محمد عادل.. حكم العسكر وراء قضبان الثورة

08 يوليو 2017
+ الخط -
يصرّ النظام المصري على التنكيل بالشباب المنتمي للثورة وتعريض توجّهه للتسييس، عندما ساهم في شحذ وعيه حيال الواقع والانخراط فيه لمحاولة تحسين شروطه وتغييره، ومواجهة الفساد والقمع والمحسوبية، المتغلغلة في كافة مؤسّسات وأجهزة الدولة، ورفض الفوضى والعشوائية وإهدار القانون، بهدف تحقيق العدالة والكرامة للمواطن.

يتعمّد نظام الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي مدّ خطوط المواجهة والخصومة، مع كل أطراف الثورة إلى نهايتها، وعدم التراجع عن تشويههم وقمعهم، وتقديمهم للأجهزة الأمنية، حليفه وسنده لحماية "شرعيته المزعومة" في الحكم، وبقاء نظامه السياسي وضمان استمراره، للثأر منهم وتصفيتهم وممارسة شتى صنوف التعذيب والاضطهاد داخل وخارج السجن، حتى أضحى كل صاحب رأي وناشط سياسي في القاهرة رهن الحبس والاعتقال والمراقبة الأمنية طوال الوقت حتى لو حصل على الإفراج من حبسه.

محمد عادل، أحد مؤسّسي "حركة 6 إبريل"، أبرز حركات الضغط المجتمعي، التي فضح مؤسسوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومدوّناتهم الشخصية ممارسات وزارة الداخلية قبل الثورة، ووثّقت عبر شهادات مكتوبة ومصوّرة كل من تعرضوا للتعذيب داخل أقسام الشرطة، التي تحولت إلى "مسالخ بشرية".

كما قادت الحركة مظاهرات الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، ضد الرئيس المخلوع مبارك التي أدّت إلى سقوط نظامه وهروب رجال الشرطة، من الشوارع أمام المتظاهرين الذين تصدوا لأسلحتهم ورصاصهم والغاز المسيل للدموع لتفريقهم، فضلًا عن عمليات الدهس العشوائي بسيارات الشرطات والأمن المركزي والمدرّعات للمتظاهرين.

كان ذلك، بعد محاولات عديدة لإجهاض الثورة وقمعها وقتل الآلاف من شبابها، الذين صمدوا ببسالة، بينما فرّ الجنود والضبّاط هاربين، وتخلوا عن حماية أمن البلاد، وتورّطوا في تهريب المساجين من أقسام الشرطة لإحداث حالة من الخوف والهلع بين المواطنين ضدّ الثورة واتهام المحرّضين عليها، بأنهم وراء هذه الأعمال وتلطيخ سمعتهم ونسب أعمال التخريب وتهديد الأمن القومي لهم في محاولات دؤوبة لم تكف السلطة عن ممارستها لوقف التأييد الشعبي للثورة وتجميد نشاطها ووقف العدوى لمناطق أخرى تتسبّب في تهديد باقي أطراف النظام في مواقعهم ومصالحهم، لكنها لحظة فضحت ولاءاتهم الحقيقية وطبيعة مهامهم ودورهم الوظيفي المحدود في الحفاظ على الأمن السياسي ونظام الحكم ولا شيء آخر.

أصبح العداء بين حكم الجنرال والثورة معلنًا ولا يخفى على أحد، بين معسكر السلطة وخصومه السياسيين، وترسانة من القوانين تم تفصيلها على عجل، بهدف القمع والتنكيل وإرضاء تعالي الأجهزة الأمنية وردّ اعتبارها وتضخيم ذاتها وشحن جبروتها، بعدما تعرّضت لهزّة عنيفة بعد الربيع العربي في القاهرة، تبعثرت فيها كرامتها في الشوارع، على إثر الهتافات التي "مزّقت" بزاتهم العسكرية وطاردتهم وهم يفرون خارج ميادين الحريةّ، بينما كانت تلاحقهم الأصوات الثائرة ووجوهم غير الخائفة، وهم يخلعون كل شيء ينسبهم لجهاز الشرطة ويمزقون هويّاتهم خشية الفتك بهم.

