05 نوفمبر 2024
محمد صلاح وكرة القدم الفلسطينية
أثار الكلام المنسوب للاعب كرة القدم المصري، محمد صلاح (وهو كلام لم تثبت صحته) عن عزمه الانسحاب من فريق ليفربول الإنكليزي، إذا انضم إليه اللاعب الفلسطيني الحامل بطاقة الهوية الإسرائيلية، مؤنس دبور، غصّة لا تخلو من مرارة، عقدت حلوق فلسطينيين كثيرين، رياضيين ومثقفين، أثار استياءهم جهل اللاعب المصري الشهير تعقيدات وضع لاعبٍ، يمثل خير تمثيل واقع حال فلسطينيٍّ أشد تعقيداً، تتداخل فيه شجون السياسة مع شؤون الرياضة والفنون والتعليم والثقافة، ومختلف مناحي الحياة اليومية.
مبعث هذه الغصّة نابعٌ من استمرار حالة سوء فهمٍ مديدة، تم توظيفها بتعسّفٍ من بعض الأشقاء العرب، إزاء كتاب وسياسيين وفنانين فلسطينيين بارزين من عرب 1948، شاءت أقدارهم العمياء أن يحملوا، بالإكراه، جنسيةً نافيةً لهويتهم ومناقضة لانتمائهم الوطني، وهو سوء فهمٍ تبدّد تدريجياً مع الوقت، بعد أن تبين الغثّ من السمين، إلا أن محمد صلاح، اللاعب الدولي، الراغب في درء شبهة التطبيع، وقع فيه من جديد، نتيجة قصور وعيٍ سياسيٍّ لا يلام عليه، ولضآلة خبرته بمكوّنات وضع فلسطيني عابر للحدود، ووثائق التجنيس واللغات ومطارح الرزق.
ولعل بطولة أمم آسيا لكرة القدم الجارية على ملاعب الإمارات في هذه الأيام، والتي يشارك فيها فريق فلسطيني تم تكوينه من مختلف التجمعات الفلسطينية، في القارات الخمس، تقدّم أفضل جوابٍ على مدى تحكم الاعتبارات الديموغرافية في بنية الرياضة الفلسطينية، حيث جرى تشكيل الفريق على أسس الهوية الوطنية الخالصة، بغضّ النظر عن وثائق الجنسية المكتسبة لبعض اللاعبين، عربية كانت أو أوروبية أو أميركية، أو حتى إسرائيلية، وهو أمر يحاكي حال شتات شعبٍ يكافح لانتزاع حقوقه الأساسية، وتعضيد مقوماته ومؤسساته الكيانية.
كان أول من لفت الانتباه إلى هذه المسألة الكاتب معن البياري، في مقالته في "العربي الجديد" (7/1/2019)، ترافع فيها ببراعةٍ عن ابن الناصرة، مؤنس دبّور، اللاعب الذي يعترض محمد صلاح على انضمامه لفريق ليفربول، غير أن ما لفتني أكثر مداخلتان لكاتبين إسرائيليين في "هآرتس" حول الموضوع نفسه، إحداهما لعوزي ديان، ولا أدري ما إذا كان هو الجنرال المعروف بالاسم نفسه، ابن أخ موشيه ديان، أم أنه أحد الصحافيين الرياضيين، وجاءت المداخلتان بمناسبة بدء بطولة أمم آسيا، وفيهما تفاصيل كثيرة عن المنتخب الفلسطيني.
وفي معلوماتٍ كنت أجهلها، كون كرة القدم خارج حيّز اهتماماتي، وأحسب أنها معلوماتٌ مفيدةٌ للمتلقين العرب، وقفتُ على حقيقة أن كابتن فريق "الفدائي"، وهو المنتخب الوطني الفلسطيني الذي اتخذ اسمه من الفدائيين، هو اللاعب عبد الله جابر، ابن الطيبة، إحدى قرى المثلث، وإلى جانبه أربعة لاعبين يحملون الهوية الزرقاء، أي الجنسية الإسرائيلية، وقد وُصف جابر بأنه بطل فلسطيني بكل معنى الكلمة، يقود فريقاً يشعر أعضاؤه بأن لديهم رسالة، ويغمرهم إحساسٌ وطنيٌّ، وليست بحوافز الرواتب والنجومية، وفوقه إن هذا الفريق يبدو مثل شابٍّ عثر على نفسه، وأنه جزء من شيء فلسطيني أكبر.
وأود لو أن أحداً من الصحافيين الرياضيين يضيف إلى معلومات محمد صلاح بيتا من الشعر، وهو أن الفريق الذي يلعب اليوم في بطولة آسيا، ويتجاوز الفريق الإسرائيلي حسب تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) يتكون من لاعبين يتحدثون في غرف تغيير الملابس بعدة لغات، قد أتوا ليس فقط من القدس والخليل وغزة، ورام الله حيث مقر الاتحاد الرياضي الفلسطيني، وإنما أيضاً من الأردن وسورية وأستراليا وتشيلي وسلوفاكيا والولايات المتحدة، جاؤوا بدوافع وطنية إلى الفريق الذي يحمل اسم فلسطين ويرفع علمها، ويتلو نشيدها في المباريات الدولية.
