محمد عزت دروزة وقراءة في مشهد النصر الأخير
بروح تفاؤلية ظاهرة كتب محمد عزت دروزة عن مآلات الصراع العربي - الإسرائيلي مبشرًا بانتصار مستقبلي حاسم لصالح العرب ضد الصهاينة؛ وفقًا لمقتضيات التاريخ وقوانين الاجتماع التي تحكم بحتمية زوال المعتدي واسترداد صاحب الحق حقه. وبما يشبه النبوءة المؤجلة، برع في رسم صورة كاملة لمشهد قيام الدولة الفلسطينية، الذي لا يقتصر على جلاء قوات الاحتلال عنها وتدفق أفواج اللاجئين الفلسطينيين إليها فحسب، بل ويتضمن تشكّل اتحادات عربية ضاغطة قادرة على مساندة الدولة الناشئة وحماية وجودها. ومن ثمّ يصوّرها عضوًا في الأمم المتحدة، لها حق المطالبة باسترداد جميع ما سلبه المستوطنون طوال فترة احتلالهم للأرض، مع تغريمهم تعويضًا إلزاميًا لما نُهب من ثرواتها أو دُمر من أبنيتها أو استهلك من خيراتها.
في سردية كلاسيكية لإيجابيات الواقع العربي المستجلبة لنصر مفترض، يستعرض دروزة شواهد عديدة عززت تلك النبوءة خلال ما يزيد على ثلاثين عامًا منذ زمن النكبة وحتى مطلع الثمانينيات. بدءًا من تأميم شركات النفط في دول الخليج والتحرك لإنشاء منظمات عربية عابرة للحدود، ومرورًا بحرب أكتوبر/ تشرين الأول التي كاد فيها الجيشان السوري والمصري أن يُحققا نصرًا حاسمًا لولا المساعدات الأميركية للجانب الإسرائيلي، وأخيرًا بما تشهده البلاد العربية من تقدم ظاهر وملحوظ، مضيفًا إلى ذلك كله حديثًا مستفيضًا عن سلبيات المجتمع الإسرائيلي السائر نحو نهايته.
قد نختلف في قبول أو رفض تفصيلات كثيرة مما ذكره دروزة في تصويره لواقع حال عالمنا العربي اليوم، وقد لا نحمل في نفوسنا روح التفاؤل الشائعة في نصوصه، إلّا أنّ ثمة ما لا يملك أحدنا الاعتراض عليه، وهو أنّ الأجيال المتلاحقة من أبناء فلسطين لا تزال قادرة على تخييب ظنّ العدو، فهي لا تنسى ولا تستكين، ومقاومتها مستمرة ومتجددة.
إنّ الحالة النضالية التي يشير إليها دروزة في معرض حديثه عن طريق الكفاح الذي يقود إلى تحقيق نبوءة النصر والتحرير لا تقل ملحمية عن الحالة التي عايشها المقدسيون في صمودهم الأخير. وهي إن دلت على شيء فإنّما تدل على أنّ جمر المقاومة قد يخبو حينًا لكنّه لا ينطفئ أبدًا، وهو قابل للاشتعال في أي لحظة.
لا يزال الشعب الفلسطيني بأطيافه المختلفة مستعدا للتضحية. وهو قادر، في كل مرة، على تحييد اختلافاته السياسية والفكرية والدينية، متوحدًا خلف قضيته الأولى ضد عدوه الأول، سائرا بذلك على نهج المناضلين والشهداء، ومتجاوزا حالة الانقسام الآخذة بالتجذر والامتداد بين قياداته. وهذه التضحية وذلك الصمود، هما تحديدًا، الرهان الحقيقي الذي يُعوّل عليه.