2 في المائة حالياً إلى رقم من خانة واحدة (9 أو 8 في المائة)، بحلول عام 2027، مؤكداً أنّ الفقر يشهد تراجعاً مستمراً، حتى في أسوأ الأوضاع لناحية الاستقرار المجتمعي الذي تشهده البلاد
في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، أقر البرلمان التونسي قانوناً أساسياً للأمان الاجتماعي، يهدف للنهوض بالفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل، فما الذي تحقق بعد تسعة أشهر من القانون لصالح الفقراء وأسرهم؟
هذا القانون الذي أعتبره من الناحية الشخصية، ثورياً، لا يهدف إلى تحقيق نتائج آنية بقدر ما يؤسس لمرحلة جديدة للسياسات الاجتماعية في البلاد، لأنّ تونس لم تكن لها على مدى أكثر من 30 عاماً استراتيجيات اجتماعية واضحة الأهداف، بل إنّ كلّ الخدمات المقدمة كانت في شكل إجراءات مرافقة أو مصاحبة لخيارات اقتصادية مؤلمة، والدليل على ذلك أنّ السياسات الاجتماعية التي بنيت عليها دولة الاستقلال خصوصاً المتعلقة بسياسة السكن الاجتماعي ومجموع الخدمات الأخرى شهدت تراجعاً في دور الدولة لفائدة القطاع الخاص. قانون الأمان الاجتماعي هو خطوة نحو وضع سياسة اجتماعية في مقاومة الفقر والحدّ من توارثه في إطار قانون عرّف لأول مرة الفقر في جوانبه المتعددة بعدما كان محصوراً بجانبه المالي فقط. وبالنسبة لما تحقق بعد هذا القانون، فإنّ وزارة الشؤون الاجتماعية تقدمت خطوة كبيرة في تحديث سجل الأسر الفقيرة، وجرى حتى الآن إدراج 600 ألف أسرة تقريباً في هذا السجل، من جملة 900 ألف أسرة مستهدفة تمتعت بتدخلات الدولة عبر التحويلات المباشرة للأسر التي تشكو العوز التام (ليس لها أيّ دخل) وعددها 285 ألف أسرة، كما الأسر محدودة الدخل التي يجري التدخل لصالحها بفضل القانون الجديد بحسب نوعية الاحتياجات الخاصة بها.
لتحسين أوضاع فقراء تونس (فتحسي بلعيد/ فرانس برس) |
هل يعني توسيع التدخل لصالح الفقراء عبر منظومة الأمان الاجتماعي أنّ هناك مؤشرات على زيادة الفقر في تونس بعد الصعوبات الاقتصادية التي مرت بها؟
معدل الفقر في تونس هو حالياً في حدود 15.2 في المائة، ونحن نتطلع إلى تخفيض هذا المعدل إلى رقم من خانة واحدة أي في حدود 9 أو 8 بالمائة بحلول عام 2027، والمؤشرات تؤكد أنّ معدل الفقر يتراجع بفضل منظومة الأمان الاجتماعي لأنّ الفقر لن يكون محصوراً في جانبه المالي بل ستكون التدخلات أكثر شمولية لناحية السكن والتعليم والصحة والنفاذ إلى المرفق العام وتحسين ظروف العيش داخل الأسر. توسيع مفهوم الفقر سيمكّن أيضاً من تمتيع الأسر والأفراد الذين جرى إقصاؤهم سابقاً من تدخلات الدولة بسبب المحسوبية أو لأغراض سياسية، من الانتفاع بمزايا المنظومة الجديدة بالاعتماد على نظام التنقيط الذي سيمكن من تحديد موقع كلّ أسرة بحسب خط الفقر المتعارف عليه وفق المعايير الدولية.
ما الذي يضمن التطبيق الشفاف للمنظومة الجديدة؟
القانون الجديد للأمان الاجتماعي هو مسؤولية وطنية وليست وزارية أو حكومية، فكلّ الوزارات معنية بسب اختصاصها، وسيجري نشر كلّ القوائم للأسر المتمتعة بالتدخلات الاجتماعية لضمان الشفافية، كما سيكون من حق كلّ فقير يحرم من هذه المساعدات أن يرفع قضية لدى المحاكم لاسترجاع حقوقه.