خلاصة القول إن خطوط التماس والحكام والمتفرجين، أو قل الهوامش السياسية حول ملعب كرة القدم الفلسطينية، أكثر أهميةً مما يجري فوق المستطيل الأخضر، من تسجيل أهداف، وحسبة فوزٍ في مباراةٍ دولية، طالما أن المشاركة في هذه المنافسات تعتبر معركة بقاء، تعزّز الحضور السياسي، وتؤكّد الهوية الوطنية، وتكسبها مزيداً من الاعتراف والتحقق والشرعية.
ولعل بطولة أمم آسيا لكرة القدم الجارية على ملاعب الإمارات في هذه الأيام، والتي يشارك فيها فريق فلسطيني تم تكوينه من مختلف التجمعات الفلسطينية، في القارات الخمس، تقدّم أفضل جوابٍ على مدى تحكم الاعتبارات الديموغرافية في بنية الرياضة الفلسطينية، حيث جرى تشكيل الفريق على أسس الهوية الوطنية الخالصة، بغضّ النظر عن وثائق الجنسية المكتسبة لبعض اللاعبين، عربية كانت أو أوروبية أو أميركية، أو حتى إسرائيلية، وهو أمر يحاكي حال شتات شعبٍ يكافح لانتزاع حقوقه الأساسية، وتعضيد مقوماته ومؤسساته الكيانية.
كان أول من لفت الانتباه إلى هذه المسألة الكاتب معن البياري، في مقالته في "العربي الجديد" (7/1/2019)، ترافع فيها ببراعةٍ عن ابن الناصرة، مؤنس دبّور، اللاعب الذي يعترض محمد صلاح على انضمامه لفريق ليفربول، غير أن ما لفتني أكثر مداخلتان لكاتبين إسرائيليين في "هآرتس" حول الموضوع نفسه، إحداهما لعوزي ديان، ولا أدري ما إذا كان هو الجنرال المعروف بالاسم نفسه، ابن أخ موشيه ديان، أم أنه أحد الصحافيين الرياضيين، وجاءت المداخلتان بمناسبة بدء بطولة أمم آسيا، وفيهما تفاصيل كثيرة عن المنتخب الفلسطيني.
وفي معلوماتٍ كنت أجهلها، كون كرة القدم خارج حيّز اهتماماتي، وأحسب أنها معلوماتٌ مفيدةٌ للمتلقين العرب، وقفتُ على حقيقة أن كابتن فريق "الفدائي"، وهو المنتخب الوطني الفلسطيني الذي اتخذ اسمه من الفدائيين، هو اللاعب عبد الله جابر، ابن الطيبة، إحدى قرى المثلث، وإلى جانبه أربعة لاعبين يحملون الهوية الزرقاء، أي الجنسية الإسرائيلية، وقد وُصف جابر بأنه بطل فلسطيني بكل معنى الكلمة، يقود فريقاً يشعر أعضاؤه بأن لديهم رسالة، ويغمرهم إحساسٌ وطنيٌّ، وليست بحوافز الرواتب والنجومية، وفوقه إن هذا الفريق يبدو مثل شابٍّ عثر على نفسه، وأنه جزء من شيء فلسطيني أكبر.
وأود لو أن أحداً من الصحافيين الرياضيين يضيف إلى معلومات محمد صلاح بيتا من الشعر، وهو أن الفريق الذي يلعب اليوم في بطولة آسيا، ويتجاوز الفريق الإسرائيلي حسب تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) يتكون من لاعبين يتحدثون في غرف تغيير الملابس بعدة لغات، قد أتوا ليس فقط من القدس والخليل وغزة، ورام الله حيث مقر الاتحاد الرياضي الفلسطيني، وإنما أيضاً من الأردن وسورية وأستراليا وتشيلي وسلوفاكيا والولايات المتحدة، جاؤوا بدوافع وطنية إلى الفريق الذي يحمل اسم فلسطين ويرفع علمها، ويتلو نشيدها في المباريات الدولية.
خلاصة القول إن خطوط التماس والحكام والمتفرجين، أو قل الهوامش السياسية حول ملعب كرة القدم الفلسطينية، أكثر أهميةً مما يجري فوق المستطيل الأخضر، من تسجيل أهداف، وحسبة فوزٍ في مباراةٍ دولية، طالما أن المشاركة في هذه المنافسات تعتبر معركة بقاء، تعزّز الحضور السياسي، وتؤكّد الهوية الوطنية، وتكسبها مزيداً من الاعتراف والتحقق والشرعية.
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024