ألقي القبض على محمد عادل، أثناء مداهمة المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في 18 ديسمبر/ كانون الأوّل 2013، بدعوى أنه مطلوب توقيفه في قضية خرق قانون التظاهر، وصدر في حقه أمر ضبط وإحضار من النائب العام، في قضية التظاهر، أمام مجلس الشورى، والاعتداء على ممتلكات عامة.

أيّدت محكمة النقض حكم محكمة جنح مستأنف عابدين، وذلك بحبسه ومؤسس "حركة 6 أبريل"، أحمد ماهر، والناشط السياسي أحمد دومة، 3 سنوات، لاتهامهم بمخالفة قانون التظاهر، والتعدّي على قوات الشرطة.

ووجّهت النيابة العامة للمتهمين، ارتكاب جرائم التعدّي بالضرب يوم 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، على مجنّدي الأمن المركزي المكلّفين بتأمين محكمة عابدين، ما أدّى إلى إصابة ستة منهم، وتنظيم مظاهرة من دون ترخيص، وذلك أثناء التحقيق مع أحمد ماهر بنيابة قصر النيل، لاتّهامه في أحداث مجلس الشورى التي وقعت يوم 25 نوفمبر 2013، إضافة إلى اتهامهم بتعطيل وسائل المواصلات، خلال تنظيم نشطاء فاعلية احتجاجية منددة بقانون التظاهر، الذي أصدره الرئيس المؤقّت عادلي منصور.

واستأنف دفاع المتهمين، على قرار محكمة الجنح "الدرجة الأولى" بحبس النشطاء، أمام محكمة جنح مستأنف عابدين "الدرجة الثانية"، التي قضت بتأييد حبس النشطاء الثلاثة بثلاث سنوات، وتغريم كل منهم 50 ألف جنيه.

وقد تم الإفراج عن محمد عادل في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي، عقب تنفيذ عقوبة بالسجن لمدّة ثلاث سنوات مع تنفيذ مدّة مراقبة لمدّة مماثلة في مركز شرطة أجا، حيث اتخذت السلطات القضائية في مصر بعض الإجراءات التي تُمكّن أجهزة الشرطة، من مراقبة النشطاء الذين اتّهموا بالتحريض على التظاهر ضد الدولة، على خلفية العديد من القضايا، أبرزها اتفاقية تيران وصنافير.

واستخدمت المحكمة صلاحياتها في وضع بعض القيادات الشبابية تحت التدابير الاحترازية، من خلال الحضور إلى أقسام الشرطة التابعين لها ثلاث مرّات أسبوعيًا، إلى حين النظر في تجديد التدابير مرّة كل 45 يومًا.

هذه الإجراءات، هو ما يجعل السجن ممتدًا بالنشطاء السياسيين المفرج عنهم، حيث يصبح من المقرّر الالتزام بجداول المراقبة وتسليم أنفسهم لأقسام الشرطة التابعين لها، حيث كان يضطر محمد عادل أن يقضي يوميًا مدّة 12 ساعة من السادسة مساءً وحتى السادسة صباحًا، ولمدّة ثلاث سنوات في قسم شرطة أجا بمحافظة الدقهلية، كما لا يمكنه مغادرة محلّ إقامته أو المحافظة التابع لها أو مخالفة زيارة القسم ولو لمرّة واحدة، حتى لا يصدر في حقّه قرار بحبسه مرّة أخرى، بهدف تقييد حريته وتحجيم نشاطه وتجميده تمامًا.

ألقت أجهزة الأمن بمحافظة الدقهلية، أمس، القبض على محمد عادل، وذلك عقب خروجه من مقرّ مركز شرطة أجا لتسجيل المراقبة اليومية المقرّرة لمدّة 3 سنوات لتنفيذه حكما قضائيا سابقا.