هل ستتضمن موازنة العام المقبل إجراءات جديدة لصالح فقراء تونس في إطار تحقيق أهداف قانون الأمان الاجتماعي؟
لا يمكننا الجزم بذلك، لأنّ وزارة الشؤون الاجتماعية ما زالت في طور المفاوضات مع وزارة المالية من أجل زيادة المخصصات بعنوان التحويلات الاجتماعية التي تصرف لصالح الأسر المعوزة، إذ طالبنا بزيادة التحويلات الشهرية من 180 ديناراً تونسياً (63 دولاراً أميركياً) حالياً إلى نحو ثلثي الحدّ الأدنى للأجور تقريباً أي ما يعادل 250 ديناراً (88 دولاراً)، وجرى الاتفاق على إقرار هذه الزيادة تدريجياً لأنّ إمكانات الدولة حالياً لا تسمح بالزيادة دفعة واحدة.
هناك من يعتبر أنّ الطفولة في تونس ليست بخير بسبب زيادة نسب الانقطاع عن الدراسة وتشرد الأطفال لأسباب اجتماعية في الأساس، فما هي خطة الوزارة للقضاء على فقر الأطفال؟
لأول مرّة ستكون لدينا في تونس إحصاءات رسمية عن نسب الفقر لدى الأطفال، والذي يمس تقريباً 24 في المائة من مجموعهم، وتضع وزارة الشؤون الاجتماعية استراتيجية خاصة في إطار مشروع قانون يحال على الحكومة قريباً يتعلق بالأرضية الوطنية للحماية الاجتماعية، سيجري بموجبه زيادة التحويلات الخاصة بالأطفال لكلّ الأسر التونسية من دون استثناء، أي من تتراوح أعمارهم ما بين 0 سنة و16 سنة. هذا القانون سيمنح الأسر تحويلات في حدود دينار واحد (0.35 دولار) يومياً لكلّ طفل أي بمعدل 350 ديناراً (123 دولاراً) سنوياً مقابل تحويلات حالية لا تتجاوز 80 ديناراً (28 دولاراً) على أن تسند هذه المنح في إطار عقد شراكة بين الدولة والأسر تتعهد بموجبها هذه الأخيرة بضمان استمرار دراسة أبنائها والالتزام برعايتهم الصحية عبر الحرص على التلقيح ونوعية الغذاء ومتابعة المرضى منهم أو الأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسسات الصحية الحكومية. هذا الإجراء سيساعد في الحدّ بشكل كبير من الانقطاع المدرسي الذي يهدد آلاف التلاميذ، ويحسن أيضاً من الرعاية الصحية للأطفال والناشئة وبالتالي يحدّ من كلفة العلاج لاحقاً.
كيف سيموّل هذا المشروع في ظل إمكانات محدودة للدولة حالياً؟
مشروع الأرضية الوطنية للحماية الاجتماعية في مجمله سيكلف الدولة تقريباً 1.3 في المائة من الناتج المحلي، أما إذا اقتصرنا فقط على الدعم المالي للأطفال فستنزل هذه الكلفة إلى 0.35 في المائة من الناتج المحلي، وهي مخصصات يمكن توفيرها عبر مراجعة الضرائب المفروضة على بعض المنظومات "الفاسدة" أو ترشيد دعم الطاقة.
تقول دراسات إنّ 40 في المائة من كبار السن في تونس يحتاجون إلى دعم أسرهم لمواجهة النفقات فهل هناك خطة للعناية بهذه الفئة خصوصاً أنّ الهرم السكاني يسير في اتجاه الشيخوخة؟
الأرضية الوطنية للحماية الاجتماعية تشمل كذلك مقاومة الفقر لدى كبار السن وذلك عبر زيادة الرواتب أو التحويلات الخاصة بهم داخل الأسر التي تشكو من العوز. وابتداء من يناير/ كانون الثاني المقبل، لن تكون هناك تقديمات أقل من 180 ديناراً (63 دولاراً). واليوم، علينا إعادة النظر في إطار مقاومة الفقر، إذ لم يعد من المقبول أن يحصل أيّ محال على التقاعد على راتب يتدنى عن الحدّ الأدنى للأجور، وهو 403 دنانير (141 دولاراً). هناك وعي بأنّ الفوارق تتسع بشكل كبير بين الأجور الدنيا في القطاع الحكومي والأجر الأدنى الصناعي والفلاحي، وهذه الفوارق لها انعكاسات مباشرة على رواتب التقاعد ويجب العمل عليها.