وتم القبض على محمد عادل، بحسب مصادر أمنية، تنفيذًا لإذن النيابة العامة والذي تم استخراجه بناءً على تحريات الأمن الوطني، بمحافظة الدقهلية، وتوجيه اتهامات بنشر أخبار كاذبة تهدّد السلم والأمن العام، ونشر أخبار الغرض منها التحريض ضد النظام الحالي، وجاء في الاتهام أن القوّات الأمنية ضبطت جهاز "لاب توب" ومحمول خاصين به، وتحفظا عليهما كأحراز للمحضر.

وكتب وائل غالي، محامي محمد عادل، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بعض من الانتهاكات القانونية التي حدثت أثناء التحقيق مع محمد عادل، لكن قبلها أشار إلى اختفاء عادل منذ القبض عليه بعد قضاء فترة المراقبة بقسم الشرطة وحتى ظهوره أمام النيابة بشكل مفاجئ، وبدأت المخالفات القانونية باستدعاء النيابة لمحامٍ منتدب، بالرغم من تمسّك محمد عادل بحضور محاميه، وعندما حضر الأخير معه وانصرف المحامي المنتدب من النيابة، يصف محامي عادل طبيعة الاتهامات الموجهة كالآتي: "كانت عبارة عن تحرّيات هلامية لم أفهم منها غير أن محمد عادل يحوز منشورات بغرض نشر أخبار من شأنها التأثير على النهوض الاقتصادي للبلاد، وأثناء اطلاعي على التحقيقات فوجئت بأن النيابة تسأله هل أنت منتمٍ لتنظيم سياسي؟"

وكان من بين المخالفات التي رصدها المحامي في شهادته المكتوبة، أن وكيل النيابة سأل عادل: "ما هو رأيك في النظام السياسي؟ فرفض توجيه السؤال قانونيًا لأنه يتعلّق بحريّة الرأي الداخلية، وهو محظور طالما لا يوجد تعبير عنه، واعتبر أن ذلك الأمر يخرج عن نطاق التحقيق والتحرّيات وهو أمر محظور وفقًا لتعليمات النائب العام. لكن وكيل النيابة اعترض وقال له: "أنا المحقّق وليس لي علاقة بالنائب العام".

ينبغي الإشارة إلى أن محمد عادل، سبق أن تعرّض لمحاولة اعتداء بدني داخل قسم الشرطة أثناء قضاء فترة المراقبة من مجموعة من الجنائيين اتهمت على إثرها "حركة 6 إبريل" وزارة الداخلية بتحريض مجموعة من الجنائيين للتحرّش والعدوان على عادل، فضلًا عن قيام قسم الشرطة بمنع دخول أجهزة المحمول مع المراقبين، ومنع الإجازات المقرّرة قانونًا للمراقبين، وزيادة حدّ التفتيش للدرجة القصوى بما يشمل التفتيش الذاتي الدقيق بصورة مهينة.

ووصفت منظّمة العفو الدولية هذه التدابير الاحترازية ضد النشطاء التي تفرضها السلطات المصرية بأنها تعسفية وانتهاك لحقوقهم الأساسية، تصل في بعض الأحيان للحد من حرّيتهم.

وقالت ناجية بونعيم مديرة المنظمة في تونس، أن العديد من النشطاء أدينوا بتهمة ممارسة نشاطات سلمية لا ينبغي أن يسجنوا عليها أبدًا كما أكّدت أن هذه التدابير الاحترازية في الوقت الحالي أضحت أداة تحت تصرّف السلطات لسحق المعارضة وعلى السلطات المصرية، رفع تلك التدابير وأوصت بالإفراج الفوري غير المشروط عن النشطاء الذين اعتقلوا أو سجنوا لمجرّد ممارستهم حقوقهم.

المساهمون