لكن، حتى المتقاعدون في القطاع الحكومي ليسوا في وضع جيد نتيجة التأخر المستمر في صرف رواتبهم، واستثنائهم من الزيادات في الأجور، فضلاً عن عدم إحساسهم بالأمان، بسبب الأزمة المالية لصناديق المعاشات (الرواتب) فكيف يمكن درء الخطر عن هذه الفئة؟
أولاً، لنتفق أنّ المتقاعدين لا يواجهون أيّ مخاطر في الوقت الحالي، لأنّ صناديق المعاشات بدأت تستعيد توازناتها المالية بعد خطة الإصلاح، بزيادة سنّ العمل إلى 62 عاماً وفرض الضريبة على الدخل بـ1 في المائة على النشطين والمتقاعدين وكلّ أصحاب الدخل، وهذا الإجراء التضامني أبعد شبح الإفلاس عن الصناديق الاجتماعية بعدما كان يخيم عليها سنة 2016. وقد تمكن مستحقو التقديمات من الحصول على زيادة في رواتبهم بنسبة 18 في المائة منذ عام 2018، كما أنّ كلّ أقساط الزيادات العالقة صرفت تقريباً بما قيمته 700 مليون دينار (244 مليون دولار). وبداية من عام 2020 ستطبق المساهمة الاجتماعية بنسبة 1 في المائة تقتطع من حساب الأجير، و2 في المائة من حساب الدولة، وهذه المساهمة ستزيح كلّ مخاطر إفلاس صناديق المعاشات وستقلص عجزها من مليار دينار (350 مليوناً و505 آلاف دولار) سنة 2019 إلى أقل من 100 مليون دينار (35 مليون دولار) بحلول عام 2021. وفي الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، صادقت الحكومة بمناسبة اليوم العالمي لكبار السن على زيادة التأمينات الاجتماعية للمتقاعدين ومراجعة قائمة الأمراض التي يجري التكفل بها من قبل صندوق التأمين على المرض، فضلاً عن زيادة سقف التكفل المالي بأمراض كبار السن.
وماذا عن الأشخاص ذوي الإعاقة وما هو نصيبهم من السياسة الاجتماعية الجديدة؟
اليوم، لدينا في تونس 265 ألف حامل لبطاقة إعاقة يتمتعون بالتغطية الصحية المجانية والشاملة، لكنّ منظمات دولية تقول إنّ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة الفعلي هو ما بين 500 و600 ألف أي نحو 2 في المائة من مجموع السكان، ووزارة الشؤون الاجتماعية بصدد الإعداد لمسح شامل حول الأشخاص ذوي الإعاقة. هذا العام، أعدنا فتح باب التوظيف، أمام الأشخاص ذوي الإعاقة بعد تعطيل منذ عام 2014، وهذه الانتدابات التي ستكون في حدود 2 في المائة من مجموع الوظائف المعروضة ستقلص من نسب البطالة لدى هذه الفئة وتحسن من وضعها المادي والاجتماعي. وزارة الشؤون الاجتماعية قامت أيضاً بمجهود كبير في تسوية الأوضاع المهنية للعاملين في جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة من أجل الحفاظ على هذا الشكل التضامني بين المجتمع المدني والدولة في الإحاطة بالفئات الضعيفة، لكنّ مشوارنا ما زال طويلاً ويحتاج إلى إمكانات طويلة. مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.
تتعرض تونس لضغوط لقبول مخيمات المهاجرين وهذه الضغوط زادت مؤخراً من قبل دول أوروبية فهل يمكن أن ترضخ؟
الموقف الوطني واضح وصريح: تونس لن تقبل مخيمات المهاجرين، ولن تتحول إلى معسكر لطالبي اللجوء، والدولة تقوم بدورها في حماية الحدود البحرية والحدّ من الهجرة السرية وعلى دول شمال المتوسط تحمل مسؤولياتها وفقاً لقوانينها وألاّ تصدر مشاكلها لجنوب المتوسط.
ختاماً، هناك من يعتبر أنّ نتائج الانتخابات الرئاسية التي تخلصت من كامل منظومة الحكم هي عقاب على سياسة اجتماعية واقتصادية وصفت بالفشل، فما هو ردكم؟
كلّ الحكومات التي قامت بإصلاحات اقتصادية دفعت الثمن السياسي لذلك، على غرار اليونان والبرتغال. أعتبر أنّ نتائج الانتخابات كانت نتيجة حتمية لسنوات من "جلد" الطبقة السياسية وشيطنتها، والناخب لم يغفر كلّ الأخطاء التي ارتكبتها منظومة لم تتمكن من تلبية تطلعات المواطنين.
سيرة
ولد محمد الطرابلسي عام 1954. حاصل على الدبلوم في التاريخ والجغرافيا من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس، والأستاذية من معهد الصحافة وعلوم الأخبار، كما أنّه خريج معهد الدفاع الوطني. تولى منصب أمين عام مساعد في الاتحاد العام التونسي للشغل، مكلفاً بالتعليم ثم الاتصال والعلاقات الدولية. وهو عضو في المجلس الوطني للشباب والمعهد الوطني للإحصاء. عيّن عام 2008 مديراً لنشاطات العمال لشمال أفريقيا في المكتب الإقليمي لمنظمة العمل الدولية بالقاهرة.